تقديراً لمسيرته الفنية المليئة بالعطاء والإبداع، وتكريماً لجهوده الكبيرة في إثراء المشهد المسرحي الفلسطيني والعربي، اختارته الهيئة العربية للمسرح ليكون صاحب رسالة اليوم العربي للمسرح، والتي ألقاها في 10 كانون الثاني 2025 ضمن فعاليات الدورة الـ15 من مهرجان المسرح العربي، التي أُقيمت في مسقط، عاصمة سلطنة عُمان. وهو يُعدّ واحداً من أبرز المسرحيين الفلسطينيين الذين آمنوا بأن الفن وسيلة للدفاع عن قضية بلده، وجزء لا يتجزأ من المقاومة والتعبير عن معاناة الشعوب، وإيقاظ الوعي الجماعي، فقدّم عدداً كبيراً من الأعمال الداعمة للقضية الفلسطينية كممثل ومخرج، سواء بطريقة مباشرة أو بأسلوب الخطاب غير المباشر، لتوصيل الرسالة ومقاومة القمع والظلم بطرق وأساليب مختلفة.
*حدثنا في البداية عن سيرتك الشخصية والفنية؟
**كانت تجربتي المسرحية ملازمة لتجربتي الحياتية الوجودية بلا انفصام، ولعلي أوجز الإشارة إليها بالقول: إني وُلدت في مخيم للاجئين الفلسطينيين، ودرست في مدارس وكالة غوثهم "الأونروا". وفي المخيم، كان لي حظ مشاهدة أول مسرحية في حياتي، التي بلغت وإياها السبعين عاماً، ونحن نتنقل متلازمين من مخيم لجوء قسري إلى آخر، سواء خارج الوطن الفلسطيني المحتل أو داخله. وهكذا وجدتني، مع كل تجربة انتقال تفرضها الحاجة الماسة، أحمل كتبي ونصوصي المسرحية أينما ارتحلت، آملاً أن يتحقق الحلم بالعودة إلى فلسطين الوطن، وطن الحرية والكرامة والاستقلال. وعندما عدت إلى وطني، عقب توقيع اتفاقيات أوسلو، وجدتني أعود إلى أكبر وأعتى سجن عرفه التاريخ، فتابعت خطوي في درب الآلام المديد، كما تابعته في مخيمات اللجوء القسري وبلاد الشتات. والحق أنني لم أجد مخلصاً صادقاً غير المسرح، لينقذني من غربتي ووحدتي وقهري. دأبت على حمل خشبة مسرحي المتنقل على ظهري، ورحت أتنقل، وإياه، من موقع إلى آخر، من بين مئات المواقع في البلدات والقرى والمخيمات، فوجدتني أمعن في التفاعل مع من يعانون بؤس العيش ومرارة القهر، وهوان التمييز العنصري، وغشامة استبداد جيش الاحتلال الصهيوني، وضراوة توحشه. وهكذا أدركت، عبر صيرورة هذه التجربة المفتوحة، حجم الظلم الذي تعرض له زملائي وزميلاتي المنتمون والمنتميات إلى المسرح بأوسع معانيه وأعمقها، في المعازل الإجبارية القهرية التي فُرضت عليهم؛ إذ عايشتهم وهم يقاتلون بصدورهم العارية، من أجل أن يكون لهم مسرح يجسد سرديتهم الفلسطينية الإنسانية الحضارية التاريخية المؤصلة، ورؤاهم المستقبلية المفتوحة على مستقبل فلسطيني إنساني، وهو ما يوجب امتلاكهم وممارستهم، في الحد الأدنى، حقوق الحياة، وحرية التنقل والتعبير، والوصول إلى المعرفة، وفي صلبها المعرفة المسرحية، ناهيك عن حقوق التعلم وتبادل الخبرات، والوصول السلس إلى المؤتمرات والمهرجانات والندوات وورشات العمل دون عوائق مفتعلة يُراد لها أن تحول دون المشاركة الحيوية فيها. وإلى ذلك، لم يكن لسؤالنا الحياتي الوجودي الدائم، كمسرحيين فلسطينيين داخل الوطن المحتل، وفي مخيمات اللجوء القسري وبلاد الشتات، أن يختلف، بأي قدر، عن سؤال شعبنا الحياتي الوجودي الدائم، وهو: متى يُرفع الظلم الاستعماري الاحتلالي الثقيل عن صدر أرضنا، وعن صدورنا، وعن صدور أجيالنا المتلاحقة؟
