Menu

ملاحظات حول اغتيال فقهاء

321-987-987-987

طلال أبو شاويش

حالة من الحزن و الإحساس العميق بالمهانة تنتاب الجميع منذ ارتكاب جريمة الاغتيال الأخيرة في غزة.

تصفحت عشرات و ربما مئات التحليلات و القراءات و الخواطر والتعليقات حول ما حدث.. طبعاً هناك من دفعته انفعالاته الغاضبة للمطالبة بقلب الطاولة و خلط الأوراق و ضرورة الرد بالصواريخ و ليكن ما يكون (فأكثر من قرد ما سخط الله)!

لكني لاحظت الكثير ممن أدلوا بدلوهم في هذه القضية المعقدة ممن نادوا بالحكمة و بالتعقل و توظيف العقل البارد في الرد على الجريمة/الفضيحة و عدم الانجرار إلى الهوة/الشرك.. التي تسعى حكومة الاحتلال إلى إيقاعنا فيها: الحرب حسب التوقيت الصيفي السياسي الانتخابي "الإسرائيلي"!

طبعا لا يوجد في غزة المكلومة من يسعى وراء الحرب بعد أن اتخمتنا الانتصارات و أهلكتنا مشاريع إعادة الإعمار ال قطر ية والتركية والمصرية والاوروبية والأمريكية.. وتشوه هامش كبير من وجداننا و ذاكرتنا.. لكننا في نفس اللحظة نتفهم - مقتنعين أو مرغمين - الضرورة الوطنية لاستمرار خطاب المقاومة والصمود والاستعداد الدائم للمواجهة مهما كلف الأمر.. فرغم التراجع المخيف لزخم قضيتنا الوطنية على مختلف الاصعدة لأسباب عديدة يتسيدها الانقسام القاتل و تداعياته إلا أن رفع الراية البيضاء محظور على الاطلاق و أيضا نحن لم نعد نملك أوراقا كثيرة بعد تنازل القيادة المتنفذة عن كل ما يمكن التنازل عنه دون أن تدفع اسرائيل الاستحقاقات المنوطة بها لا عبر المفاوضات العبثية ولا تحت نيران صواريخ المقاومة.

و في سياق ما جرى أخيراً و ما أشعرنا جميعا بالحسرة والمرارة و رغم استمرار التحقيقات المكثفة لفك شيفرة الجريمة وحال رموزها أود تسجيل الملاحظات التالية:

أولاً: و قبل أي شيء آخر التأكيد على البديهية القائلة بأن "اسرائيل" هي صاحبة المصلحة الأولى في عملية الاغتيال مهما كانت نتائج التحقيقات و مهما حملت من تفاصيل مفاجئة أو غير مفاجئة.

ثانياً: لا أرى فرقاً في التقصير الحاصل من قبل اجهزة الأمن الفلسطينية في مختلف جرائم الاغتيال الأخيرة.. فتقصير أمن السفارة الفلسطينية في بلغاريا لدى اغتيال النايف لا يختلف عن تقصير اجهزة أمن الضفة عند اغتيال الأعرج كما لا يختلف عن تقصير أجهزة أمن غزة لدى اغتيال فقهاء.

فما جرى يؤكد أن المعنيون لا زالوا يتعاملوا مع (علم الحروب الأمنية) كحقل للشطارة و الفهلوة والفطرة والاستعراض.. ولا تظهر الاحترافية والحزم لديهم إلا إذا كان الأمر متعلقاً بصراع داخلي!

ثالثاً: صحيح أنه يجب العمل على مدار اللحظة وتوظيف كل الامكانيات المتاحة لكشف الستار عن ملابسات الجريمة الاخيرة و تقديم كل من تورط فيها للعدالة و لكن البطولة لا تكمن هنا...البطولة الحقيقية هي امتلاك المسئولين للجرأة الكافية لمحاسبة كل من قصر في موقعه كمسئول...فمن غير المفهوم أن يغيب أي نظام للحماية عن أسرى محررين لهم تاريخ معروف في المقاومة العسكرية و تحرروا رغم انف "اسرائيل" و ظلت "اسرائيل" تعبر عن نيتها لملاحقتهم و استكمال تصفية الحساب معهم.. كيف يعيش هؤلاء المحررين المستهدفين حياتهم بصورة اعتيادية و بدون أية احتياطات أمنية ؟!

رابعا: لا يمكن تنفيذ هذا النمط الكلاسيكي من الاغتيالات دون توظيف لشبكات العملاء المحليين...فهي جريمة التكنلوجيا والعنصر البشري معاً.. فكيف تمكن هؤلاء العملاء المحليين من رصد و مراقبة مناضلين على هذا المستوى من الأهمية والخطورة؟!

و أي جرأة و أي واقع مكنهم من المتابعة و الرصد و جمع المعلومات في وقت تحكم حركة حماس قبضتها على كل شيء في غزة ؟!

و للإجابة على هذه التساؤلات يجب عدم استبعاد أي من الاحتمالات مهما بدا ضعيفا فالعمل الأمني الاحترافي لا يقر بالمنطق الظاهر فقط و تجربتنا الطويلة مع الاحتلال قدمت دروسا كثيرة سكنت فيها الحقيقة في اللامنطق و المستبعد !

خامسا : ما جرى ياتي في سياق حرب العقول بين المقاومة و الاحتلال و يجب ان لا تخرج حركة حماس ردة الفعل عن سياق هذه الحرب باستغلال الحدث لفرض المزيد من التضييقات على أهالي القطاع و مصادرة المزيد من حقوقهم...اعملوا بهمة و نشاط بعيدا عن حياة الناس الاعتيادية...بعيدا عن حرياتهم الشخصية ...بعيدا عن المس بكرامة أحد...فحيوية الأمن في الحرب الاستخبارية الخفية و جدواه لا تعني رفع مستوى الاستنفار العلني في الشوارع و استمراره...بل هو الصمت المدروس في العلن و احداث الضجيج الهائل في الخفاء...فهناك تجري المعارك الحقيقية بعيدا عن أعين البسطاء !

و أخيرا لا مناص من التعريج على السياسة...فأوجع الردود على جرائم الاحتلال و انجع السبل لافشال مخططاته هي تحقيق وحدة الشعب...نعم فالجماهير الموحدة هي أول و اهم و أحصن جدار أمني يحمي المقاومة و يربك مشاريع الاحتلال العدوانية...و بالمقابل فليس هناك تربة اكثر خصوبة من شعب مهلهل مشرذم ليعبث الاحتلال بمقدراته و منجزاته و مناضيله...دماء الشهداء مستمرة في النزيف ...فهل هناك لحظات تاريخية أعظم من رحيل الكبار الاقدس منا جميعا لتطووا هذه الصفحة السوداء و تعيدوا ا عجلات القضية الوطنية إلى مساراتها الطبيعية ؟!