Menu

تحليلالدم الفلسطيني ينزف من جديد في مخيم جنين

أحمد عويدات

من مخيم البداوي الفلسطيني والبقاع اللبناني في عام 1983 مروراً بمخيم عين الحلوة في صيدا اللبنانية، إلى الضفة الغربية ومخيماتها، وآخرها مخيم جنين حيث لا يزال الدم الفلسطيني ينزف، وحيث تعلو مناشدات القوى الفلسطينية والهيئات الشعبية والإعلامية والتجمعات واللجان الفلسطينية، والشخصيات الوطنية تطالب بوقفه، وترفع صوتها " دم الفلسطيني على الفلسطيني حرام ".

في الوقت الذي تزداد فيه جرائم الاحتلال في قطاع غزة، وخاصة في شمالها، بفعل الهجمة الشرسة  التي تنفذها قواته  الغازية بما تُسمى "خطة الجنرالات "، وفي ظل ارتكاب المزيد من مجازر الإبادة الجماعية ضد الأطفال والنساء والجرحى، واستهداف المشافي ومراكز الإيواء وخيم النازحين، تشن قوات أمن السلطة الفلسطينية حملة لا مثيل لها على مخيم جنين والمقاومين فيه، بالتزامن مع تنفيذ القوات الإسرائيلية والمستوطنين الاقتحامات للمدن والقرى الفلسطينية، والاعتداء على المدنيين،  وتخريب ممتلكاتهم وهدم بيوتهم وحرق محاصيلهم، واعتقال العشرات منهم، وآخرها وليس أخيرها اقتحام مخيمي طولكرم ونور شمس وقتل ١٣ مواطناً فلسطينياً؛ تأتي  حملة السلطة الأمنية غير المبررة تحت مسمى  "حماية وطن"، وأي وطن تمزقه المستوطنات والمستوطنين، وسلطة قابعة تحت حراب الاحتلال لا يستطيع مسؤولوها الانتقال من مكان لآخر إلا بموافقة أمنية إسرائيلية!! أي وطن والرصاص يوجه إلى صدور أبناء الوطن وحماة شرفه وكرامته وعزته!! أي وطن ونصفه الآخر يئن جوعاً وعطشاً، ويُحرق فيه الأطفال والنساء أحياء!! أي وطن تُنشر فيه الأوبئة والأمراض، ويُدفن أهله تحت الأنقاض، وتُقتل فيه الطواقم الطبية والإسعافية ورجال الدفاع المدني!!

أليسوا هؤلاء من الوطن أم أنهم من وطن آخر؟ أليس هؤلاء مَن يستحق الحماية من رجال الوطن؟ أم لا شأن للسلطة بهم منذ أكثر من نحو سنة وثلاثة أشهر من الحرب البربرية النازية؟ وهل "حماية الوطن" هذه تفترض أن تتماهى مع مصالح دولة الكيان بقتل وملاحقة المقاومين الذين تطاردهم قوات الاحتلال منذ سنين؟ أم أنه عربون صفقة جديدة نقدمها للاحتلال لإعادة اعتماد أوراقنا من جديد لتجديد عقد التشاركية والتنسيق الأمني، ولحماية الكيان من هجمات المقاومين؟ أم أنه رسالة  إلى القادم الجديد القديم إلى البيت الأبيض لتجديد الثقة بهذه السلطة، وإظهار قدرتها على الإمساك بزمام الأمور؟ أم أنها  الخشية من  وقوع زلزالٍ سوريٍ آخر في الضفة للإطاحة بالسلطة كما يروج الإسرائيليون إلى ذلك؟

 لقد بات واضحاً أن هناك أزلاماً في السلطة يدينون بالولاء التام للكيان أكثر من ولائهم لرأس السلطة نفسه، وينفذون أجندة صهيونية أميركية لإخضاع وملاحقة المقاومين، وإطفاء جذوة المقاومة والمواجهة ضد الاحتلال الغاصب، والادعاء بأنهم يسعون إلى الحيلولة دون اندلاع جبهة جديدة في الضفة ضد الاحتلال، وخاصة أن المقاومة على أبواب عقد صفقة تبادل أسرى ووقف لإطلاق النار في غزة؛ وكأن ذلك لا يروق لهم بأن يُوقف شلال الدم الفلسطيني، متماهين مع الرواية الإسرائيلية التي نقلتها القناة 14 العبرية  والتي مفادها "أن حماس قد أعادت تنظيم صفوفها وقدراتها في الضفة الغربية".