*لمن يعود الفضل في إيمانك بالمسرح وسيلة للخلاص؟
**عائلتي المسرحية الكبيرة هي التي رسخت إيماني بالمسرح وبالفنون، وهي التي أسهمت في تعميق معرفتي الفكرية والجمالية وتوسيعها، وفي تمكيني من بلورة خياراتي الذاتية، التي جعلتني أكثر إدراكاً لكينونتي الوجودية ولقضيتي الوطنية الإنسانية العادلة، وذلك على نحو أقلّني لأن أرسّخ التزاماً بأداء واجبي إزاء مسؤولية الدفاع عن هويتنا العربية الإنسانية، وروايتنا الحضارية التاريخية الراسخة، وإنسانيتنا الجوهرية الجامعة، التي تساوي بين البشر، وتجنبهم الوقوع في فخ العنصرية والانغلاق والانعزال والنرجسية وتضخم الذات. ولذلك، أنا ممتن للمخرجين والممثلين والمسرحيين المبدعين العرب، الذين جايلتهم، أو الذين تتلمذت على أيديهم، أو الذين تقاسموا معي السير في الدروب الإبداعية الشيقة، حاملين مشاعل الإبداع في مركب الفن الساحر، فأولئك هم الرواد المقاتلون في سبيل الحقيقة والحق والجمال والسمو والنبل، والمبدعون الأفذاذ الذين فتحوا أمام جيلي آفاق الإبداع المسرحي. كما لا يجب أن أنسى جمهور مسرحنا العربي، الذي ما فتئ حضوره وتفاعله وتقديره للمسرح يبعث الدفء في قلوب المسرحيين، إذ يشاركهم الأمل والتأمل في أحوالنا، والاحتجاج والغضب على انتكاساتنا وتراجعنا.
*ما مفهومك كفلسطيني للمسرح؟
**المسرح خيمتنا الدافئة التي نستظل بها، وفي رحابها نبوح بأفكارنا وأسرارنا، وكل مشاعرنا. إنه حياتنا التي نحلم بإبداعها وعيشها، وهو حلمنا التخييلي الدائب بكيفيات بناء عالم بشري أبهى وأجمل، أو، على الأقل، عالم بشري أقل وحشة ووحشية وعنصرية وفاشية، ومعاداة للإنسانية! وألف نعم ونعم للمسرح، الذي هو مخيالنا، ومجال إبداعنا، ومتعتنا، وجنوننا العبقري الخلاق، وشرفتنا التي نطل منها، ومعها، وبعيونها اليقظة، وعيوننا المفتوحة على وسعها، على العالم الشاسع، لنطرح الأسئلة، ونتعلم الحكمة، ونعيش الحب، ونقرأ التاريخ، ونستلهم دروسه، فيما نحن ندرك حقائق الواقع القائم، ونستقرئ ممكناته، ونستشرف آفاق المستقبل المنشود. يعلمنا المسرح الإصغاء والتأمل، والتفاعل الحواري، والأخذ والرد، واحترام الاختلاف، وقبول النقد، وتنظيم الاشتباك. وليس مسرحاً حقيقياً ذلك المسرح الذي لا يؤسس نفسه على قبول الاختلاف الخلاق، والتعددية الثقافية المثمرة، والتنوع الإنساني. وليس مسرحاً حقيقياً ذاك الذي لا ينتصر لقضايا الإنسان، وللمبادئ والقيم الإنسانية السامية.
