Menu

من "دعهم يختنقون" إلى يعقوب أبو القيعان.. المؤسسة الصهيونية مدرسة القتل

أحمد مصطفى جابر

القيعان

منذ خمس سنوات تقريبا خرج محمد السلايمة من منزله إلى جوار الحرم الإبراهيمي في الخليل القديمة، ليشتري كعكة للاحتفال بعيد ميلاده السابع عشر، لكنه لم يعد، مسؤولة الموقع العسكري 160 المحاذي للحرم واسمها نوفار مزراحي قررت أن 17 عاما تكفي لمحمد فأطلقت عليه النار وقتلته بدم بارد يوم 13-12-2012.

الرد الأخير للسلطات الصهيونية كرمت مزراحي مرتين ومنحتها وساما وأعادتها مجددا للخدمة كمشرفة على وحدة من حرس الحدود في البلدة القديمة في الخليل.

و في يوم 11 حزيران 2011،  أطلق الجندي مكسيم فاينغوردوف النار على الشاب الشهيد زياد جيلاني، حينما كان ملقى على الأرض مصابا بالرصاص، في وادي الجوز في القدس ، لتأكيد قتله.  وحينها قررت النيابة تقديمه للمحاكمة، بعد أن قبلت بادعائه غير المنطقي بأن القتيل كان يشكل خطرا عليه. ويوم 4 تشرين الأول 2015، قتل جندي الشهيد فادي علون من العيسوية، فقط لأن عابري سبيل طلبوا منه أن يفعل ذلك، وفي يوم الأول من تموز 2016، أطلق جندي النار على الشهيدة سارة حجوج، حينما كانت وحدها في حجرة صغيرة (كابينا) للجنود، عند حاجز في الخليل، دون أن تشكل أي خطر على الجنود.

يبحث هذا النص في كيف أن عنف الشرطة الاحتلالية ليس عنف مؤسسة (دولة) ضد مواطنيها الطبيعيين (مع التحفظ) بل عنف المؤسسة الاستعمارية، لضبط وهندسة وجود من يقع تحت احتلالها، وهو عنف المؤسسة الاستعمارية بما تمثله علاقة الشرطة والقضاء بمواطنين محتلين، وكيف تتحول هاتان المؤسستان في سياق الاستعمار إلى أداة قهر وإخضاع خارج القانون بمعناه الأصلي.

 

سجل حافل

نعلم، حتى بدون التطرق إلى هذه الوقائع أن جريمة قتل يعقوب أبو القيعان في أم الحيران لم تكن الأولى ونعلم أن أليؤور عزاريا لن يكون القاتل الأخير.

إذا كان القارئ الكريم متابعا مدققا فسيلاحظ الخطأ الذي ارتكبته، سيقول في خاطره ولكن عزاريا لم يقتل أبو القيعان، بل قتل عبد الفتاح الشريف، ولكن هل أنت متأكد تماما عزيزي القارئ أن عزاريا لم يقتل أبا القيعان.

لماذا تعمدت ارتكاب الخطأ؟ إذا كان خطأ فعلا، لأن لدينا ما يكفي من الأدلة والسجل التاريخي المليء بالشواهد على أن آلة القتل الصهيونية الجهنمية تعمل بذات الكفاءة وذات الروحية على جانبي الخط الأخضر، والاستهداف القاتل ليس جديدا وفهمه ليس معقدا.

طالما وضمن النظام الكولونيالي المركب والمعقد الذي تمثله دولة إسرائيل كانت هوية المستهدف يتم تحديدها على أساس قومي، بغض النظر إن كان مواطنا قانونيا في دولة إسرائيل أو تحت احتلالها في الضفة الغربية والقدس وحتى في غزة (حيث نظام القتل المسلح بالحصار مازال يعمل بكفاءة)، تماما كما البيت المهدوم في أم الحيران أو قلنسوة أو قلنديا أو الخليل وطبعا القدس، المهم أنه بيت فلسطيني، فحتى البيوت ضمن النظام الاستعماري المحكم الذي تمارسه الحركة الصهيونية في فلسطين التاريخية يتم تحديدها كأهداف على أساس قومي.

تصبح عملية هدم المنازل بجرافات كاتربلر كما عملية القتل عابرة للأزمنة وللتصنيف القانوني للمكان ولتمرحلات الاحتلال وإعادة معيرة نفسه بما يناسب استمراره ونجاعة أساليبه.

ويصبح الحديث عن انتفاضة المسكن فائضا عن الحاجة، عند الحديث عن حق الحياة ومنع القتل الوحشي، ولكن هذا المعيار يبقى قاصرا أيضا إذا لم يلحظ أيضا، طبيعة الصراع، تاريخيته، تعقيده، وآفاقه تصبح الغاية ليست منع القتل فقط بل إزاحة القاتل نهائيا من المشهد.

