وصل بنيامين نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحسب ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن هدف الزيارة مناقشة مسائل استراتيجية وسياسية وأمنية واقتصادية ثم مسألة الأسرى الذين تحتجزهم المقاومة. هذا في الوقت الذي وسّع فيه “الإسرائيلي” نطاق عملياته في رفح التي هدم بها 55,000 وحدة سكنية تمثل 95% من مجموع مساكنها، وفي الوقت ذاته تتواصل المقتلة مستهدفة أهل غزة الذين لم يعُد في بنك الأهداف “الإسرائيلي” من هدف سواهم.
في غمرة ذلك تقدّمت مصر بمبادرة جديدة لوقف إطلاق النار. وكان هذا النشاط المصري أهم أسبابه طول زمن عمليّات القتل التي كان النظام العربيّ يتمنّى على “الإسرائيلي” أن ينجزها بوقت أقل، وهو أيضاً الأمر الذي أشعر مصر بخطورة الوضع من ناحية تحرّك محتمل في الشارع المصري والعربي للضغط على الحكومات بضرورة فعل شيء من أجل غزة، ولشعورها بجدية مشروع التهجير الذي قد أصبح هدف هذه الجولة من الحرب. وهي بالطبع تدرك مقدار عجزها عن التصدّي لهذا المشروع واقعياً وإن منحها الأميركان و”الإسرائيليون” حق الشجب والرفض والمعارضة اللفظيّة وبإصدار بيانات التنديد والاستنكار.
لم تتحدّث القاهرة عن تفاصيل المبادرة، وإنما اكتفت بالحديث عن نقطة واحدة من نقاطها وأنها تهدف إلى جسر الهوة بين طرح المقاومة بالإفراج عن خمسة أسرى أحياء والطرح “الإسرائيلي” الذي جاء بلسان أميركي (ويتكوف) الذي طالب بـ 11 أسيراً حياً فيما تكتّمت عن باقي بنود المبادرة تاركة إياها للغرف المغلقة.
المصادر الإخباريّة “الإسرائيلية” نشرت تفاصيل المبادرة وعلى أنها من ست مراحل تتحدّث المرحلة الأولى عن هدنة لشهرين وإطلاق سراح عدد من الأسرى يتمّ الاتفاق حولهم ويبدو أنه أكثر من خمسة وأقل من 11.
والمرحلة الثانية دخول قوة أمنية مصرية إلى رفح لضبط الأمن لخمس سنوات وتقديم المساعدات الإنسانيّة فقط.
أما المرحلة الثالثة انتقال قيادة المقاومة إلى رفح (لا نعرف لماذا)، والمرحلة الرابعة ضمان أمن الجهاز العسكري ل حركة حماس (يبدو أن القصد سلامة أفراده الشخصية) وعلى أن تلتزم “إسرائيل” بوقف الاغتيالات.
والمرحلة الخامسة أن تقوم مصر خلال عام من وقف إطلاق النار بتمويل (يبدو أن المقصود استضافة) حوار بين الفصائل الفلسطينية من أجل تشكيل حكومة مدنية فلسطينية تتولى إدارة شؤون القطاع في المرحلة الانتقالية، والمرحلة السادسة تلتزم مصر بإعادة إعمار غزة وتوطين أهلها بالتعاون مع المموّلين الإقليميّين.
وإذا أردنا ترجمة المبادرة المصرية والكلام الوارد إلى عمل وواقع على الأرض، فيمكن القول إن مصر تفرض نفسها بديلاً للاحتلال وتنوي إدارة معبر رفح أمنياً باعتباره مخيماً للاجئين تخشى هجرتهم إليها برغبة منهم أو اضطراراً وفراراً من الموت جوعاً أو قتلاً، وغزة بذلك ليست وطناً لأهلها وإنما أرض يعيش بها مجاميع سكانه. فالفكرة إلغاء الطرف الفلسطينيّ ومن الجدير تذكّره أن الإمارات كانت قد أعلنت انسحابها من المشاركة في إعادة إعمار غزة بناء على الخطة التي سبق لمصر أن قدّمتها للقمة العربية الأخيرة. ولعل ما ينطبق على الإمارات ينطبق على السعودية.
نتنياهو المسافر إلى واشنطن يُستقبل بها بحفاوة لم يعُد يخشى من انهيار ائتلافه الحاكم ويرى أنه سيبقى طوال فترة الأربع سنوات من دورة المجلس التشريعي الكنيست وهو يدرك مقدار الدعم الذي يوفره له العجز والتواضع العربي مقروناً بالدعم الذي تلقاه أو الذي سيعود به من واشنطن. ولعل الملفات الإقليمية هي التي ستنال الحصة الأكبر من النقاشات في البيت الأبيض مثل الملف الإيراني والبحر الأحمر و اليمن والتمدّد “الإسرائيلي” شرق الجولان.
فهل تملك المبادرة المصرية فرص النجاح؟
هناك افتراض يقول إن الرئيس الأميركي سيدفع باتجاه قبول المبادرة المصرية، وذلك بسبب رغبته في إنجاز وإعلان التطبيع السعودي مع “إسرائيل”. ويذهب افتراض آخر للقول إن نتنياهو سيوافق على هذه المبادرة لاقتراب عيد الفصح اليهوديّ ولأخذ فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تجهيز الجيش الذي أنهكته الحرب. ولكن هل تخلى ترامب عن مشروع تهجير أهل غزة وتحويلها إلى مشروع عقاريّ سياحيّ، لا أظنّ ذلك برغم ورود إشارات عابرة عليه، فمشروع التهجير وابتلاع الأرض لا زال قائماً ويمثل تحدّياً جدياً لا لغزة فقط وإنما للضفة الغربية أيضاً، وهو يتفوّق في أهميته على التطبيع السعوديّ مع “إسرائيل” فهذا التطبيع هو قائم على أرض الواقع ولا ينتظر إلا الإعلان عنه.
هكذا فما تهدف إليه المقتلة في غزة اليوم هو الوصول إلى تحقيق الرؤية الترامبية، في حين أن هدف المقاومة قد أصبح التصدّي لها، وسواء قبلت “إسرائيل” بالمبادرة أم رفضتها فإن عملية القتل ستبقى مستمرة. وهو ما عاد وأكده كلّ من ترامب ونتنياهو في لقائهما مع الصحافيين إثر اجتماعهم أول أمس. ترامب يريد غزة حرة ولكن لا يريد أهلها ونتنياهو يؤكد أن دولاً مستعدة لاستقبالهم.
كان الأمل في محور المقاومة الذي انكفأ وفي جبهات الإسناد والمشاغلة التي لم يبقَ منها إلا اليمن العظيم ولم يعُد من الممكن عمل شيء أكثر من استنهاض الشارع النائم والمحبط ليأخذ بمبادرة تُجبِر هؤلاء الحكام على اتخاذ مواقف قادرة على إنهاء هذه المقتلة وإبقاء أهل غزة على أرضهم.
*سياسي فلسطيني / فلسطين المحتلة