Menu

مناهضة العنف ضد المرأة والمجتمع !

إلهام الحكيم

تم اختيار يوم 25 / ت2 من كل عام  يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة  إثر الاغتيال الوحشي للأخوات " ميرابال " عام 1981 وهن ثلاث ناشطات سياسيات من جمهورية الدومينيكان "باتريا, ماريا تيريزا, مينيرفا" تم اغتيالهن  بناءً على أوامر الحاكم "رافائيل ترخيو" بسبب مناهضتهن لحكمه الدكتاتوري ورفض التحرش بهن, وكان مقتلهن الشرارة التي أشعلت الثورة الشعبية والكفاح ضد نظام ترخيو ثم القضاء عليه بعد ستة أشهر من اغتيالهن أثناء عودتهن من زيارة أزواجهن المعتقلين السياسيين.. إن نجاة شقيقتهن "بيلغيكا أديلا" ساهم بنشر قصتهن ونقلها للمجتمع الدولي فأطلقت الأمم المتحدة في العام 1991حملة الـ "16 يوماً " لمناهضة العنف على المرأة تبدأ يوم 25 / ت2 وتستمر إلى العاشر من كانون1 الذي يمثل "اليوم العالمي لحقوق الإنسان", لتمكين المرأة ورفع وعيها المجتمعي والعائلي كونها الأكثر عرضة للعنف الذي لا يزول أثره بانتهاء الحدث بل تشعر الناجيات من العنف بالخوف والرعب والقلق والاكتئاب والأفكار الانتحارية مما يتطلب الدعم النفسي لهن خاصة مع تزايد العنف وتنوعه في ظل دخول السوشيال ميديا لكل البيوت وتصيّد تجار البشر - للشابات تحديداً - وابتزازهن فيتحول العنف الافتراضي إلى عنف حقيقي لا تحمد نتائجه! ..

كفى قتلاً وعنفاً:  

تشير الإحصاءات  أن واحدة من كل 3 نساء تتعرض للعنف في العالم مقابل رجل واحد من 20 رجلاً !  ولا يقتصر الوضع على مجتمع بعينه بل ينطبق على نساء العالم أجمع مع وجود بعض التفاوت بين بيئة وأخرى.. عالمياً بلغ عدد ضحايا القتل والاتجار بالبشر من النساء إلى 71% !ً أما عربياً فتتفاقم معاناة شح الإحصائيات إذ لا تتوفر الكثير من المعطيات نظراً لعدم تصريح المرأة بما تتعرض له بسبب الظروف الاجتماعية السائدة والتسلح بكلمة "عيب" , ولا تصرّح سوى 37%  فقط من النساء العربيات بأنهن ضحايا العنف!

كان لا بد لي من تقديم بعض المعطيات للوصول إلى ما نصبو إليه لأننا ما أن نسمع جملة " مناهضة العنف ضد المرأة  " حتى يراود ذهننا ضرب المرأة وتعنيفها الجسدي أسرياً من الزوج أو الأب أو الأخ وحتى الابن لوالدته! ونغفل الأشكال الأخرى للعنف التي منها "المجتمعي, النفسي, الجسدي, القانوني, الصحي, الاقتصادي, والتمييز العنصري بالإضافة لـ تشييء المرأة واعتبارها سلعة إعلانية وإبعادها عن الإعلام الإنساني الهادف مع حرمانها من التعليم والعمل والمشاركة السياسية والخدمات المختلفة!..