والقتل الاستعماري ذو الطابع العنصري العرقي ليس مرتبطا بقاموس الأمن الصهيوني المتردد كصوت ببغاء كعرقلة هجوم أو إحباط عمل تخريبي أو تحييد إرهابي، بل مرتبط جوهريا بالصراع كما يراه العدو وكما يجب أن نراه نحن أيضا كصراع وجودي حيث الفلسطيني هو الآخر، الغوييم الذي يجب التخلص منه عبر محوه نهائيا كما يقول كتاب الصلوات اليهودي.

لماذا؟ لأنهم –الفلسطينيون- "يعانون من خلل في الجينات الوراثية وعدمية ثقافية" كما صرح زئيف بويم نائب وزير الدفاع ذات يوم (جريدة صوت الحق والحرية 27/2/2004)

بدوره أيهود أولمرت عندما كان قائما بأعمال رئيس الحكومة ووزيرا للمالية وعضو كنيست عن الليكود وصف أصحاب البيوت المهدمة في قرية البعنة (قرية عربية في الجليل الأعلى) بأنهم لصوص وقطاع طرق وخارجين عن القانون (الاتحاد الحيفاوية 2/3/2004). أيضا ميخائيل راتسون عضو الكنيست عن الليكود ونائب وزير الصناعة والتجارة وخلال مؤتمر نظمته جريدة (شيبع) اليمينية المتطرفة دعا إلى تنظيم حملة لتهجير العرب طوعياً (الاتحاد الحيفاوية 17/3/2004).

أما جدعون عزرا عضو الكنيست عن الليكود ووزير الأمن الداخلي فوصف القيادات العربية داخل إسرائيل بأنهم أعداء للدولة وقال إن النائب عصام مخول «يشكل خطرا على الدولة فهو ضد المفاعل النووي وضد الجدار، فليذهب للسكن في مكان آخر، وهو مسيحي ويريد أن يعطي انطباعا للمسلمين بأنه متطرف أكثر منهم» (كل العرب 2/10/2004). وكان بيني مورس المؤرخ المعروف المرتد عن كونه (مؤرخا جديدا) قد أجرى مقابلة مع أيهود باراك رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب العمل (new york- review of books 13-6- 2002).  وقد تضمنت اقتراحات بارك تقييد الديمقراطية الإسرائيلية ومنع الشرعية البرلمانية عن مواقف سياسية قومية عربية، وتقليل عدد المواطنين العرب عبر مبادلة بعض القرى العربية وعبر عن اقتناعه بأن السلام مع الفلسطينيين غير وارد طالما أن جيل النكبة ما زال حيا بالتالي يجب الاعتماد على سياسات القوة يضاف إليها الفصل من طرف واحد وهي الخطة التي اعتمدها الليكودي شارون (مؤسس وزعيم كديما فيما بعد).

والأفكار الرئيسية لمذكرة كونيغ عام 1976 التي أوصت بعدة إجراءات لاحتواء مشكلة السكان العرب منها الإسراع في استيطان الجليل، في تلك المذكرة التي وضعها إسرائيل كونيغ حاكم المنطقة الشمالية آنذاك تتلخص العقلية العربية بأنها شرقية وسطحية متخلفة وتوصية بالتشدد في استعمال السيطرة القوية ضد العرب وضرورة السعي لتأسيس جهاز مخابرات متخصص للتجسس على قادة العرب في إسرائيل(أمينة مينس، مرجع سابق، ص 56).

وأثناء استدعائه للشهادة في المحكمة ضد قيادة الحركة الإسلامية وزعيمها رائد صلاح يوم 2-5-2003 أطلق البروفيسور رفائيل يسرائيلي شاهد النيابة باعتباره متخصصا بالإسلام السياسي عدة تصريحات لم تتوقف المحكمة أمامها جاءت مليئة بالعنصرية والكراهية ضد العرب فقد قال مثلا«إن على العرب أن يبيعوا ممتلكاتهم وعقاراتهم ويرحلوا عن الدولة أو أن يخدموا في الجيش ويقسموا يمين الولاء أو يعيشوا منزوعي الحقوق المدنية»، وأضاف أن عدد قتلى العرب في هبة الأقصى (يقصد عرب 48 في أحداث أكتوبر 2000 وهم 13 شهيداً) قليل بالنسبة لحجم المشاغبات التي قاموا بها. غيض من فيض سجل متراكن من التصريحات العنصرية التي يتم تجسيدها على ارض الواقع على الحواجز وفي المن والقرى وأينما يتواجد أي فلسطيني.

