يحيي الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ومعه جماهير الأمة العربية هذه الأيام الذكرى التاسعة والأربعين لذكرى هبة الأرض المجيدة بوصفها محطة بارزة من محطات النهوض الوطني الفلسطيني، وفاتحةً مجيدة للصعود الثوري جرى البناء عليها لاحقاً في اشتقاق الآليات والأساليب للدفاع عن الأرض وعروبتها بحيث لا يمكن عزل الانتفاضات والهبات الجماهيرية اللاحقة عن هبة يوم الأرض .
تحل هذه الذكرى في ظل متغير هو الأبرز منذ نكبة عام 1948 ، ومنذ انطلاق الثورة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي وتحديدا بعد حرب حزيران عام 1967 ممثلاً بمعركة طوفان الأقصى ، التي جرى تدشينها في انتصار السابع من أكتوبر التاريخي ، وما تم البناء عليه في مواجهة العدوان الصهيو أميركي النازي على قطاع غزة على مدى 15 عشر شهرا اللحظة الراهنة.
الضوء الكاشف لطوفان الأقصى
وهذا المتغير كشف عن عدة أمور أبرزها :
- تراوح موقف الدول العربية من العدوان الصهيو أمريكي ما بين متخاذل ومتآمر وأن بعض هذه الدول كانت شريكاً فعلياً بالعدوان ، وهذا ما أكده بالوثائق الصحفي الأمريكي الاستقصائي بوب ود ورد في كتابه تحت عنوان ( الحرب)
- الانحياز المطلق للولايات المتحدة ومعظم دول الغرب الرأسمالي التي زودت العدو الصهيوني بما يزيد عن 80 ألف طن من القنابل والذخائر لممارسة حرب إبادة جماعية راح ضحيتها ما يزيد عن (160) ألف شهيد ومصاب في قطاع غزة .
- زيف ادعاء الدول الإمبريالية وعلى رأسها الإمبريالية الأمريكية بحقوق الانسان وبتمثل القيم الإنسانية ، فقد كشفت معركة طوفان الأقصى عن وحشية صارخة لهذه الدول حيال هذه الحقوق والمثل ،عندما تتعلق الأمور بمصالحها ، حيث تدوس إزائها على القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وعلى ميثاق الأمم المتحدة ، وتمارس ازدواجية مكشوفة للمعايير بشأن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في الحرية وفي تحرير أراضيها المحتلة.
4- إن الإمبريالية الأمريكية لم تكتف بتقديم الدعم العسكري والاقتصادي للكيان الصهيوني بل تعمل على توسيع مساحة الكيان من خلال طرح الرئيس الأمريكي خطة لتهجير أبناء قطاع غزة ودعم وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية كخطوة على طريق ضم الضفة الغربية.
أهمية يوم الأرض في السياق الاستراتيجي
أهمية يوم الأرض تتجاوز الاحتفال المناسبي إلى أبعاد استراتيجية أبرزها:
- أكدت تمسك العربي الفلسطيني بتراب وطنه وفشل مراهنة العدو على مقولة " الآباء والأجداد يموتون والأبناء ينسون" إذ أن الذي خاض غمار تلك الهبة العظيمة شبان وشابات بعمر الورد، من الذين ولدوا بعد نكبة عام 1948 وقدموا أرواحهم رخيصةً دفاعاً عن ثرى الوطن ، حين تصدوا بصدورهم العارية لمخطط العدو القاضي بالاستيلاء على 21 ألف دونم من أراضي الجليل والمثلث وعلى ما تبقى من أراضي النقب .
- أكدت على عمق انتماء أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 1948 لأمتهم العربية ولهويتهم القومية، ولفلسطينيتهم كهوية نضالية، وأكدت الفشل الذريع لسياسات العدو في تذويبهم وسلخهم عن هويتهم القومية.
- أكدت على وحدة الشعب الفلسطيني في مناطق 1948 وفي الضفة والقطاع والشتات، إذ ما لبثت أن اشتعلت هبة الأرض حتى انتقلت شرارتها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات لتشتعل في الضفة والقطاع هبة مكملة وموازية ارتقى خلالها إلى العلا شهداء من نابلس وغيرها من المدن الفلسطينية.
لقد برهنت هذه الوحدة على صلابتها لاحقاً حين شكلت جماهير شعبنا في مناطق 1948 الرديف الداعم لانتفاضة الحجارة ( 1987- 1993 ) والمشارك الفعلي في انتفاضة الأقصى، حين قدمت خمسة عشر شهيداً دفاعاً عن الأرض ومن اجل دحر الاحتلال الصهيوني عن ثرى الوطن.
