مقتل السفير الروسي اندريه كارلوف في انقرة يوم الإثنين الماضي، لا ينطوي على قدر من الدهشة رغم انه حدث جلل كان يمكن ان يرفع إلى الحد الأقصى درجات التوتر بين بلدين مستقرين. من المتوقع تماماً أن تكون هناك في الإقليم والعالم أطراف غير راضية او مستفزة أو حتى تشعر بالإهانة، بسبب حجم ونوع وأهداف التدخل الروسي القوي والمباشر في الملف السوري.
ثمة أطراف عديدة لا تنقصها الأدوات التنفيذية التي تسعى وراء الانتقام والثأر، وتدفيع روسيا ثمن الإنجاز الذي حققه النظام السوري مؤخرا في حلب و أدى إلى قلب الطاولة على الجميع. ما جرى في حلب إعلان قوي لكل من يتدخل وهي أطراف عديدة في الشأن السوري، فحين تكون روسيا هنا، ينبغي على الآخرين الانكفاء حتى الشلل.
ما جرى في حلب اعلان قوي عن فشل مخططات التفكيك والتركيب الذي رتبته للمنطقة السياسية الأمريكية الإسرائيلية بمشاركة او تواطؤ او دعم طوعي او إجباري من قبل الدول الاوروبية. فشل المخطط أولا في حصر الكبيرة التي تشكل عامود الخيمة العربية، ثم ها هو يفشل في دولة مركزية أخرى هي سوريا. على أن قتل السفير الروسي في أنقرة قد تقف وراءه رغبة في الانتقام من تركيا ايضا، بعد ان اعادت النظر في سياستها ودورها في الملف السوري، وانتقلت الى خط التنسيق مع كل من روسيا وإيران.
لم تأت النتائج كما ارادت القوى والجماعات المحلية والدولية التي تقف وراء عملية قتل السفير الروسي، فلقد أكد الطرفان التركي والروسي. ان هذه الجريمة لن تؤدي إلى الارتداد السلبي في مجرى العلاقات الثنائية الجيدة والمتطورة. بالرغم من وقوع هذه الجريمة قبل يوم واحد من اجتماعين منفصلين لوزراء دفاع وخارجية كل من إيران وتركيا وروسيا في موسكو، انعقد الاجتماعان، وتمخض عنهما اعلان موسكو الذي يتضمن هدف الحفاظ على وحدة اراضي الدولة السورية، التي تتمتع بتنوع عرقي، ونحو اقامة نظام ديمقراطي علماني. من يرفض تحقيق هذا الهدف الحيوي عمليا يضع نفسه في مربع القوى الاستعمارية والظلامية التي سعت ولم تيأس بعد من تنفيذ مخطط سايكس بيكو القرن الحادي والعشرين.
ان من يتباكى على دم الشعب السوري ومصالحه عليه ان يدرك بأن الشعب السوري اصيب بنكبة كبيرة توجع القلوب، لكن النكبة الأكبر كانت ستكون في حال نجح مخطط التفتيت والتقسيم، وفتح بوابات الصراع الطائفي والعرقي على مصراعيه.
معلوم ان من يستهدف الحفاظ على الدولة السورية موحدة، سيدفع ثمن ذلك، لأن القوي التي تقف وراء مخطط التفكيك، هي قوى كبيرة وكثيرة ولديها امكانيات ضخمة. ولذلك فإن حياة السفير الروسي في انقرة هي جزء بسيط من هذا الثمن، وفي ضوء ذلك من المرجح ان تنشط الأعمال الإرهابية أكثر في تركيا وروسيا، لكن اصحاب مخطط التفكيك الذين فشلوا في تنفيذ مخططاتهم ايضا عليهم ان يدفعوا ثمن الخذلان.
المهم في ظل غياب الجماعة العربية عن كل ذلك، وعن دورها في رسم معالم سوريا المستقبل، فإن على بعض هذه الدول التي تورطت في مخططات التفكيك ان تتراجع قبل فوات الأوان، هذا ان لم يكن قد فات اوان ذلك فعلا. لقد لخص وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية انور قرقاش، الامر خلال الاجتماع الوزاري الطارئ في الجامعة العربية حين قال عن حق "ان ما يجري في سوريا مثال واضح للفشل العربي على المستويين العربي والدولي".