 هل يجيب هذا على سؤال لماذا تحصل زئيفا مزراحي على ترقية ولا يمكن محاكمة اليؤور عزاريا محاكمة تبتعد قليلا عن كونها مسرحية هزلية بائسة، مبتذلة عرقيا أيضا في صراع مزراحي- أشكنازي حول هل عزاريا ضحية النظام كونه شرقي أم إن النظام يتساهل معه أصلا لشراء الشرقيين واسترضائهم؟ ولماذا يدفن الجندي القتيل في أم الحيران على عجل وبدون فحص مخبري ولا يتم التحقيق بإعدام يعقوب أبو القيعان بل التمادي في تشويهه كداعشي؟

نحن طبعا أمام نظامين قضائيين يطبق الأول على اليهود والثاني على الفلسطينيين، أو داخل الخط الأخضر وعلى المستوطنات، وقانون للضفة وغزة والقدس، وكما يستفيد المستوطنون من خضوعهم لقانون مدني، سيخضع الفلسطينيون داخل الخط الأخضر لتمييز يصل لحد أن يكون احدهم كأنه أمام محكمة عسكرية كما هو حال فلسطينيي الأراضي المحتلة، وخصوصا بعد تمرير القانون الأخير في الكنيست لرفع مكانة المحاكم العسكرية إلى مستوى المدنية. بمعنى أن تشكل قرارات المحاكم العسكرية في قضايا معينة، نموذجا لفرض مثلها على الفلسطينيين حاملي الجنسية الإسرائيلية (فلسطينيو 48) هل هو تبادل قضائي داخلي مثلا؟

إذا، يستند المجتمع القضائي الإسرائيلي عموما إلى حالة من الازدواجية المركبة في المفاهيم والأحكام، أحدها تتعلق باليهود والأخرى بالعرب، فإذا ارتكب اليهودي مذبحة موجهة ضد العرب فالمذنب شخص فرد وينعتونه بالمختل (غولد شتاين منفذ مذبحة الحرم الإبراهيمي، ومحرق المسجد الأقصى وغيرها الكثير) أما العرب فكلهم مذنبون(تقرير القدس المقدسية 22/2/2000) تشهد على ذلك سياسات العقاب الجماعي.

وقد أجرت جامعة حيفا(سهيل قبلان. مؤسسة الشرطة والقضاء، مكيالين لشعبين. الاتحاد 16/5/1997) بحثا يتعلق بنحو 100ألف ملف قضائي ما بين 1980-1992 أظهر أن العربي يظهر في عيون القضاء أخطر من اليهودي، حيث احتمال الإدانة من قبل المحكمة 80% للعربي و 66% لليهودي، واحتمال السجن والإدانة بالتهمة ذاتها 81% للعربي و61% لليهودي ومن ناحية تعويضات حوادث العنف فان يهودي يتعرض للضرر جراء أعمال عدوانية عربية يحصل على تعويضات ومبالغ مالية وفق لوائح محددة وهذا لا ينطبق على المواطنين العرب الذين يتعرضون لأعمال يرتكبها اليهود(الاتحاد، تقرير، 6/2/1998) بمعنى هناك تفريق بين ضحية وأخرى، دم عربي ودم اليهودي، وأكبر مثال على هذه السياسة توصيات لجنة أور بخصوص أحداث أكتوبر 2000 المجمدة حتى الآن. وقد نشر في مجلة (المحامي) لسان حال مكتب نقابة المحامين في إسرائيل (هشام نفاع. دم ودم. ملحق الاتحاد 6/11/1998) أن فرص حفظ القضية ضد يهودي هي 42% وضد عربي هي 39%، واحتمال إدانة رجل يهودي ليس له ماض جنائي ويبلغ من العمر 25 عام بارتكابه الجريمة 12% أما العرب فـ 20%، واحتمال إدانة رجل يهودي له ثلاث سوابق وأدين في جريمة سابقة 22% أما العربي 38%. واحتمال الحكم بالسجن على شاب يهودي ليس له ماض جنائي وأدين في جريمة عنف 8% أما العربي فاحتمال سجنه 19%.

وتعتبر قضية سليمان العبيد (محمد ميعاري. العنصرية والمحاكم الإسرائيلية من خلال قضية جديدة، في: المشهد الإسرائيلي 25/4/2006) العربي من بئر السبع وعامل التنظيفات الفقير نموذجا صارخا على تواطؤ الجهاز القضائي مع النظام التمييزي الذي يخضع له العرب في الدولة الصهيونية، وقد فجرت القضية على يد الصحفي عمير ربابورت ورجل المخابرات السابق أرئيل لبني والخلاصة كما نشرتها معاريف في تقريرها أن هذا الشاب المتهم بقتل الشابة حانيت كيكوس منذ 20عاما (تقريبا) في بئر السبع والمحكوم عليه بالسجن المؤبد كان ضحية المؤامرة البشعة من التواطؤ العنصري بين أجهزة التحقيق الجنائي والمخابرات والقضاة، حيث أن الشرطة والمخابرات فبركتا ملف التهمة وألصقاها بالعربي سليمان العبيد وتجاهل القضاء التعذيب الذي تعرض له وكذلك الشهود الذين يؤكدون براءته إضافة إلى مذكرات الضحية نفسها، ويؤكد تقرير معاريف أن العبيد تعرض للتعذيب والإهانة عاريا من كل ملابسه وهدد بالاعتداء الجنسي على زوجته وأطفاله مما أجبره على التوقيع على أوراق الاعتراف المعد سلفاً.

