Menu

ما قبل وما بعد أزمة الكهرباء

جواد أبو حسنة

جاهل من يتوقع أن حدود صبر الجماهير على الظلم يماثل صبر أيوب على ابتلاء قومه، أو صبر يونس على عتمة السجنفي بطن الحوت، وأعمى من لا يبصر مشاهد الأزمات التي طالت كافة مناحي الحياة في غزة، وبليد من لا يتحسس مشاعر ومعاناة أبناء شعبه،وواهم من يظن أن القوة قادرة على كسر إرادة الجماهير.

وربما هذا ما وقعت فيه حركة حماس قبل انفجار أزمة الكهرباء حيث سيطر على عقلهاجهل التوقعات لحدود صبر جماهير شعبنا. وتعامت عنرؤية مشاهدانسداد الأفق وانعدام المستقبل أمام جيل الشباب،وتبلدت أحاسيسها ومشاعرها اتجاه الطبقات الفقيرة والمسحوقة بتماديها في فرض الضرائب,ووهمت نفسها بالقوة التي تمتلكها أن تشكل رادعلإرادة الجماهير وثنيها عن النزول إلى الشارع لتطالب بحقوقها وتعبر عن سخطها وغضبها على تردى مستوى الحياة في كافة مناحيها. حينما أدار طرفي الانقسام الظهرللمبادرات التي قدمتها القوى الوطنية وعلى رأسها مبادرة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في شأن أزمة الكهرباء في أواسطالعام المنصرموذهب طرفي الانقسام بعيداً يبحثا عن حلول ثنائية تحقق لكل منهما مكاسب فئوية بعيداً عن إيجاد حلول جادة لحاجات الناس، وليس هذا فحسب بل وتجاهلاتحذيرات الجبهة التي جاءت في بيانها الجماهيري الأخير من الانفجار الشعبي حال استمرار تفاقم أزمة الكهرباء،ومطالبة الشعبية طرفي الأزمة بالعمل على إخراج معانات أبناء شعبنا من حالة التجاذب السياسي . 

ولم تقرأ حماس الاحتجاجات والوقفات والمسيرات السلمية المنددة بتسييس أزمة الكهرباء والتي شملت العديد من المخيمات والمدن والأحياء في  قطاع غزة وعبرت فيها الجماهيرعن ذاتها وعن مطالبها،ولم تتجه حماس نحو المعالجة الصائبة بل لجأت إلى المعالجات الأمنية، الأمر الذي ولد لدى جماهير شعبنا في مخيم جباليا ردة فعل عبر عنهاالحراك الجماهيري الشبابي السلمي الذي شارك فيه عشرات الآلاف من الشباب الناقم على سوء ورداءة الواقع وأزماته التي تراكمتوزادت قسوتهاعلى مدار عقد من الزمن تعمقت فيه الهوة المعيشية والاقتصادية بين أفراد المجتمع، وولدتلدى المواطن البسيط حالة من الشعور بالاغتراب عن هذا الجزء من الوطن وأفقدته عناصر الصمود والثبات في مواجهة الاحتلال وممارساته العدوانيةودفعته نحو الشعور بملاحقة سيف الجباية والضرائب وأنجيبهوما فيها من قوت لنفسه هو للحكومة ولنفقاتها التشغيلية بسبب الارتفاعالملحوظ في نسب الضرائب والتدنيالملموس بمستوى دخل الفرد في غزة وارتفاع معدلات الفقر بين فئات الشعب وازدياد معدلات البطالة وخاصة بينالخريجين الذين لا يتوفر ملاذ آمنلمستقبلهم .

أعتقد وفي ضوء الانفجار الشعبي الذي عبرت عنه جماهير شعبنا وخاصة في مخيم جباليا، وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق القوى الوطنية، برفع المعاناة عن جماهير شعبنا وتوفير فرص الحياة الحرة الكريمة وتجنيبها ويلات الفوضى وحفاظاً على الممتلكات العامة جاءت مبادرة الجبهة الشعبية ذات النقاط الثمانية التي تتضمن حلاً لأزمة الكهرباء، لتلتف حولها القوى الوطنية والإسلامية، ويستجيب لها طرفي الانقسام .

وعليه وفي ظل المناخات الوطنية الايجابية السائدة حول المبادرة، لابد من توفير الروافع الشعبية للضغط على طرفي الانقسام نحو تنفيذ المبادرة كخطوة هامة للبناء وبشكل جاد عليها نحوإنهاء الانقسام،خاصة وأن المستجدات السياسية الإقليمية والدولية وتعهدات الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن نقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس المحتلة ومقدمات ومعطيات السياسية الجديدة لهذه الإدارة جميعها يتطلب العمل على إعادة استنهاض الحالة الوطنية، وتوحيد جهودها في إطاروطني ناظم يعيد الاعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية وينظم العلاقات الوطنية عبر برنامج سياسي جامع يحفظ الحقوق والثوابت الوطنية ويصون حقوق المواطن وعيشه الكريم .