*إلى أي مدى نجح المسرح الفلسطيني في تسليط الضوء على ما يعانيه الشعب الفلسطيني؟
**نجح المسرح الفلسطيني، ومنذ وقت طويل، في تناول الهم الفلسطيني ومعاناة الناس وتضحياتهم ومقاومتهم للاحتلال. الفارق في هذه المسرحيات كان بين عروض خطابية تبكي على الوطن المُضيَّع وتشتُّت الناس ومقاومتهم، وبين مسرحيات تنجح في تجسير الهوة بين المضمون الاجتماعي السياسي والشكل الجمالي. وبسبب ندرة النصوص المسرحية الجيدة، لجأ الكثير من المخرجين إلى مسرحة روايات غسان كنفاني، وإميل حبيبي، وجبرا إبراهيم جبرا، وإلى أشعار محمود درويش، وروايات إبراهيم نصر الله، وغيرهم، ليعبّروا عن معاناة الناس ورحلة عذابهم الممتدة. كما أن ظاهرة الكتابة الجماعية والارتجالات واحدة من التجارب المميزة في فلسطين، كتجربة (الحكواتي) فرانسوا أبو سالم في القدس ، وبعض التجارب الأخرى. وكذلك لا بد أن أشير هنا إلى تجارب مهمة خارج فلسطين، كتجربة زيناتي قدسية في المونودراما، التي تناول في بعضها الهم الفلسطيني بشكل جيد، وتجربة المخرج جواد الأسدي مع المسرح الوطني الفلسطيني في دمشق.
*هل هناك أزمة نصوص جيدة في المسرح العربي عامة؟ وما هو حلها؟
**النصوص المسرحية الجيدة قليلة، لكن المشكلة تكمن في أن الأضواء لا تُسلَّط على أعمال وتجارب الكُتّاب الجدد. ومن الخطأ الاستمرار في المقارنة بين الأسماء الهامة الراحلة، التي قدّمت نصوصاً مسرحية مميزة في العقود الماضية، وبين الكُتّاب الجدد، فلكل زمان مسرحياته التي تطرح أسئلة جديدة، وتعرض الواقع من منظور مختلف، وتقدّم رؤى فلسفية متنوعة. أنظر دائماً إلى مكتبتي، التي تتكدس على رفوفها عشرات، بل مئات النصوص العظيمة، لكن عندما أتوجه للإنتاج، أنا وغيري، نبحث عن نصوص جديدة في مضمونها وشكلها وموضوعاتها. صحيح أن الكتابة للمسرح تحتاج، إلى جانب ملكة التعبير واللغة والخيال والمعرفة، إلى تراكم الخبرة، وصقل الموهبة، وإجادة تقنيات الكتابة المسرحية، ومعايشة الفرق المسرحية. كذلك تحتاج إلى الثقة بأن الإبداع في حراك دائم وتجريب مستمر. وإذا كانت الكتابة للمسرح تحتاج إلى تشجيع وتحفيز، فإن ظاهرة تنظيم المسابقات، وتخصيص الجوائز المجزية، وتنظيم ورش الكتابة المسرحية، تُعَدّ ظاهرة صحية للنهوض بالمسرح. وقبل ذلك، يجب إدخال المسرح في المدارس والجامعات، لتأسيس اكتشاف المواهب من وقت مبكر.
*على ماذا تحرص في أعمالك المسرحية، مخرجاً وكاتباً؟
**إثارة الأسئلة الصعبة والإدهاش. المسرحية، دون أفكار قيمة وحبكة متينة، لن تصل إلى مكان. والممثل، الذي يحمل هذا الفكر ويمتعنا بأدائه، هو المحرك والمادة الكيميائية، النافذة التي تُحدِث التأثير والتغيير، وتصل إلى العقل قبل أن تصل إلى القلب. وأنا، قبل أن أكتب النص، أو قبل أن أقرر إنتاج هذا النص عن غيره، أجلس في جميع المقاعد وأتخيل: مقعد الجمهور، الممثلين، التقنيين، وأتساءل: هل أستطيع خوض المعركة؟ هل أملك القدرة والمعرفة والوسيلة أم لا؟ هل كتيبة المحاربين المبدعين مؤهلة، وتملك الإيمان والموهبة والشجاعة؟ أي قبل أن أتخذ قراري، أفكر كثيراً، وأضع كافة الاحتمالات. إلى جانب هذا المستوى من الجدية والاستعداد، أقول لنفسي: هي معركة وليست حرباً، إن لم أنتصر فيها، فلن تكون نهايتي. أنا أخوضها لأنها شغفي، ومسؤوليتي، وأسئلتي قبل أن تكون لشركائي. أسأل نفسي عن الجمهور، والأثر الذي سيتركه العرض في نفوسهم، ومشاعرهم، ووعيهم، وذائقتهم. وكيف أنجو من المباشرة والخطابة، أو من الطلاسم والغموض المُطبِق. فالتبسيط شيء، والبساطة شيء آخر. والجمهور ليس دائماً على حق، فأحياناً الجمهور لا يعرف مصلحته، بعد أن تشوهت ذائقته بسبب ثقافة الاستهلاك. من هنا، أكتب النص، وأعيد كتابته مرات عديدة، متنقلاً بين المقاعد. والنص الأولي يصبح بين يدي عجينة مرنة تتطور باستمرار. أبني وأعيد البناء، لأتأكد من متانة البناء الدرامي، ووضوح الرؤية، وملاءمة اللغة للشخصيات، وأداء الممثلين كذلك، وبناء المشاهد ومعالجتها. إنها عملية نحت واتساق وجمال وخلق مفتوحة. وإذا تعرضت بعض الجمل والأحداث للسقوط، فلتسقط وتغادر. وإذا اقتحمت النص اليوم جملة أو حدث أكثر منطقية ودرامية، فلنُبدِل أو نُكثِّف. أما نفقات الإنتاج على السينوغرافيا والمكملات الفنية، فهي مهمة جداً، لكن إن لم تسعفنا وتحضر بوفرة، نُدوِّر ما سبق أن استعملناه، ونبتكر ما لم نستطع تأمينه، فنحوّل بعض المهملات إلى ذهب فوق خشبة المسرح. أما الجمهور، الذي هو الهدف، فأنا أحرص على الوصول إليه، حتى آخر موقع أستطيعه.
*حدثنا عن تجربتك في مسرح الطفل ومسرح الدمى، وما تفسيرك للاهتمام بهذا المسرح في كثير من البلدان العربية؟
**خلال دراستي المسرح في القاهرة، كنت أحرص كل يوم خميس أن أذهب إلى ميدان العتبة لشراء كتب ومجلات عن سور الأزبكية، وبعدها أذهب إلى مسرح العرائس لأحضر مسرحية دمى أو مسرحية للأطفال. من هنا تعلقت بهذا المسرح كمشاهد ومتذوق. وفي بيروت، تابعت مسرحيات الدمى التي كان يقدمها النادي الثقافي العربي ومسرح السنابل "نجلاء دريصاتي، مهى نعمة، غازي كمراشي، وعبيدو باشا". وأستطيع القول إنني لم أدخل هذا العالم إلا مصادفة في الأردن، فبعد أن رفضت الرقابة إجازة النصوص المسرحية التي كنت أتقدم بها للإنتاج، قررت أن أعمل على مسرحية للأطفال علّها لا تتعرض للرفض، خاصة أن الكثير من المؤسسات الرسمية وحتى بعض الفنانين ينظرون لمسرح الطفل على أنه أقل أهمية. وفعلاً، حصلت على الإجازة وقدمت المسرحية، وتلتها مسرحيات كانت تعرض عشرات المرات، وبعضها مئات المرات، مثل "الأميرة والأقزام السبعة" التي شارك فيها سبعة أقزام حقيقيين، وعُرضت 420 مرة على مدار ثلاث سنوات. ومن خلال العمل في هذا المسرح، أدركت سحره وأدركت قلة معرفتي به وحاجتي الشديدة لتعلم الكثير عن الأطفال ومسرحهم، وعن قصصهم وحاجاتهم وعالمهم المدهش وخيالهم الجامح. فكتبتُ وأنتجتُ أكثر من 20 مسرحية، وقدمت مئات العروض متنقلاً بين القرى والمدن وحتى في البادية، وبعض هذه المسرحيات حاز على جوائز وقدمت في العديد من الدول.