وفي نموذج آخر دافع المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية مناحيم مزوز يوم 22/9/2005 (مزوز يدافع عن تقرير ماحاش. عرب 48. 22/9/2005) عن وحدة التحقيقات مع أفراد الشرطة التابعة لوزارة القضاء (ماحاش) ورفض اتهامات لها بأنها عنصرية وقد جاء هذا بعد أن أعلنت ماحاش يوم 19/9/2005 بأنها لن تقدم لوائح اتهام ضد أفراد الشرطة المتورطين في الاعتداء الإجرامي الذي أدى إلى قتل 13 عربيا في مطلع تشرين أول عام 2000 (هبة أكتوبر) بما يخالف توصيات لجنة أور.

 

ويظهر التقرير السنوي عن مركز (مساواة) عام 2004 حول (العنصرية في إسرائيل) وقوع 29 حادثة إطلاق نار على مواطنين عرب وقتلهم على أيدي قوات الأمن منذ تشرين الأول عام 2000 حتى 2004 وفي حالتين فقط تم تقديم لوائح اتهام ضد مطلقي النار، ويظهر التقرير أنه رغم مضي أربع سنوات (وقت صدور التقرير) على أحداث مظاهرة تشرين الأول –أكتوبر 2000 الشهيرة، ونصف سنة على نشر تقري لجنة أور (ساعة إعداده) فان الحكومة لم تتخذ أي إجراء ضد القتلة ولم تبدأ بتطبيق توصيات اللجنة، وحتى ساعة كتابة النص فان الحكومة الإسرائيلية لم تفعل أبدا. وقد اثبت التقرير (مساواة) أن الشرطة أظهرت قصورا واضحا أثناء التحقيق في أحداث الاعتداء الجسدي على المواطنين العرب والتي قام بها يهود مدنيون، ويعالج التقرير 17 حالة والمشتبه بهم معروفون لدى الشرطة وهم أنفسهم شاركوا في وضع عبوات ناسفة في المساجد وتحت سيارة عضو الكنيست (عصام مخول) ولم يتم اعتقال الخلية الإرهابية إلا بعد أن وضعوا عبوات لمواطنين يهود آخرين.

 على طريق (أبو غريب):فاشية الجنود (عرب 48- 23/12/2004)

لا يمكن نسيان صورة أيهود باراك بجانب جثمان الفدائية دلال المغربي بعد أن تم العبث بها يقف متباهيا ومنتصرا، على هذا النحو تماما نشرت يديعوت أحرونوت تقريرا تناول ظاهرة تقول إنها سائدة في صفوف الجيش الإسرائيلي وهي أن جنودا يلتقطون صورا تذكارية قرب جثث الفلسطينيين بعد قتلهم أو بعد قيامهم بالعمليات الاستشهادية، ويذكر التقرير أن الصور أصبحت جزءا إلزاميا من ألبوم صور الجنود في الوحدات القتالية فقد «خلد جنود وحدة ناحل للجنود اليهود المتدينين (الحريديم) تنكيلهم بجثة إرهابي، وهكذا أصبح (خافي) (مصطلح يطلقه الجنود الصهاينة على الفلسطيني (البريء) الذي لا ينتمي لرجال المقاومة) بعد أن أطلق الجنود النار عليه وفق الأوامر العسكرية، أصبح تعويذة في فرقة مدرعات في غزة، وقد روى الضابط الإسرائيلي (ي) وهو قائد فرقة عسكرية تابعة لوحدة (ناحل حريدي) انه بعد أن فجر فلسطيني نفسه عند حاجز (حمرة) في غور الأردن حدثه جنوده عن قيامهم بالتنكيل بجثة الفلسطيني، وأضاف أن أصدقاء (ي) أخبروه والسعادة تغمرهم كيف لعبوا بالجثة مثل الليغو، وعندها تم إخراج الكاميرات. وضابط آخر (ج) برتبة عسكرية منخفضة «طلب تصويره إلى جانب الرأس المقطوع وتم وضع الرأس على عامود مثل فزاعة ثم وضع أحدهم سيجارة في فمه» و «تم عرض الصور للبيع بشكل رمزي شاقلان لكل صورة». فالشرطة التي يفترض أنها جهاز مدني تتعامل مع المواطنين الفلسطينيين كأعداء يمكن التعامل معهم فقط من خلال استعمال العنف المفرط.

لقد جاءت الاعترافات حول هذه المسألة حتى من القضاء الإسرائيلي، فاثر أحداث أكتوبر عام 2000 أكد رئيس لجنة التحقيق القاضي أور«على الشرطة أن تدرك أن الوسط العربي في إسرائيل ليس عدوا ولا يجب التعامل معه بهذا الشكل»

ولكن جهاز الشرطة لم يتغير أبدا وبقي على حاله لأن هذا وضع بنيوي بالنسبة له، في قرية البعنة وفي إطار تنفيذ أوامر هدم في 15 شباط 2004، سمحت الشرطة لنفسها بإعلان جزء من القرية (منطقة محظورة) مما أعطى ضباطها التبرير لاستعمال العنف والقسوة ضد كل من تواجد في هذه المنطقة بغض النظر عن أي اعتبار لسبب وجوده هناك.

