Menu

إغلاقُ مدارسِ الأونروا في القدس: حربٌ إسرائيليّةٌ على التعليم

محمد أيمن المدهون

خاص بوابة الهدف

في خطوةٍ جديدةٍ تستهدف طمس الهوية الوطنية الفلسطينية، أصدرت سلطات الاحتلال الصهيوني قرارًا بإغلاق جميع مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في مدينة القدس المحتلة، حيث يأتي هذا الإجراء ضمن سياسة ممنهجة لتهويد المدينة، وتكريس السيطرة عليها عبر استهداف مقومات الوجود الفلسطيني، لاسيما في مجال التعليم.

لم يأتِ هذا القرار بمعزلٍ عن سياقٍ أوسع من الاستهداف المنهجي الذي تتعرض له وكالة "الأونروا" من قبل سلطات الاحتلال، إذ تصاعدت وتيرة الهجمات ضدها بشكل ملحوظ عقب عدوان الاحتلال على قطاع غزة الذي بدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث زعم جيش الاحتلال بأنّ عددًا من موظفي الأونروا شاركوا في معركة "طوفان الأقصى".

ولا يقتصر قرار الإغلاق على كونه انتهاكًا لحقوق الفلسطينيين في التعليم، بل هو جزء من خطة أوسع تهدف إلى تفكيك المؤسسات الفلسطينية في القدس، وإحلال المنظومة التعليمية "الإسرائيلية" مكانها، في مسعى لطمس الهوية الوطنية وكيّ وعي الأجيال.

وكان كنيست الاحتلال قد أقرّ في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 قانونًا يمنع الأونروا من ممارسة أي نشاط داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويقضي بسحب الامتيازات والتسهيلات المقدمة لها ومنع أي اتصال رسمي بها.

وفي أول تعليق للوكالة، أعرب المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، عن بالغ قلقه من القرار، مؤكدًا أن "مدارس الأونروا تتمتع بامتيازات وحصانات بموجب اتفاقيات الأمم المتحدة، وأي تدخل في عملها يعتبر خرقًا واضحًا للقانون الدولي".

وأشار لازاريني إلى أنّ "أوامر الإغلاق غير القانونية هذه تأتي في أعقاب تشريعات من الكنيست الإسرائيلي تهدف إلى تقويض عمل الأونروا، مؤكدًا التزام الوكالة التابعة للأمم المتحدة بالبقاء وتقديم التعليم والخدمات الأساسية الأخرى للاجئي فلسطين في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وفقا لتفويض الجمعية العامة للأمم المتحدة".

القرار قوبل بإدانة عربية واسعة، فقد أعربت وزارة الخارجية السعودية عن "رفضها القاطع لمواصلة السلطات الإسرائيلية تعنتها واستهدافها الممنهج لوكالة "الأونروا" والعمل الإغاثي والإنساني، وسط صمت المجتمع الدولي".

أما مصر، فقد عبرت عن إدانتها لأوامر الإغلاق، مؤكدةً على دعمها لوكالة الأونروا وجهودها وخدماتها في كافة مناطق عملياتها، بما في ذلك في القدس الشرقية المحتلة"، كما شددت على "رفضها التام لحملة الاستهداف الممنهجة التي تواجهها الوكالة الأممية وولايتها".

كما أكدت وزارة الخارجية ال قطر ية أنّ "الحق في التعليم حق أصيل تكفله القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مجددة رفض دولة قطر القاطع لتسييس التعليم والتحركات الإسرائيلية الهادفة إلى إنهاء أو تقليص دور وكالة الأونروا"، فيما شددت على "ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لمحاسبة إسرائيل وإلزامها بالامتثال للقوانين الدولية".

وفي تعليق على قرار الاحتلال، قال رمضان طه الناطق الإعلامي لاتحاد أولياء أمور طلاب مدارس القدس، إنّ الشارع المقدسي تلقى القرار بصدمةٍ كبيرةٍ، رغم أنّه كان متوقّعًا، خاصة بعد تشريع الكنيست الذي يمنع وكالة الأونروا من العمل داخل القدس المحتلة.

وأوضح طه في حديثٍ لـ"بوابة الهدف" أنّ القرار يأتي ضمن سياسة "إسرائيلية" ممنهجة تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين، وتقويض دور وكالة "الأونروا"، خاصة في قطاع التعليم، مؤكدًا أنّ الاحتلال يسعى لفرض سيطرته الكاملة على التعليم في القدس، من خلال فرض المناهج "الإسرائيلية" على الطلبة الفلسطينيين.

وحول آثار القرار على الطلبة، أشار طه إلى أنّ "إغلاق المدارس ينعكس سلبًا على الطلبة، الذين يُحرمون من حقهم في التعليم الآمن، في ظل أوضاع نفسية صعبة نتيجة قرارات الاحتلال المتكررة واقتحامه للمدارس، وغياب بيئة تعليمية مستقرة"، مشددًا على أنّ أولياء الأمور يعيشون حالة من القلق على مستقبل أبنائهم.