- أكدت مجدداً على أن الأرض – كل الأرض الفلسطينية- هي جوهر الصراع مع العدو الصهيوني، وليس فقط ما جرى احتلاله منها بعد عام 1967 ، وأن استراتيجية العدو الصهيوني أكدت ولا تزال تؤكد أن بقاء المشروع الصهيوني ودولة الاغتصاب مرهونة بمواصلة مصادرة الأراضي والاستيطان.
5- أكدت هبة يوم الأرض على العمق العربي للقضية الفلسطينية، وقد تبدى ذلك في الحراك الجماهيري العربي الملتحم بالنضال الفلسطيني إبان هبة يوم الأرض وعلى امتداد الصراع مع العدو الصهيوني، بالضد من سياسات النظام العربي الرسمي المتخاذل في معظم مفاصله.
الاستيطان خطوة على طريق التهويد والضم
ما يجب الإشارة إليه في ذكرى يوم الأرض أن الاستيطان في الضفة الغربية قطع شوطاً طويلاً بعد معركة طوفان لأقصى في السابع من أكتوبر 2025 ، وترافق مع هذا الاستيطان هجمة عدوانية مسعورة على البلدات المخيمات الفلسطينية، ابتدأت في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة كخطوة أولية لمتابعة العدوان الصهيوني على بقية المخيمات في الضفة الغربية، وهذه الهجمات التي اتخذت أسماء مختلفة ووجهت بمواجهة صلبة من قبل كتائب المقاومة راح ضحيتها عشرات الشهداء ، لكن في ضوء الخلل في ميزان القوى واصطفاف السلطة الفلسطينية إلى جانب العدو في المعارك الدائرة في شمال الضفة ، تم تدمير معظم الوحدات السكنية في المخيمات المذكورة ، وتهجير 40 ألف من أبنائها داخل الوطن بهدف إزالة مخيمات اللجوء التي تشكل عنواناً لحق العودة وللقضية الفلسطينية.
وعلى صعيد الاستيطان نتوقف أمام الأرقام والمعطيات التالية بعد معركة طوفان الأقصى على النحو التالي :
1- صادقت سلطات الاحتلال في (3) تموز 2023 على مصادرة 12,7 كيلومترا مربعا من أراضي الضفة الغربية المحتلة في منطقة الغور قرب مستوطنة يافيت، وهي المصادرة الأكبر – حسب منظمة السلام "الإسرائيلية"- منذ 3 عقود ، مشيرة في بيان أصدرته إلى أن "مساحة المنطقة التي يشملها الإعلان هي الأكبر منذ اتفاقيات أوسلو 1993 .
وهذا القرار يشمل ما يقارب نصف الأراضي ،التي أُعلن عنها أراضي دولة منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، إذ لم تتجاوز المساحة المعلنة منذ ذلك الحين 50 ألف دونم حتى العام الماضي كما أن الكيان الصهيوني بهذه المصادرة ترتفع مساحة الأراضي التي أعلنتها سلطات الاحتلال "أراضي دولة" منذ بداية العام إلى 23,7 كيلومترا مربعا..
2- وحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فإن حكومة العدو صادرت نحو 27 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وأخضعت للدراسة 52 مخططا هيكليا استيطانيا، وأجبرت 25 تجمعا فلسطينيا على الرحيل منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ونقل البيان عن رئيس الهيئة "مؤيد شعبان" قوله، إن "دولة الاحتلال تسترت بستار العدوان الرهيب على شعبنا في قطاع غزة، بتنفيذ عمليات مصادرة ممنهجة للأرض الفلسطينية طالت 27 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع)".
وأضاف شعبان أن "مساحة الأراضي الفلسطينية الخاضعة فعليا للإجراءات الإسرائيلية بلغت 2380 كيلومترا مربعا ، تشكل 42 بالمئة من مجمل مساحة أراضي الضفة الغربية، و69 بالمئة من مجمل المناطق المصنفة (ج)، وهي المناطق التي تخضع للحكم العسكري الاحتلالي".مشيراً إلى أن " أن إجراءات الاحتلال وإرهاب مليشيا مستعمريه أدت منذ 7 أكتوبر إلى تهجير 25 تجمعاً بدوياً فلسطينياً تتكون من 220 عائلة تشمل 1277 فرداً من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى".