وقد حاصرت الشرطة حضانة للأطفال وأطلقت قنابل الغاز حولها مما عرض الأطفال للهلع الشديد ومشاكل التنفس وحين حاولت فاطمة صالح بكري مديرة الحضانة التحدث مع الشرطة لإخبارهم أن الأطفال قد اختنقوا في الداخل كان جواب أحدهم «دعهم يختنقون»وعندما استمرت محاولتها لإقناعهم صوب شرطي بندقية إلى وجهها مباشرة وقال «يا مخربون، سوف نهدم لكم كل بيوتكم».

إن طبيعة العملية وإعلان (المنطقة المحظورة) يشير بوضوح إلى تخطيط محكم ومسبق ومرتبط بأعلى المستويات القيادية والتصرف العدائي من قبل الشرطة لم يكن تصرفا فرديا أو محض صدفة بل نتيجة لسياسة مؤسسية واضحة.

وعلى غرار أم الحيران مؤخرا اتضح انه قبل تنفيذ الهدم وأثناءه وبعده استعملت الشرطة بدون أن تتعرض لأي خطر يذكر العنف الجسدي المفرط تجاه الناس الذين تواجدوا في المنطقة المحظورة.

إن إغلاق ملفات الشكاوى (عرب 48 في 14/5/2006) من قبل الهيئات العليا، يعطي رجال الشرطة الشرعية لاستعمال العنف ضد المواطنين العرب ويجذر عميقا النظرة العنصرية تجاه الأقلية العربية الفلسطينية.

ولدى مناقشة موضوع عنف الشرطة في لجنة الداخلية البرلمانية في الكنيست في جلسة 8/9/2004 تقدمت النائبة في قسم التحقيق مع أفراد الشرطة من وزارة القضاء هيلة برون-أولمن (هآرتس 9/9/2004) معطيات تقول انه خلال عام 2003 قدمت 6 آلاف شكوى ضد رجال الشرطة حول قضايا تتعلق بالعنف تم التحقيق بـ 1531 شكوى منها، ومن بين هذه التي تم التحقيق فيها قدمت لوائح اتهام جنائية ضد 58 شرطيا فقط وقدم 119 شرطيا لمحاكمة تأديبية.

ولمزيد من الإحصاءات ذكر تقرير صدر مؤخرا لمنظمة (يش دين) (كانون أول 2016) "إنه في العام قبل الماضي 2015، وصلت إلى شرطة التحقيقات العسكرية سبعة بلاغات فقط، من قِبَل وحدات عسكرية يشتبه بضلوع جنود فيها بمخالفات بحق فلسطينيين (من أصل 187 بلاغًا). وفي العام 2014، وصل 15 بلاغا إلى شرطة التحقيقات العسكرية من الوحدات العسكرية التي يشتبه بضلوع جنود فيها بمخالفات. وهناك قوانين وأوامر وتعليمات في الجيش تلزمه بإبلاغ شرطة التحقيقات العسكرية بالحالات التي يشتبه بأنه تم خرق تعليمات القانون الدولي خلالها. وتشمل هذه الحالات أيضا مخالفات نهب وتنكيل وإطلاق للنار بشكل مخالف للقانون. وتدل النسبة المنخفضة من الحوادث التي قام جنود وضباط بإبلاغ شرطة التحقيقات العسكرية بها، على عدم تطبيق الأوامر والتعليمات المتعلّقة بواجب الإبلاغ الملقى على الجيش"

وتقول صحيفة هآرتس ( 6 كانون الثاني 2017) إنه منذ تشرين الأول 2015 وحتى الآن، "فتح الجيش الإسرائيلي ملفات تحقيق في أكثر من 20 حالة إطلاق نار على الفلسطينيين. وفي إطار هذه التحقيقات تم جبي شهادات من الجنود، وجمع أفلام ومواد توثيق أخرى، وفي بضع حالات أيضا توجه الجيش إلى منظمات حقوق الإنسان، بما فيها بتسيلم كي يسلط الضوء على الحدث. ولم يصل أي من هذه الملفات إلى لائحة اتهام حتى اليوم، باستثناء عزاريا. ولم يعتقل في أي من التحقيقات أي جندي مشبوه ولم تلتقط له الصور وهو يقتاد بالقيود إلى المحكمة".

وقالت منظمة بتسيلم إنه منذ "اندلاع الانتفاضة الثانية في أواخر العام 2000، توجهت إلى النيابة العسكرية للمطالبة بالتحقيق في 739 حالة قُتل فيها فلسطينيّون أو أصيبوا أو تعرضوا للضرب من قبل الجنود أو تضررت ممتلكاتهم أو استخدمهم الجنود كدروع بشرية. وتحليل الإجابات التي حصلت عليها المنظمة  بشأن معالجة جهاز تطبيق القانون العسكري في 739 حالة يبيّن أنّه في ربع الحالات (182 حالة) لم يجر تحقيق على الإطلاق، وفي ما يقارب نصف الحالات (343 حالة) تم إغلاق ملف التحقيق دون نتيجة، وفقط في حالات نادرة (25 حالة) تم تقديم لوائح اتهام ضدّ الجنود المتورطين. وتم نقل 13 ملفًا إضافيًا للمحاكم التأديبية كما تتواجد 132 حالة في مراحل مختلفة من المعالجة، 44 حالة أخرى لم تتمكن النيابة العسكرية من تتبع وضعها".

