فيحاء عبد الهادي: «أدوار المرأة الفلسطينية منذ منتصف الستينيات حتى عام 1982» (مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق، البيرة – فلسطين المحتلة 2015). 776 صفحة تحوي مصورات.
في ذكرى إعلان العصابات الصهيونية قيام كيانها العنصري والمصطنع في جزء من فلسطين، وبدء مؤامرة تقاسمها بين أنظمة سايكس بيكو العميلة للاستعمار، اخترتُ أربعة مؤلفات يعكس محتواها، جميعها، بعض مناحي حياة الشعب الفلسطيني في وطنه وفي الشتات ونضاله من أجل المحافظة على هويته الوطنية مقاوماً كافة محاولات طمسها وإخفاء نضاله من أجل تحرير وطنه والعودة إليه.
اخترت كتاب الأكاديمية والعالمة الفلسطينية فيحاء عبد الهادي المقيمة في رام الله في فلسطين المحتلة، والناشطة في مختلف مجالات النضال الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها تسجيل التأريخ الشفهي لنضالات الشعب الفلسطيني ودور المرأة الفلسطينية فيه. أما هذا المؤلف، فقد أنجزته مجموعة من الباحثات بإشرافها.
اعتمد الكتاب بنحو رئيسي على البحث الميداني لمجموعة من الناشطات الفلسطينيات في فلسطين المحتلة و الأردن وسوريا ولبنان ومصر، وأسماؤهن مذكورة في مدخل الكتاب، وكل ذلك حصل بإشراف فيحاء عبد الهادي. ويضم المؤلف أيضاً صوراً كثيرة من السيدات اللواتي قدمن شهادتهن في موضوع النشاط السياسي للمرأة الفلسطينية في المرحلة التي يعرضها، أيضاً بالنقد.
المشرفة على المؤلف قسمته إلى بابين أولهما «المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية» المكرس بمعظمه لعرض ما كُتِب في الموضوع. هذا المدخل مهم لأنه يحلل تلك الكتابات ويعرض النواقص فيها، ونجاحاتها وإخفاقاتها. كذلك يشير بالأسماء إلى عيوب أسلوب (copy/paste) المتبع لدى بعض الباحثات، طبعاً من دون ذكر مصدر الاقتباسات. هذا الباب مخصص لمنهجية البحث. إضافة إلى «التمهيد»، يضم أيضاً «أهمية التأريخ من خلال منهج التاريخ الشفوي»، و«الشهادات مصدراً للتأريخ والمزج بين التأريخ الشفوي والمدون». يلي ذلك مصادر التأريخ في المؤلف، وهي «الشهادات» و«السيرة الذاتية» و«المقابلات»، إضافة إلى قسم مهم هو «التاريخ الشفوي من منظور النساء مصدراً للتأريخ». هذه النقاط جميعها عرضتها المشرفة من خلال قراءة ما صدر عن الموضوع من قبل.
الفصل الأول من الباب الأول هو «أدوار المرأة الفلسطينية من عام 1965 إلى 1969». هنا قسم الفصل إلى مرحلتين من 1965 إلى 1967، أي إلى عام النكبة الفلسطينية الثانية وأثرها في نشاط المرأة الفلسطينية سياسياً وتنظيمياً واجتماعياً ونقابياً وميدانياً (التعبئة السياسية).
الفصل الثاني «أدوار المرأة الفلسطينية منذ عام 1969 إلى 1982»، أي إلى عام اجتياح العدو الصهيوني لبنان وخروج التنظيمات الفلسطينية وتبعثر العمل السياسي الفلسطيني تنظيمياً. عرض هذا الفصل نشاط المرأة ضمن النقابات الجماهيرية أو الشعبية المستقلة (بالأحرى مفترض كذلك، لكنها لم تكن يوماً مستقلة عن القيادة عدا فترة وجيزة – ز م)، وهي «الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية» و«الاتحاد العام لطلبة فلسطين» و«الاتحاد العام للمعلمين» و«الاتحاد العام للأطباء الفلسطينيين»، ويضاف إليها العمل من خلال مراكز وجمعيات نسوية.