وبحسب موقع يسرائيل هيوم "أن هناك خشية أن يُغيّر رجال الأمن الفلسطينيين ولاءاتهم وينضمون للمقاومة ".

 إن تصريحات المدعو أنور رجب الناطق باسم الأمن الفلسطيني، بأن ما يحدث ليست اشتباكات، بل إنها "حملة أمنية تستهدف الخارجين عن القانون ممن ارتكبوا جرائم بحق المواطنين الفلسطينيين وأجهزة الأمن، وهؤلاء ثلة من المأجورين والمرتزقة الذين باعوا أنفسهم لأجندات مشبوهة ولا وطنية هذه التصريحات اللا مسؤولة تؤكد التماهي التام مع جرائم  جهازي الموساد والشاباك الإسرائيليين، وتدفعنا للتساؤل: هل أن المقاومة أصبحت مشبوهة والمقاومين مرتزقة؟ إذاً ماذا نسمي من يتعامل مع الاحتلال في ارتكاب جرائمه، وملاحقة المناضلين؟ وهل مقاومة الاحتلال أصبحت خروجاً عن القانون وجريمة تستحق الملاحقة؟

 إن استمرار نزف الدم، وتصدع الصف الفلسطيني ومحاولات إسكات المقاومة والمقاومين، ستكون له التداعيات الخطيرة على القضية الفلسطينية وصراعنا مع العدو الصهيوني، وعلى وحدة المجتمع الفلسطيني وأبناء الوطن الواحد من سلطة ومقاومين، ويهدر طاقات شعبنا، وإنجازاته التي تحققت في معارك طوفان الأقصى، والتنكر لدماء الشهداء، ويعطي الفرصة لدولة الكيان لتحقيق أهدافهم في  ضم الضفة، وزيادة الاستيطان، وإنهاء المقاومة.

 إن ما يجري هو المزيد من إضعاف السلطة، وتركها فيما بعد لقمةً سائغةً للإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، بعد توريطها بصراع جانبي مع القوى والفصائل الفلسطينية، وأيضاً في مواجهة الحاضنة الشعبية للمقاومة. وما إلحاح القيادات الصهيونية بتعزيز التنسيق الأمني مع السلطة مؤخراً، وكذلك الدعوة إلى تسهيل تزويدها بالمعدات والذخائر والسلاح اللازم لمواجهة المقاومين إلا يأتي في هذا السياق المشبوه، ويفاقم من معاناة شعبنا في مخيم جنين المحاصر منذ اكثر من  عشرين يوماً والذي يفتقد إلى الماء والغذاء والكهرباء وكافة  الخدمات.

إن ما صدر مؤخراً عن قادة المستوطنين عزمهم إنشاء سبع بؤر استيطانية جديدة في مناطق "ب" الخاضعة للسلطة الفلسطينية إنما يؤكد حقيقة ما سبق.

 وعليه، هذا يتطلب إعمال لغة الحوار والعقل والروح الوطنية المسؤولة، لتجاوز الخلافات كافة والتي طالما تم الاتفاق على حلها مرات عدة، وتنفيذها عملياً على الأرض؛ لذلك فإن المطلوب مغادرة هذا المربع التنسيقي مع العدو والعودة إلى "مبادرة وفاق" التي طرحتها فصائل العمل الوطني وبعض الفعاليات والشخصيات الوطنية، لإعادة اللُحمة بين أبناء الشعب الواحد، ولتكن "السلطة" سلطةً وطنيةً تمثل الشعب وطموحاته وسنداً للمقاومين على اختلاف  انتماءاتهم وفق برنامج سياسي واضح يحرر الأرض وينهي الاحتلال.

ولا بد من التذكير هنا، أنه إذا كان هدف السلطة هو إخضاع مخيم جنين لسيطرتها وسحب سلاح المقاومين، ومنع شن أي هجمات ضد قوات الاحتلال، ونزع بذور المقاومة من مخيمات شعبنا، فإن الرد قد أتى من مخيم جنين ذاته؛ من خلال الأصوات التي صدحت عالياً  من سكانه - رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً– احتجاجاً واستنكاراً لهذه الحملة وأهدافها، ورفضها للتقسيم المناطقي الذي يدعو إليه بعض المتطفلين في السلطة؛ وهذا يؤكد خيار الشعب مع المقاومة والمقاومين، كما يؤكد الحفاظ  على رمزية هذا المخيم أيقونة المقاومة الفلسطينية في الضفة، وقلعة المقاومين الشرفاء ضد الاحتلال الصهيوني.