وننقل أيضا عن تقرير بتسيلم "ورقة التوت التي تغطي عورة الاحتلال: جهاز تطبيق القانون العسكري كمنظومة لطمس الحقائق": " يصاب المرء في بعض الأحيان بالدهشة جراء اللامبالاة التي تظهرها سلطات التحقيق، فعلى سبيل المثال، يظهر تقريرنا أن الحالات التي يفقد فيها الجيش الملفات أكثر بكثير من الحالات التي يقوم بتوجيه التهم فيها. لقد قمنا منذ عام 2000 برفع 739 قضية عن حوادث قام فيها جنود إسرائيليون بقتل أو الإساءة أو ضرب الفلسطينيين أو استخدامهم كدروع بشرية أو إلحاق الضرر بممتلكاتهم. وتظهر التحليلات أنه تم تصنيف 44 قضية على أنها “ملفات مفقودة”. ولم تقم المحكمة بالنظر إلا في 25 قضية أي ما نسبته ثلاثة بالمئة، في حين لم يتم التحقيق أبداً في 182 قضية، كما أغلقت التحقيقات في 343 قضية، أي النصف، ولم يتم اتخاذ أي إجراء آخر."

وننقل أيضا عن حجاي إلعاد مدير بتسيلم  "التحقيقات التي تجريها السلطات العسكرية تبدو ظاهرياً وكأنها تتمتع بكل خصائص الجهاز القضائي الفعال ولكنها بمثابة تمثيلية هزلية".

فاشية ببساطة:

تمنح الفاشية في خطابها المجردات دلالات عائمة تقوم باستثمارها حتى حدودها القصوى في عملية إخضاع للواقع واتجاهاته وهنا تكمن مفارقة تحدثنا عنها سابقا، إذ أن اللعب مع الواقع يتم بأدوات لا واقعية ولا عقلانية فيحيلها إلى المقدس، الكلي، البعدي، العلوي، فهذا المجرد لا يتم تعريفه ومفهمته ولا يتخذ شكلا قانونيا أو مؤسساتيا، ولكنه يسوغ فعل النظام في إطار استخدام آليات الإقصاء – الإدماج حسبما تقتضي الضرورة للسيطرة على الفرد والمجتمع (د. شلومو سبيرسكي. وايتي كونور-اتياس. صورة عن الوضع الاجتماعي2001. مركز أدفا 2002) فيمنع أي عربي من التملك أو شراء أرض في القدس الغربية أو أحيائها الاستيطانية تحت شعار أن الطوائف المختلفة سكنت منذ القدم في أماكنها الخاصة، ولكن السلطات نفسها لا تمنع اليهود من التغلغل الاستيطاني اللا قانوني في الأحياء العربية، وهذه الحجج نفسها تستخدم لمنع أي عربي من تملك بيت في الكيبوتسات أو مناطق التوسع بحجة الحفاظ على التناسق الثقافي لهذا الشعب وهذا البلد.

سلوك ازدواجية القوانين مألوف في النظم الفاشية، فقد دأب النازيون بدقة متناهية على جعل السلطة ضائعة بين ظاهرية وفعلية، بل هي متنكرة لبرامجها بالذات.

كما أن النشاط الاستيطاني الصهيوني الحكومي لدولة إسرائيل ودوائر الاستيطان وبالضد من منع البناء العربي، يعكس الخطاب الاقتصادي الإثني القائم في صلب الأيدلوجيا الصهيونية وعلى مختلف تأويلاتها المختلفة بحيث تحولت الصهيونية إلى معيار أولي بديهي يتم النظر إلى العالم والى الديناميكيات التي تحصل من خلاله، لعل تدمير القوانين باعتباره سمة أساسية للفاشية مرتبط بشكل ما بشهية الفاشية اللانهائية للتوسع. فعندما يخلق بلد ما حدودا يوسعها باستمرار منتهكا أحكام القانون الدولي، وعندما تكون الغاية هي دولة إسرائيل، تبرر دائما الوسائل، إذن يجب أن لا نندهش عندما يكون احترام إسرائيل لقوانينها الخاصة ينتهي دائما لأن يكون أمرا صعب المنال بشكل مرعب (ميخائيل وارشوفسكي. ديمقراطية إسرائيل. في: رؤية أخرى العدد 36/37 ربيع وصيف 2005 (بيت لحم-القدس: مركز المعلومات البديلة ).