الفصل الثالث «تغيرات اجتماعية منذ منتصف الستينيات حتى عام 1982» يضم البحث في تأثير المقاومة المسلحة ودورها في تغيير مفاهيم اجتماعية حيث أُدركت أهمية الجمع بين النضالين السياسي والاجتماعي. وهذه المرحلة التي عايشتُها (أز م)، شهدت مناظرة مستمرة بين كوادر الحركة الوطنية الفلسطينية وكوادر اليسار الأوروبي الذي جعل من المقاومة الفلسطينية في الأردن قبلته للممارسة والانخراط في النضال الأممي ضد الإمبريالية. من خلال النقاشات مع تلك الكادرات الأوروبية اليسارية التي كان جزء كبير منها يطالب المرأة الفلسطينية بالتمرد على الأوضاع الاجتماعية القائمة والتقاليد البطريركية المتجذرة، كانت وجهة نظر المرأة الفلسطينية والكوادر الفلسطينية اليسارية تشدد على أن تحرر المرأة يكمن في المشاركة في الحركة الوطنية الفلسطينية المقاوِمة، وهو ما اتبعته بدءاً من نهاية السبعينيات. وهنا تفيد شهادة في المؤلف بالخصوص حيث نقرأ «أهم ما يميز هذه الفترة ربط النضال الوطني بالنضال الاجتماعي، وقد تحول من كونه نضالاً خيرياً إلى دور فعّال في الحركة النسوية الفلسطينية». شهادة أخرى تقول: «صار عندي تداخل بكل أشكال النضال. العمل العسكري يكمل من خلال العمل المجتمعي: التوعية، بناء المؤسسات وبناء الاقتصاد...». كذلك، أسهم السجن (في زنازين العدو الصهيوني) في رفع درجة الوعي الاجتماعي وبأهمية الربط بينه وبين السياسي.
الباب الثاني «روايات النساء – نصوص المقابلات الشفوية». أهمية هذا القسم، دوماً وفق المشرفة على المؤلَّف، تكمن في عرضه الوثائق المستخدمة في البحث لتكون مرجعاً للبحاثة، رجالاً ونساءً، في هذا الموضوع. حرصت فيحاء على أن يمثل هذا القسم كل فلسطين، إضافة إلى سوريا ولبنان والأردن ومصر، مع التركيز على الشهادات التي تتناول مرحلة منتصف السبعينيات حتى سنة الاجتياح. لكن المقابلات ضمت أيضاً عرض كامل الفترة التي عاشتها الراوية وليس فترة البحث فحسب.
هذا القسم الأخير يحوي النص الحرفي للمقابلات وكانت مع كل من نهى ظاهر عبد العزيز البرغوثي (في رام الله)، ونائلة عايش عادل العطعوط (في نابلس)، وزهيرة أحمد بدوي كمال (في القدس )، وعائشة جابر نعيم (في مخيم الحجر الأسود قرب دمشق)، وليديا وديع موسى الأعرج (في بيت جالا بفلسطين المحتلة)، وعبلة مطيع الدجاني (في مصر الجديدة)، وسهيلة أحمد الخطيب (في صيدا، لبنان)، ونعمة محمود محمد الحلو (مخيم جباليا، غزة)، وعبلة أبو علبة (في عمان، الأردن)، وأخيراً أوديت نمر (في الناصرة، فلسطين المحتلة). وقد حرصتُ على ذكر أسماء الراويات في عرضنا هذا، لنؤكد أنه في ظل هيمنة سلطات دكتاتورية منتفخة، عن ورم، تبقى الشهادات الشفهية مرجعاً أساساً حيث نتعرف فيها إلى المناضلات من نساء فلسطين بلسانهن، ومن دون أي تدخل خارجي.