3- حسب منظمة السلام " الإسرائيلية " فإن الاستيطان لم يقتصر على المنطقة (ج) بل تعداه إلى المنطقة (ب) حيث شهد النصف الثاني من عام 2024 بناء سبع بؤر استيطانية جديدة في المناطق المصنفة "ب" كما أن عام 2023 شهد بناء 52 بؤرة استيطانية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وأن ما أقيم من هذه البؤر الاستيطانية في المناطق المصنفة" ب "، تقدر نسبته بأكثر من 13 في المئة من إجمالي عدد البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، وفق تقرير السلام الآن.
تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية "أوسلو 2" الموقعة بين السلطة الفلسطينية وحكومة العدو عام 1995 قسمت أراضي الضفة إلى ثلاث مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتشكل الأخيرة نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.
4- وأشارت القناة (14) الصيونية إلى أن "مستوطنة معاليه أدوميم (شرقي القدس )، سيجري توسيعها بنحو 2600 دونم نحو الجنوب، لخلق تواصل استيطاني مع مستوطنة كيدار ، حيث تم ربطها بمدينة القدس الكبرى، كما وأنه حسب القناة، سيجري توسيع مستوطنات مجدال عوز وسوسيا، جنوبي الضفة، ويفيت في غور الأردن (شرق).
وقد أعلن وزير المالية الصهيوني – زعيم القوة الصهيونية –" بتسلئيل سموتريتش" عن عزم حكومة العدو على مواصلة سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية عبر 18 ألف رخصة بناء العام الماضي ( 2024) في الضفة الغربية المحتلة ، وكذلك مصادقة سلطات الاحتلال في السادس من آذار ( مارس) على بناء حوالي 3500 وحدة استيطانية جديدة معظمها في مستوطنة معاليه أدوميم شرق مدينة القدس
ونقلت عن سموتريتش، قوله إن القرار "إنجاز تاريخي يسهم في تعزيز الاستيطان، وتوسيع الأراضي المخصصة للبنية التحتية والمشاريع الاستيطانية ، وصدرت تصريحات مؤخراً عن سموتريتش بأن حكومة الائتلاف ستواصل البناء الاستيطاني ومخطط التهجير توطئة لضم الضفة الغربية وتهجير أبنائها.
5- بلغ عدد الوحدات الاستيطانية في البؤر الاستيطانية التي تحولت إلى مستوطنات بعد أن كانت بجوار المستوطنات الرئيسية ، وتحصل على خدماتها (10) آلاف وحدة استيطانية عام 2024 ، في حين بلغ الوحدات الاستيطانية في البؤر التي تحولت إلى مستوطنات في بداية عام 2025 (11) ألف وحدة استيطانية.
نحو إفشال خطط التهجير والاستيطان
في التقدير الموضوعي أن إفشال مخطط التهجير والاستيطان يقتضي التأكيد على المهمات التالية:
1- التأكيد على أن نهج المقاومة بكل أشكالها وفي المقدمة منها الكفاح المسلح هو الطريق الرئيسي لإفشال مخطط الضم والتهجير .
2- نبذ خيار المفاوضات البائس والتعبئة الوطنية ضد الاحتلال وضد سلطة التنسيق الأمني واتفاقيات أوسلو ومشتقاتها ، ونبذ خيار الدولة الذي توظفه الإدارة الأمريكية لاحتواء الشارع الفلسطيني بعد انطلاق مارد الطوفان .
3- العمل على تفعيل المقاومة في الضفة الغربية ، لتشكل عامل إسناد لقطاع غزة ، ما يتطلب تشكيل قيادة موحدة للمقاومة ببعديها العسكري والمقاومة الشعبية، وتوفير مستلزمات إدامتها.
4- يتوجب على فصائل المقاومة أن تعمل على تشكيل حرس شعبي لمقاومة هجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية في الضفة الغربية الذين جرى تسليحهم من قبل زعيم القوة اليهودية اليمينية الإرهابية ب ( 100) ألف قطعة سلاح، خاصةً بعد أن تخلت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية عن توفير أية حماية للقرى وللمزارع الفلسطينية .
تجدر الإشارة هنا إلى أن الاستيطان قطع شوطاً كبيراً بغطاء أوسلو، إذ إنه وفق تقرير مركز الابحاث التابع لموقع عرب 48، فإن عدد المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية والقدس المحتلتين، تضاعف من 144 مستوطنة قبل توقيع اتفاق أوسلو إلى 515 مستوطنة ونقطة وبؤرة استيطانية حتى اللحظة الراهنة ، وتضاعف عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بأكثر من ثلاث مرات وارتفع من 252000 قبل أوسلو إلى حوالي 834000 مستوطن اليوم؛ أكثر من نصفهم يعيشون في القدس ومحيطها.