ترتبط ازدواجية القانون بين مأسسته واعتباطه بمسارين، يستخدم أحدها لتسهيل أمور الفاشية وسيطرتها، كما ذكرنا في حالة تغيير قوانين أساس لإتاحة الفرصة لبعض الجنرالات للترشح للكنيست (موفاز مثلا) وكذلك في تغيير جدول الأعمال القومي وتضليل الجماهير وفق الحاجة،

وفي مثال على المسار الثاني (اضطهاد العرب) شهدت المحامية منى رشماوي من مؤسسة (الحق) في رام الله أنها حين تذهب إلى المحكمة فإنها لا تدري فيما إذا كان النائب العام الإسرائيلي سوف يقاضي موكلها بموجب قانون طوارئ الانتداب البريطاني أو القانون الأردني أو الإسرائيلي وحتى العثماني، ويعلق نعوم تشومسكي (نعوم تشومسكي. ضبط الرعاع. ص131) « أو بموجب قوانينهم، ليس هناك قانون في الأراضي المحتلة هناك فقط سلطة محضة».

وبعد تحقيق من منظمة العفو الدولية (أمنستي) حول التعذيب في إسرائيل (تشومسكي) تبين أن أحد القضاة في المحكمة العليا كان في لندن وأجريت معه مقابلة وقد سألوه إذا كان باستطاعته أن يفسر النسبة العالية جدا من اعترافات العرب فقال في إجابة بعيدة تماما عما يمكن أن يدلي به قاض في نظام ديمقراطي حق «انه جزء من طبيعتهم أن يعترفوا»ذلك هو الجهاز القانوني الإسرائيلي.

من جهة وبعد تمثلها للتفكير المزدوج، فان الفاشية إذ تفتك بالفكر فإنها لا تبقي إلا الهراء، والعبارة الفاشية تبدو في ظاهر الأمر وكأنها تعني أشياء كبيرة غير أنها في الحقيقة لا تعني شيئاً، أو تعني فقط النوايا المضمرة للفاشية.

وهكذا فكما تتبين الفشستة بالانزياح إلى اليمين في إسرائيل، تتبين أيضا بتضييق الخناق على الصحافة حول حرية التعبير والتفكير لصالح «صوت الإجماع»في التحكم بالإعلام وتوجيه مساراته لخدمة أغراضها الخالصة، وزج الجماهير في إطار معرفي قاصر لا منهجي وعديم النفع، وقد بين على سبيل المثال تقرير لمركز كيشف (مركز حماية الديمقراطية في إسرائيل) بعنوان (بيع بالتصفية) (ياسر العقبي. في: عرب 48(11/3/2007) أن الإعلام ينطق بلسان الجيش الإسرائيلي ويقول المركز «إن الإعلام يعطي اهتماماً قليلا للأحداث التي يتم خلالها قتل فلسطينيين بنيران قوات الأمن الإسرائيلية، غالبيتها لا يتم نشرها بتاتا» و «تصريحات الناطق بلسان الجيش هي القاعدة الأساسية لغالبية التقارير ولا يتم انتقاد التصفيات إلا نادرا» وفي 75% من التقارير الصحفية عن أحداث يقتل فيها فلسطينيون، فان المصدر الوحيد الذي ينقل ما يحدث هو مصدر عسكري أمني والذي يتم أخذه وكأنه حقيقة واقعة دون مواجهة هذه البيانات مع بيانات لمصادر فلسطينية أو إسرائيلية أخرى أو مستقلة.

العنف:

يتأسس العنف كعامل عضوي في بنية النظام الفاشي، و الفاشية في صراعها ضد القوى الأخرى لا تهدف إلى تحقيق (مجرد) النصر، وإنما إلى تدمير الخصم وإنهاء وجوده، من هنا تنطبع الفاشية بالعنف القياسي المدمر، الذي يعني في حالة الفرد قتل الخصم ولكنه في حالة المجموع يعني الإبادة الجماعية، هذه الإبادة قد تعني الإفناء الكامل الجسدي أو الإبادة المعنوية.

في النظام الفاشي رغم أن العنف جزء من بنية إلا أنه يتمظهر منفلتا من كل عقال، وهكذا بناء على تحليل أرندت (حنة آرندت. في العنف) فان «العنف مهما كانت درجة الرقابة التي يخضع لها فانه يتمتع بدرجة معينة من الانفلات عن رقابة وسيطرة من يمارسونه، والواقع أن رقابة كلية مستحيلة» حتى انه يفاجئ هؤلاء الذين يخططون له ويديرونه ويمارسونه، مما يدفعهم لمحاولة يائسة لضبطه، عبر أطر قانونية غاية في الإحكام، ولكنها خاوية مضموناً وتفتقر كليا إلى ضمير العدالة فيحول تحقيقاتها ومحاكماتها إلى مهزلة كما هو وضع المحاكمات الإسرائيلية الشكلية للقتلة ومرتكبي المجازر من مستوطنين وجنود وضباط هذه المحاكمات تنتهي عادة إلى استخلاص يكاد يكون واضحا في جميع الحالات مفاده أن مرتكبي المجازر إما مجانين أو يعانون من اضطرابات نفسية، ما لم تقله هذه الاستخلاصات هو لماذا ينصب جنون هؤلاء ولا تتفجر نوباتهم الهستيرية إلا ضد المواطنين الفلسطينيين؟ لأن قتل الفلسطينيين ببساطة هو جزء من الأيدلوجية التي تحكم مواطني الدولة الصهيونية بما فيهم المجانين، الذين يعرفون تماما أن «العربي الجيد هو العربي الميت».