لعل أقسى أنواع العنف ضد المرأة يتم خلال النزاعات المسلحة التي يمكن أن تجبر العائلات على الحجر المنزلي فتبدأ المشاحنات الزوجية وتتطور لتسلك طريق العنف الزوجي والعائلي الذي لا تحمد عقباه, لكن الأخطر من هذا كله عنف المسلّحين الذين لا ضوابط  أخلاقية لهم, فالمحارب يعتبر نفسه سيد الموقف" الاحتلال الصهيوني, نظام الاستبداد في سورية, الفوضى في   السودان إلخ", له الكلمة العليا ولسلاحه الذي يتحصّن خلفه ويحق له ما لا يحق لغيره! تحديداً مع الحلقة الأضعف بالمجتمع " المرأة " تبدأ ممارساته بالتهديد والضرب والسحل والاعتقال والتعذيب وصولاً للقتل, مروراً بالاغتصاب ومساومتها على لقمة العيش لها ولأطفالها حتى من قبل القائمين على تقديم المساعدات الإنسانية مقابل تسليم نفسها أو فالقتل مصيرها "السودان, ميانمار, البوسنة والهرسك, الإيغور, خوتن,  رواندا, وغيرها الكثير" هذا العنف يتضاعف مع القصف وتدمير البيت الذي بانهياره  تنكشف العائلة مما يجبرها على الفرار والنزوح لمراكز الإيواء حيث انعدام خصوصية المرأة واضطرارها للاندماج مع المحيط وسط المعاناة المجتمعية بغياب الزوج بسبب "الوفاة أو الاعتقال" فتمارس دورَه ودورَها معاَ.. تتفاقم معاناتها وتتولد المشكلات الاجتماعية نتيجة توقف دراسة الأبناء" ثم التجهيل في حال طال أمد الحرب عدة سنوات", إضافة لشح الماء والطعام وانعدام مقومات الحياة بكل تجلياتها  "الأخلاقية, الاقتصادية, الصحية, الثقافية, المجتمعية, المادية, وغيرها" خاصة في البيئة الفقيرة والمهمّشة فتزيد الأعباء عليها وتضطر للعمل بأدنى الأجور وربما تتعرض للتحرش والمضايقة كونها بلا معيل.. تترقب نهاية النزاع واستتباب الأمن والسلام والاستقرار والعودة إلى البيت الذي يأويها مع عائلتها حتى لو كان مدمراً, ثم ممارسة حقها بحياة خالية من العنف.. علماً بأن كافة الشرائع السماوية والتشريعات الأرضية تدعو للعدالة الاجتماعية واحترام الإنسانية وحق البشر بحياة حرة كريمة خالية من العنف كما تحدثنا سابقاً.. خاصة المرأة التي أوصى بها الرسول الكريم بقوله: "استوصوا بالنساء خيراً"  كما أن القانون الدولي الإنساني يدعو لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة, والتأكيد على حماية الأطفال من الإبعاد القسري, حيث لا يجوز حرمان النساء والأطفال خلال النزاعات المسلحة من المأوى والغذاء والمعونة الطبية وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهذا كله تخرقه قوات الاحتلال الصهيوني التي تعتبر نفسها فوق القانون منذ اللحظة الأولى لتأسيس الكيان المزعوم قبل عقود ثمانية, فقد عانى الشعب الفلسطيني من شتى أنواع العسف والوحشية التي مورست بحقه على يد الجيش وقطعان المستوطنين وكان للمرأة والطفل النصيب الأكبر من الإجرام خاصة في العقدين الأخيرين فالحصار الشامل على غزة أدى لأزمة إنسانية خانقة ووضع اقتصادي متردٍ, ثم تفاقم في العام الأخير مع العدوان الشامل  والقصف والتدمير والإبادة الجماعية والتجويع والإجبار على مغادرة البيوت والممتلكات والنزوح المتكرر عدة مرات مما أنهك العائلات وأغرقها بالبؤس والدمار الأسري مع شطب الكثير من العائلات من القيد المدني, إضافة لوقوع العديد من أفراد العائلة خاصة الآباء والأخوة ضحية الاعتقال التعسفي والتعذيب الممنهج وصولاً للموت أو الإصابة بعاهة مستدامة بأحسن الأحوال, تصدرت المرأة المشهد بعدد الضحايا الذي بلغ حتى كتابة هذه السطور " 45259  شهيداً " إضافة لـ "  107627 مصاباً "  كذلك  " 11000 مفقود " !.." ثلثا هذه الأرقام من النساء والأطفال".

 واقع مزرٍ يؤثر على المرأة بشكل كبير تحديداً الأم التي تضطر لأخذ دور الأبوين بعد وقوعها ببراثن الفقر المدقع المؤدي للمرض والجوع الذي ينهش الأجساد, مع هذا تحاول تجاوز كل المآسي والصعاب رغم استمرار القصف الهمجي والنزوح المتكرر حماية لعائلتها!..

إثر مقتل ثلاث سيدات أطلقت الأمم المتحدة يومأ لمناهضة العنف ضد المرأة أفلا يستوجب قتل الآلاف من العائلات الدعوة لمناهضة العنف ضد الأسرة وملاحقة من يخالف؟!