وأكد أنّ القرار يأتي في إطار حرب مفتوحة على التعليم الفلسطيني في القدس، وهي سياسة مستمرة منذ احتلال المدينة عام 1967، وتصاعدت بشكلٍ كبير بعد العام 2000، وتهدف إلى طمس الهوية الوطنية الفلسطينية، من خلال استهداف جميع المؤسسات التعليمية، رغم المواثيق الدولية التي تكفل حق التعليم وحقوق الطفل".

وأشار طه إلى وجود ضعف واضح في التعامل مع هذا القرار، مؤكدًا أنه لا يوجد أي تحرك فعلي على المستوى الفلسطيني، ولا على الصعيدين العربي والدولي، مضيفًا: "نحن بحاجة إلى تحرك حقيقي على الأرض لوقف هذه القرارات، فإغلاق مدارس الأونروا ليس سوى بداية لسلسلة من الإجراءات التي قد تطال لاحقًا المدارس الخاصة وغيرها من المؤسسات التعليمية، ضمن خطة ممنهجة تهدف إلى فرض السيطرة "الإسرائيلية" الكاملة على قطاع التعليم في القدس.

وفي ختام حديثه ناشد الناطق الاعلامي لاتحاد أولياء أمور طلاب مدارس القدس، السلطة الوطنية الفلسطينية، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، والدول الإسلامية، بضرورة التحرك العاجل لحماية حق التعليم في القدس ورفع المعاناة عن المقدسيين.

من جهته، أكد المشرف التربوي في مديرية التربية والتعليم بالقدس، أحمد الصفدي، أنّ "استهداف التعليم في المدينة ليس إجراءً وليد اللحظة، بل هو سيرورة دائمة بدأت منذ عام 1967"، مشيرًا إلى أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى تقويض النظام التعليمي الفلسطيني من خلال فرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس، ومحاولة تشويه الهوية الوطنية الفلسطينية".

وأوضح الصفدي في حديث لـ"بوابة الهدف" أنّ "الهجمة الإسرائيلية على التعليم تصاعدت منذ عام 2011، وبلغت ذروتها في عام 2018، حين تحالفت مختلف مؤسسات الاحتلال لفرض "البجروت الإسرائيلي"، وتحريف المنهاج الفلسطيني"، مؤكدًا أنّ "هذه المحاولات لا تهدف فقط إلى فرض النظام التعليمي الإسرائيلي، بل إلى تشويه الوعي الفلسطيني وإلغاء الرموز الوطنية الفلسطينية من المناهج".

وأشار الصفدي إلى أنّ "الاحتلال اتبع إجراءات قمعية لتحقيق هذه الأهداف، من بينها اعتقال مدراء ومعلمين، وإغلاق مديرية التربية والتعليم، إلى جانب الضغط على المدارس الخاصة لاعتماد المنهاج الإسرائيلي مقابل تجديد تراخيصها".

وأضاف أنّ "قرار إغلاق مدارس الأونروا يأتي في هذه السياسة الممنهجة، حيث يدرك الاحتلال أنّ وعي الطلاب من خلال التعليم يسبب وعيًا في الهوية، ولذلك يسعى إلى تفريغ العملية التعليمية من مضمونها الوطني"، معتبرًا أن "قتل المنهاج هو قتل للفكر".

ورأى الصفدي أنّّ "محاولات الاحتلال تهدف إلى تغيير المفاهيم لدى الفلسطينيين في القدس، لدفعهم للتنازل عن مبادئ النضال والدفاع عن الأرض والمقدسات، وتحويلهم إلى أقلية في ظل التوسع الاستيطاني والمشاريع التهويدية الأخرى".

وأكد الصفدي أنّ "الاحتلال يفرض منهاجه بالقوة، ويطارد الكتاب الفلسطيني، ويعتقل الطلاب، بهدف إرباك الهوية الوطنية لديهم، مشددًا على ضرورة وجود جهة فلسطينية تلعب دورًا تعويضيًا عن دور السلطة في حماية التعليم في القدس، من خلال تقوية وتصليب جسم المؤسسات المقدسية التعليمية، مثل مدارس الأوقاف والمدارس الأهلية والمسيحية والمؤسسات المتخصصة والمراكز الجماهيرية، كما دعا إلى تشكيل عنقود تعليمي قوي للحفاظ على المناهج الفلسطينية".

تأتي خطوة إغلاق مدارس الأونروا في القدس المحتلة كحلقة جديدة في سلسلة طويلة من السياسات "الإسرائيلية" الممنهجة لطمس الهوية الفلسطينية. فهذا الإجراء ليس مجرد هجوم على الحق في التعليم، بل هو محاولةٌ ممنهجةٌ لاقتلاع الوجود الفلسطيني من جذوره، وفرض رواية احتلالية تهدف إلى طمس التاريخ والهوية وتشويه وعي الأجيال القادمة.