يقول سارتر في المقدمة التي كتبها لفرانز فانون (فرانس فانون.معذبو الأرض. 1990) «أن قتل أوربي عمل هو عبارة عن إصابة عصفورين بحجر واحد، حيث أن الأمر يسفر عن إزاحة مضطهد (بكسر الهاء) ومضطهد (بفتحها) في الوقت عينه حيث يتبقى لدينا رجل حر ومستعمر ميت» في الحقيقة نستطيع صياغة الكلمات السابقة بلغة أقرب ففي الأيدلوجيا الصهيونية «قتل عربي عمل هو عبارة عن إصابة عصفورين بحجر واحد، إزالة (غوييم) وتكريس صهيوني حق، فما يتبقى لدينا هو (غوييم ) ميت وصهيوني حر».

فالفاشية عبر العنف المطلق الذي تنتجه تخلق نموذجا جديدا من القتلة، راشدون لا سبيل إلى دحض ذريعتهم الفلسفية التي تستخدم لكل شيء حتى لتحويل القتلة إلى قضاة (ألبير كامو. الإنسان المتمرد ص7)، لا شك أن خليط العدوانية القومية واتخاذ دور الضحية في نفس الوقت ينتج مستوى من العنف داخل المجتمع الإسرائيلي من الصعب قياسه من الخارج، ولكن يكفي الاستماع إلى ما يذاع من جلسات الكنيست لتعرف ذلك، أحد أعضاء الكنيست صرح أن زملاؤه العرب سوف يقفون أمام فرقة تنفيذ الإعدام رميا بالرصاص (وارشوفسكي) أمام تصريحات من هذا النوع لممثلي الجمهور، يصبح عاديا جدا أن يطلق الجنود النار على الشبان العرب المتظاهرين ويقومون بقتلهم ببرود وبطلقة في الرأس كما حصل في أكتوبر 2000، وكما تمارس يوميا عصابات كلاينر ومارزال الفاشية، فالمواطنون المعتادون يتعقبون خطى قادتهم.

يتبدى عنف الصهيونية ممأسسا بشكل كبير ولعل التجلي الأبرز له هو في عنف الجيش وعنف الشرطة وإذا كان عنف الجيش ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 صار معروفا جدا فان عنف الشرطة داخل إسرائيل يقدم وثيقة لا يمكن دحضها عن الفاشية في وجهها البوليسي القبيح.

وتعول المؤسسة الحاكمة على جهاز الشرطة الإسرائيلية بشكل كبير في قمع وضبط واستمرارية الرعب في الأقلية العربية داخل إسرائيل، وليس غريبا أن المجلس الإسرائيلي للأمن القومي أوصى بتغيير قانون الخدمة الأمنية بحيث يتم الاعتراف رسميا بالشرطة كجسم يعمل في المجال الأمني وليس فقط في مهمات الشرطة الكلاسيكية مما يعني أن الشباب في جيل الخدمة العسكرية بامكانهم التجند للشرطة والعمل في مختلف الوظائف فيها.وتظهر هذه التوصية في الوثيقة التي يعدها مجلس الأمن القومي بالتعاون مع شعبة التخطيط في الجيش والشرطة (توصية بالتجند الإلزامي للشرطة. عرب 48- 28/9/2005).

بدون أدنى شك إن نقل الشرطة من مجال الخدمة المدنية للمجتمع إلى مجال العسكرة يمثل خطوة أساسية في الانتقال إلى نظام القمع العسكري الصارم، يعزز هذا المهمات المنوطة بهذا الجهاز وهي مشاركة الجيش في مهمات أمنية جارية، ومكافحة الإرهاب وإحباط عمليات.

أخيرا فإن الحالة الصهيونية، تتبدى الفاشية في صورتها الكئيبة المتوحشة المعتادة، ليس عبر ممارسات الأمن والجيش، بل عبر ما تعبر عنه هذه الممارسات، الخلفية الأيدلوجية الموقفية من الآخر الذي يشكل تهديدا بمجرد كونه على قيد الحياة، يريدوننا ببساطة كأننا لم نوجد، ليس فقط كأموات بل كمنتمين للعدم، يقول كتاب صلواتهم "اللهم امح ذكرهم". ويبدو السبيل الوحيد لمناهضة هذه القباحة هو توحيد جهود مكافحتها وتوحيد الموقف منها، وإدراك إن عدوا واحدا يتطلب نضالا واحدا، وحشد جهود وطاقات كل الشعب الفلسطيني في المواجهة من أجل مستقبل لا يمحى فيه ذكرنا ولا نكون فيه عبيدا.