أؤمن أن الاهتمام بمسرح الطفل يعني مساهمتك واقتدارك في تربية وتعليم وتشكيل وعي الطفل الذي يمتاز بصفاء ذهنه ونقاء سريرته ونهمه للمعرفة ومنطقه الخاص. أما مسرح الدمى، فيعني خيالاً على خيال، ودقة على دقة، وتحكماً مطلقاً في الدمية لتجعل الحياة تدب في كل جزء منها. الدمى تبسط وتنقل بدقة القصص المعاصرة والحكايات الشعبية والأفكار الفلسفية ليتقبلها الطفل المتفرج الساعي إلى المتعة والمعرفة، حتى لو لم يكن يدرك ذلك. ولذلك، فإن العديد من البلدان العربية تهتم بمسرح الطفل والدمى لأنها، من خلال مؤسسات التعليم والتربية، باتت تدرك أكثر حاجات الطفل المعرفية والإمتاعية، وتدرك أن المسرح من أهم الوسائل التي ترسخ القيم الإيجابية والمسلكيات الصحيحة. كما أن التراث الشعبي والتراث الإبداعي الهائل الذي تمتلكه شعوبنا يهمله الطفل ولا يدرك قيمته، وبالتالي تصبح هويته الثقافية مربوطة بما يشاهده على شاشات التلفزة والهواتف الذكية التي تمتلك التقنيات والوسائل التي تجذب الطفل وتؤثر في تربيته وسلوكياته أكثر من مدرسته وأسرته. من هنا، تهتم المؤسسات الثقافية اليوم باستغلال مسرح الطفل والدمى لتعزيز الهوية الثقافية والانتماء، وللحد من استلاب شخصيته بسبب البرامج التي يشاهدها على الشاشة لوقت طويل. ومن ناحيتي، أُسهم في برنامج يهدف إلى تعميم مسرح الدمى في المدارس ورياض الأطفال، بتوزيع دمى قفازية وتدريب معلمات ومعلمين على تحريك الدمى ومسرحة بعض القصص والحكايات.
*أي خصوصية لتجربتك المسرحية في سوريا؟
**المسرح في سوريا حالة ثقافية فنية أصيلة. جئتها محملاً بالحماسة والشغف، وكانت مسارحها تكتظ بالجمهور، والأسماء اللامعة مثل سعد الله ونوس، فواز الساجر، ممدوح عدوان، فرحان بلبل، وعشرات المبدعين من ممثلين وممثلات كانوا يبعثون الحياة على خشبات المسارح. كان المشهد الثقافي غنياً، متعدد الأصوات والرؤى، وسرعان ما اندمجت في تلك البيئة الفنية، فتعرفت إلى عشرات الفنانين وعملت مع بعضهم، وكان لي أصدقاء أكثر ممن درست المسرح وإياهم في مصر، مثل جهاد سعد، فائق عرقسوسي، وسهيل شلهوب. كما أنني أصبحت جزءاً من تجربة المسرح الوطني الفلسطيني، الذي كان يضم عبد الرحمن أبو القاسم، زيناتي قدسية، تيسير إدريس، ندى حمصي، نجاح العبد الله، وجواد الأسدي. وكنت أتابع مهرجان دمشق المسرحي المميز في عروضه وتنظيمه، وأتعرف إلى أهم المسرحيات العربية المشاركة في المهرجان، وأقرأ إصدارات وزارة الثقافة السورية ودورياتها كـ "الحياة السينمائية" و"الحياة المسرحية" وغيرهما. كما شاركت في مسرحية "العائلة توت" مسؤولاً عن السينوغرافيا، وعملت مخرجاً في مونودراما "القيامة" التي كتبها ممدوح عدوان وجسدها الفنان المبدع زيناتي قدسية.
كما كانت مسرحية "الأميرة القبيحة (سندلسيا)"، نص الكاتب جورج فالو، ترجمة سليم الجزائري، موسيقا وألحان سميح شقير، تمثيل مجموعة رائعة من الممثلين خريجي المعهد العالمي للفنون المسرحية، والتي أنتجتها وتوليت إخراجها، من التجارب المهمة بالنسبة لي. وأذكر كيف كان د. عجاج سليم، الذي كان يتولى الأمور الإدارية ويتابع الممثلين، حريصاً على إنجاح التجربة. وقد عرضت المسرحية في سينما النجوم بمخيم اليرموك مرات عديدة وحققت إقبالاً ونجاحاً جيدين. وعلى إثر نجاحها، تم حجز مسرح القباني عشرة أيام لعرضها، إلا أن ظروفاً متعددة اضطرتني لمغادرة سوريا التي أحبها وأشتاق إليها كثيراً. مع الإشارة إلى أنني أخرجت أكثر من عمل مسرحي لمجموعات مسرحية فلسطينية، منها "صبرا وشاتيلا"، "أغنية على الممر"، و"ليالي الغضب"، وعُرضت في المخيمات في لبنان وعدة مدن سورية.
