Menu

سورية إلى أين؟ سيناريوهات ومآلات

عزيز موسى

تسارع مضطرد للأحداث السياسية والميدانية في سورية لم يتجاوز شهراً في مدته أدى إلى سقوط النظام السوري ومغادرة الرئيس السابق بشار الأسد إلى موسكو في 8 كانون الأول 2024 وهو التاريخ الذي أعلنت به إدارة العمليات المشتركة " انتصار الثورة" التي كانت تقودها، مما يدفع بالتالي إلى ضرورة الوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت سقوط النظام بشكل مفاجئ ومتسارع وفق مبدأ " التسليم والاستلام".

نجحت قوات " قوات إدارة العمليات المشتركة" بقيادة هيئة تحرير الشام بالسيطرة على المحافظات السورية، والتي كانت أولها محافظة حلب وصولاً إلى دمشق في 8 كانون الأول، هذا يدفع إلى ضرورة ذكر أسباب ذلك وفق عناوين عريضة بسبب المشهدية السياسية والميدانية وتعدد السرديات لأطراف متعددة، إلا أن المؤكد بالمعلومات وتقاطعها مع التحليل الموضوعي وجود تخطيط وتجهيز منظم امتد لشهور عديدة بدعم من بعض القوى الإقليمية والدولية وبتنسيق مباشر مع أطراف في الداخل السوري لا سيما على المستوى العسكري، لإتمام هذه السيطرة بشكل محكم ومتسارع على البلاد.

شكّل تعدد الفاعلين الإقليميين والدوليين في الملف السوري لأكثر من عقد من الزمن أبرز انقلاب جذري للمشهد، أرخى بظلال تعقيداته وعدم سهولة ضبطه سواء على صعيد الفوضى أو على صعيد نقاط الاشتباك وتقاطع المصالح من عدمها بين القوى الفاعلة على الساحة السورية، مما يطرح تساؤلاً جوهرياً مفاده سورية إلى أين؟ وماهي أبرز السيناريوهات المستقبلية التي يمكن أن تشهدها البلاد في ظل ضبابيتها؟

بتحليل ديناميات التطورات الحاصلة تذهب احتمالات المستقبل السوري إلى أربعة سيناريوهات يمكن أن يُبنى عليها :

السيناريو الأول : نظراً لتصاعد نفوذ تركيا باعتبارها القوة الفاعلة الإقليمية الأبرز في الملف السوري، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأن " تركيا تمتلك مفاتيح الحل في سورية"، ومن خلال دعمها المباشر للإدارة الجديدة في سورية، تبرز المصالح التركية المتمثلة بإيجاد ترتيبات سياسية وعسكرية واقتصادية توسع من نفوذها في الجغرافيا السورية وفق مبدأ تكريس عملية ( وصاية غير مباشرة) باتخاذ دمشق حليفاً مضموناً لها يُصاعد من سيطرتها في الإقليم لأهمية سورية الجيوسياسية وكونها نقطة تنافس بين القوى، وهذا بدا واضحاً من خلال زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق ولقائه بالسيد أحمد الشرع وبحث العديد من الملفات الحيوية على رأسها ( الدفاع، الطاقة، الاقتصاد)، وقرب زيارة وفد تركي يضم خمسة وزراء على رأسهم ( الدفاع، الطاقة) وترتيب زيارة رئاسية مقبلة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدمشق وما تحمله من دلالات كبيرة على مختلف المستويات، بالتوازي مع اهتمام تركيا وحليفتها قطر بضرورة استئناف مشاريع الطاقة خاصة ( مشروع خط الغاز القطري) الذي تم الحديث عنه منذ أكثر من 15 عاماً، والتحديات الأمنية التي تعتبرها تركيا تهديداً لأمنها القومي بالنسبة لوجود قوات كردية متمثلة بأحزاب كردية مسلحة على الحدود الجنوبية لها، وما يرتبط بهذا الملف من معضلة الاتفاق والمقاربة مع الولايات المتحدة، وبالتالي شكّلت مجمل هذه العوامل نقطة دفع لعمل تركيا تكريس نفوذها في سورية.

السيناريو الثاني: يتمثل بالفوضى التقسيمية وهو شبيه بالسيناريو الليبي الذي يقوم على انقسام الجغرافيا إلى تقسيمات تتبع للفصائل المتعددة غير المتفقة، بمنحى استدامة هذا التقسيم دون وجود اتجاه موحد فيما بينهم، في ظل استمرار الفوضى وغياب للأمن والاستقرار.

السيناريو الثالث: تدويل الملف السوري من خلال دخول أطراف وقوى إقليمية ودولية على رأس قوات مشتركة لإرساء واقع من الأمن وترسيخ نفوذ الدول المشاركة، بالتالي تصبح البلاد ساحة للصراع والتنافس والتقاسم المباشر بين هذه الأطراف.

السيناريو الرابع: يكمن في تحوّل الاضطرابات واستثمارها من قبل أطراف داخلية وخارجية إلى مستوى ( حرب أهلية) تخدم إسرائيل بشكل أساسي، إضافة إلى قوى إقليمية أخرى مقرونة بدعم مجموعات وميليشيات وخلايا تكمن مصلحتها في خلق صراع ومعارك بين مختلف أبناء الشعب السوري.

هذه السيناريوهات السابقة تعد مساراً لمعادلة معقدة في ظل توازع القوى الحالي وضبابية المشهد المستقبلي لسورية وأبرز التحديات هي الخلافات الإقليمية ( التركية – العربية باستثناء قطر) لطبيعة الرؤية وشكل القوى وتوزيعها، وهذا بدا واضحاً من خلال الوفود التي زارت سورية والتقت بالإدارة الجديدة، وسط حضور عربي خجول مقارنة بالوفود الغربية والتركية، وعدم اتخاذ إجراءات جدية في هذا الإطار، من خلال تباين الرؤى ودعم قوى الائتلاف المعارض التي تلاقي أيضاً رفضاً من أطراف أخرى، كما أن مصالح القوى الأخرى مثل روسيا التي تربطها علاقات إستراتيجية مع سورية لا زالت غير واضحة لجهة استمرارية عمل القواعد الخاصة بها في البلاد من عدمه وما يمثله من تحديات للأمن الحيوي الروسي في ظل الانشغال في أوكرانيا.

المرحلة المقبلة المتمثلة بالأشهر القليلة القادمة وخاصة في ظل وجود حكومة مؤقتة وماهية كيف ستكون الحكومة الانتقالية وشكلها ومكوناتها، إضافة لضرورة تمثيل كل أطياف الشعب السوري وصياغة دستور وطني جامع يحدد شكل نظام الحكم والدولة مما يحمل في طياته الكثير من التساؤلات والتحديات.