هناك مقولة تقول إن التاريخ إذا أعاد نفسه فإن عودته ستكون على شكل مهزلة وهذا ما نشهده من تكرار لذات السيناريوهات فيما يتعلق بالقضية التاريخية الوطنية الإنسانية الحقوقية السياسية الاجتماعية للشعب الفلسطيني.
هذا السيناريو المتعدد الأوجه والأساليب والأشكال المتغيرة يجمعها خيط أزرق واحد يتلاعب في تموضع حلقاته وأولوياتها منذ ثورة ١٩٣٦ اللاعبين الرئيسيين لم يتغيروا ولكن تغيرت مواقعهم وأدوارهم على خشبة المسرح الفلسطيني الدوار المتنقل عبر العواصم أما المخرج والملقن والجمهور كان ذاته على مر السنين مع تلاعب متقن بالنصوص والديكورات والموسيقى والأضواء المصاحبة لفصول المسرحية.
واليوم نشهد ذات السيناريو الذي قدم لثوار ١٩٣٦ بأن ينهوا إضرابهم وثورتهم تحت ذات المبررات التي أعطيت من قبل الملقِنين و الممثلين والكومبارس مع إيقاع ذات الطبال والزمار.
تسعون عاما مرت على ثورة ١٩٣٦ وذات السيناريوهات تتكرر في مشهد جمع كل أشكال المسرح عبر نصوصه الهزلية المغلفة بسمات تراجيدية مأساوية فكاهية فارغة من أية مضمون وفي بعض الأحيان فإن النص المسرحي المتكرر يكون بلا معنى سوى لتمرير الوقت أثناء نوم الجمهور في مراحل تغير أجياله.
سابقا كان النص يتضمن وعودا بناء على ضمانات بريطانيا ولكن الآن تحولت الوعود إلى أوامر تنفيذية بناء على طلبات البيت الأبيض.
دائما كان النص يتحول إلى واقع ملموس من خلال الممثلين المحليين الذين يتقنون التمثيل وأحيانا يطلبون تغييرات في السيناريو والديكورات والأضواء بما يتطلبه المشهد.
وفي مشاهد المسرحية كان الجمهور يتغير تفاعله معها بين الضحك والغضب والصمت والنوم والاعتياد على النصوص العبثية المتكررة وكانت هناك دائما فئة تنتشر بينه تتلاعب بدرجة تفاعله مع المشاهد ترفع من وتيرتها وتوجهها وتعطيها أملا الذي يسقطه إبداع دور الممثلين والمروجين بين الجمهور على وقع الطبال والزمار ليعود اللون الأزرق ليطغى على الأحمر والأخضر والأبيض الذي يغلف بالسواد.
تسعون عاما والمهزلة تتكرر والنصوص تتغير ولكن لون حِبرها الأزرق لا يتغير حتى لو كانت الأقلام خضراء وحمراء وبيضاء وسوداء المهم ليس القلم بل الحبر الذي يكتب به.
بعد تسعون عاما أصبح الحبر الأزرق هو السائد في النصوص والأفعال وأجبر الجمهور على لبس عدسات زرقاء لحضورها المسرح إلا غزة في ما يزال قلمها يحمل ألوانها و يكتب بحبر أحمر أرجواني.
بعد تِسعون عاما من الجولات المشهدية لا بد أن يتبدل الدور بين الجمهور والممثلين يجب أن يصعد الجمهور على خشبات المسرح الدوار و يعيدوا بناءه ويكتبوا نصوص مشاهده المستقبلية بِحبرهم الأحمر ويمنعوا استخدام الحبر الأزرق ويكشفوا أن ما يتم تداوله الآن من نصوص زرقاء هي تنفيذ للنص الِترامبي في صفقته تحت بندهِ الأزرق بعنوان مستقبل غزة بلا حبر أحمر.