Menu

بين وجودية الأرض والأنا

لمى الشطلي

ما ذنب هذا اللحم المكسو بجلدٍ فلسطينيٍ لا أكثر، نخترع تسميات عديدة، لكننا نغرق بالهوية، لا نصعد الوجود كما الآخرين لنا ثبات في النقص ووجع يأكل جبين الملح منذ ما يقارب الـ 67 عاماً، لم نرغب يوماً بأن نلعب دور الضحية أو البطل، لكننا خرجنا إلى التجربة هكذا منكوبين لاجئين، مقاومين ثم شهداء، نحمل مركز الأرض والصراع على أكتافنا مثلما كان العملاق أطلس يحمل قبة السماء، هو نال العقاب وننال نحن الامتحان والصبر ونَثقلُ من حمل الآخرين لا من حمل القضية، ولنا امتيازٌ معنوي كأن نسأل الرحمة والقدرة المتجددة على التحمّل لنفاضل بعدها أي دولة سقطت في المعيار الأخلاقي، حتى أنني شاهدت خلال هذه الحرب مقطع فيديو لرجلٍ غزيّ دخل التجربة لكنه تحدّث إلى الله طالباً منه الرحمة بصوتٍ يجهش بعذابات الأرض كلها، وكان العالم يشهد ويرى ويسمع ويقف مكتوف الأيدي في كل مرةٍ يصعد بها منبر الأمم المتحدة متشدقاً بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المدافعين عن حقوق المستضعفين!!

اليوم لست بصدد الحديث عن الأرض ولا عن المقاومة أو الصمود الذي ينخر أجساد الغزيين جميعاً، اليوم أريد التحدث عن الإنسان الغزيّ بدون تسميات ولا صفات، تعبنا من التصاق أسمائهم بمرادفات أصبحت اللغة نفسها تكفر بكل حروفها، لأنها باتت عاجزة عن ابتداع ما يلاصق الحدث من تعبيرٍ دقيق، يقطع سلسلة تفكير اللغة نداءً من تحت الركام، بين الحياة والأرض خيط رفيع يتطلب به الجسد الكثير من الأمنيات (الأمنيات هنا أمان وطعام ودفء) سمِها حقوقاً إذا أردت بينما الأرض لا تطلب سوى الروح، لكن في غزة جُزّ الجسد ونُكِلَ وعذّب على إرادة الأرض، أليس لنا أن نتساءل ماذا عن إرادة الإنسان فينا؟

هي ليست فلسفة معقدة بل سؤال وجودي أيعقل أن يرتبط الإنسان الفلسطيني بعباءة من المفردات التي فُرِضت عليه بدون طلب منه، أيكون للأرض ممارسة سادية يطغى بها ما تريده هي فقط؟

لكن ما دور الإنسان إذاً، وما نفع السياسات والمخططات والتكتيكات النوعية؟ ماذا عن مقامرة المجهول في ليالي الاحتلال الطويلة هل ينشق من الجسد الشهيد دلالات منهجية عن ما يلي هذا الدمار!

نريد أن نحيا لا أكثر ولا أقل، أن نخرج من رجم الشيطان فوق صهيل الحصان ذي الأرجل المكسورة، أن ندع الحوت يبتلع القمر فلقد وصلت حمرته عنان المجرة، وبات الاختناق الأخير هو المنقذ الوحيد، ريثما نعيد للمخاض ذاكرةً أكثر تعافياً وقدرةً على الاستمرار، فربما الحوت يغرق بيابسة الجيران والأصدقاء والأخوة، فلا نستحيل لهنود حمر جدد في غياهب الضياع والتاريخ.

ربما أصبحنا جميعاً وبدون أن ندري شعب أوزوريس في وجدان الأسطورة، أخوتنا المتآمرين مع الوحش الأعظم قطعونا إلى أجزاء وباتوا يرقصون على نحيب دمائنا في سيركٍ لا منتهي، لكنهم غفلوا عن أن فلسطين أيزيس العهد الجديد وبأننا بعد كل هذا الموت نولد من جديد على يد حورس، هكذا أسرّ إلي غزيٌّ مصابٌ بجنون الحرب ممتلئ بعنفوان الأرض ويصرخ كلّ الشعب الفلسطيني شهداء، كلنا يا وحدنا شهداء.