*لك تجربة قديمة في المونودراما، لذلك أسألك عن ما يعانيه هذا الفن المسرحي، وإلى أي مخرج وممثل يحتاج؟
**المونودراما شكل درامي وشكل فني يحتاج إلى موهبة خاصة تمتلك الكثير من الأدوات ومن الوقت والاجتهاد. وهي، بالأساس، عمل يتوقف على قدرات الممثل، ولا يملك المخرج الكثير من المساحات للعمل على العرض. ولأنها أصبحت (موضة) يلجأ إليها بعض الممثلين لعدم قدرتهم على العمل مع فريق، ولأنها غير مكلفة مالياً وسهل عرضها في أي مكان، فأنا لست ضد المونودراما كتجربة فنية لشخص لديه تجربة فنية كبيرة، وخبرة، وأدوات، ولا يقتصر عمله على هذا اللون المسرحي.
*كلمة أخيرة لك.
**هذا العالم، الذي يعيش حرباً عالمية ثالثة، جعل كل شيء من حولنا يهتز بقوة، لأن ما كنا نؤمن به طوال عقود عن المجتمع الدولي والقوانين الدولية سقط، وتكشف للجميع أن الذي يحكم العالم هو مجموعة صغيرة، متوحشة، إجرامية، ومدمرة تسعى للهيمنة على الأرض ومن عليها. وأن الإنسان، أي إنسان، إما أن يخضع وإما أن يُدمَّر ويُباد. ونحن، كمسرحيين، عملنا وسنعمل من أجل خير الإنسان، من أجل العدالة والحرية وكل القيم الإيجابية، وكل أشكال الجمال. لا خيار لنا إلا أن نتكاتف ونحمي ظهور بعضنا بعضاً للدفاع عن الإنسان، وعن إنسانيتنا، وعن فضائنا الذي ليس لنا فضاءٌ سواه.
سيرة ذاتية
وُلد فتحي عبد الرحمن عام 1953 في مخيم عقبة جبر قرب أريحا، حاصل على بكالوريوس نقد فني من المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، وبكالوريوس في الإخراج المسرحي من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد. في رصيده عشرات المسرحيات، مثل: "الغرباء لا يشربون القهوة"، "ماري أنطوانيت"، "الأميرة القبيحة". كانت بداية علاقته بالمسرح من خلال مسرحية "الغرباء لا يشربون القهوة"، التي تسرد مقاومة الاحتلال، للكاتب المصري محمود دياب، ثم مسرحية "الفرافير" للكاتب المصري الراحل يوسف إدريس، والتي تتحدث عن الظلم والاستبداد والعلاقة بين العبد والمُستعبِد. كما جسّد، منذ سنوات عديدة، وحشية العدو ضد سكان قطاع غزة من خلال مسرحية "الضوء الأسود"، التي تتحدث عن القنابل التي يستخدمها الكيان الصهيوني في الدمار والإبادة، واستخدام الفوسفور الأبيض الذي يستعمله العدو منذ 30 عاماً حتى اليوم. كما جسّد، في مسرحية "رحلات أبو الخيزران", واقع الحياة في قطاع غزة، والمأخوذة من رواية للكاتب غسان كنفاني، حيث تناول فيها رغبة كثير من الفلسطينيين وسكان قطاع غزة في الهروب بعيداً عن الموت البطيء الذي يعيشونه، من خلال الهجرة غير الشرعية عبر البحر إلى أوروبا. في حين عبّر، من خلال مسرحية "قلنديا رايح جاي"، وهي من تأليفه وإخراجه، عن محاولات الاحتلال الإسرائيلي تهجير الفلسطينيين وسكان القدس المحتلة وتهويد المدينة.