العائلات السورية ضحية العنف المبرمج:

تفاقمت معاناة المرأة السورية من العنف الممارس عليها وعلى أسرتها منذ اللحظة الأولى لانطلاقة الثورة السورية عام 2011 , حيث لم يوفر النظام وسيلة وحشية إلا ارتكبها بحق المواطنين طالبي الحرية والكرامة, وقد مرّت بكل المراحل التي تحدثنا عنها قبل سطور " قتل, قصف, تدمير, حصار, تجويع, اغتصاب, تغييب قسري, اعتقال, مصادرة بيوت وممتلكات المعارضين ومنحها للموالين والمؤيدين, اختطاف وطلب الفدية" هذا الواقع أدى للهجرة والنزوح إلى مختلف أنحاء العالم سيراً على الأقدام أو على الدواب ووسائل المواصلات المختلفة بما فيها القوارب المؤدية للغرق والموت فقد ابتلع البحر آلاف المهاجرين!.. كما ابتلع تجار البشر ملايين الدولارات من الفارّين التواقين للحرية المنشودة في الدول المحيطة والإقليمية والعالم!.

سنوات عجاف مرت على الشعب السوري ومعه "الفلسطيني السوري"  الذي مر بنفس الظروف المأساوية بما فيها التغريب والاعتقال والتعذيب الذي تكشّفت نتائجه الكارثية مع انتصار الثورة يوم 8/12/2024  وفتح أبواب السجون لإطلاق سراح المعتقلين كانت المفاجأة المفزعة! فقد اتضح أن السجون المهيأة لمعتقلي الرأي لم تكن سوى "مسالخ بشرية" مورست فيها الإبادة الجماعية بشكل وحشي على الرجال والنساء وحتى الأطفال, استخدمت فيها أنماطاً مستحدثة من أدوات التعذيب " قناع فقء العيون, الهرس بالمكبَسْ, التقطيع بالمنشار, التذويب بالأسيد, الشَبِح, الدولاب المكهرب, الحلقة والخطّاف, الجَلد وضرب الرأس بالجدران والقِطَع الحديدية, الإعدام بالحبال" وغيرها مما تعجز الكلمات عن وصفه! وزادت الصدمة مع تغييب عشرات الآلاف من المعتقلين نتيجة قتلهم وتذويبهم أو دفنهم في عشرات المقابر الجماعية المجهولة, وبالتالي عدم عثور الأهالي على أبنائهم المفقودين وما زالت الأمهات والأخوات تتنقلن بين غياهب السجون ويحدوهن الأمل بالعثور على أثر لأولادهن لدفنهم كما يليق بهم شهداء على مذبح الحرية!.. بالإضافة للتنقل بين المشافي علّ وعسى يلتقين بأبنائهن المرضى والمعاقين و"فاقدي الذاكرة"  تلك الظاهرة التي باتت سمة معظم الذين خرجوا من السجون أحياء!.

قصص وحكايات أبناء وأمهات:

لا يمكن أن نمر على كل ما سبق من أشكال العنف الأُسري دون التعريج على ما حصل مع العديد من الأمهات السوريات المعتقلات بمن فيهن العذراوات اللاتي تعرضن للاغتصاب المتكرر وعدم معرفة نَسَب مواليدهن ! إضافة لتجرّد السجانين من الإنسانية باعتقال الأم مع أطفالها ثم تجريدها منهم وتوزيعهم على مراكز الرعاية التابعة للنظام مع تغيير أسمائهم ثم نسبهم لعائلات موالية أو تغييبهم بشكل إجرامي" خلط الأنساب"! ومازالت العائلات تفتش عن الأبناء المغيبين قسرياً مثلما حصل مع الدكتورة رانيا العباسي وزوجها الذي توفي تحت التعذيب وانتزاع ستة أطفال منهما - أكبرهن 13 سنة وأصغرهن سنة ونصف- عام 2013 ومازال الأهل يفتشون عن الأطفال دون جدوى رغم الإقرار سابقاً بتسليمهم لقرى الأطفال  "sos " التي اعترفت بالواقعة بداية ثم تراجعت لاحقاً رغم وصول قصتهم للأمم المتحدة , كذلك الشاب علاء رجوب الذي اعتقل مع خاله وهو بعمر 7 سنوات ثم نُقِل بعد شهر لدار أيتام وغيروا اسمه ل علاء ناصيف عند وصوله لسن خدمة العلم, يطالب بتصحيح وضعه مع غيره من الشباب المشابهين لحالته وهم كُثُر!  كما أن شابة دخلت المعتقل عذراء وخرجت مع ثلاثة أبناء لا نسب لهم!. هل يمكن لعقل أن يستوعب ما حصل؟!

إن الاطلاع على غيض من فيض الواقع المؤلم يستوجب التدقيق بكل حالات العنف الممارسة ضد عائلات بأكملها وليس على المرأة والطفل فقط, وإحالتها إلى الجهات والهيئات الدولية المختصة لتمارس دورها القانوني بحق مرتكبي التعنيف والجرائم بحق الإنسانية جمعاء!..