Menu

عن القدس

القدس المحتلة

بقلم / عرفات الحاج

الحكومات الصهيونية المتعاقبة في العقد الاخير تتخذ موقف اقرب للبرجماتية السياسية في ملف مدينة القدس ، فمن جهة تتمسك ب"سيادتها الكاملة" على مدينة القدس ورفض "تقسيمها"، ومن جهة اخرى تبدي استعدادية عالية لمقايضة الصلاة في المسجد الاقصى مقابل الاعتراف بسيادتها المزعومة، هذا المنحى شكل نافذة للتطبيع العربي والاسلامي مع الكيان الصهيوني، وبوابة للتقارب بين السلطة الفلسطينية والكيان فيما يتعلق بوضع المقدسات الاسلامية والمسيحية في المدينة، بحيث باتت السلطة الداعي الأكثر الحاح لزيارة المسجد الأقصى وكسر قيود مقاطعة الكيان الصهيوني، واجمالا في هذه النقطة يمكن التلخيص بالقول ان كل من النظم المذكورة والسلطة والكيان الصهيوني تقاربت مع الموقف الصهيوني الذي ينظر ويدعو لابقاء القدس تحت سيادتها مع منح حقوق دينية لجهات اسلامية رسمية على المسجد الاقصى وربما التوسع لمنح السلطة دور رمزي مشابه بهذا الاتجاه، ونتوسع هنا بالقول ان هذا الدور بات محل تنافس بين السلطة وعدد من النظم العربية والاسلامية ( الاردن . تركيا. السعودية التي قد تكون هذه احد مكتسباتها في حال اعلان تطبيع علاقاتها مع الكيان). 

وبموازاة الرؤية الرسمية الصهيونية التي تدعمها النخب السياسية ومحافل الأمن في الكيان، واصلت جمعيات وشخصيات صهيونية مساعيها لحث مشاريع للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى بما يعطي للصهاينة اليهود اماكن وازمنة مخصصة لهم داخل المسجد الاقصى، وهو ما يحظي بنوع من القبول والدعم الحكومي من حيث المبدأ مع ميل لابطاء اي خطوات كبرى بهذا الاتجاه لمنع تأثيره السلبي على الاطار السياسي لتحركها. 

وفي مقابل العمل الصهيوني الكثيف لحسم مسألة السيادة على المدينة، والسعي للاستفادة من قضية المقدسات في القدس لحسم الصراع الكلي مع الفلسطينيين، بقيت الرؤى الفلسطينية حتى اكثرها رديكالية، تتعامل مع الشق المتعلق بالمخاوف من تهويد المقدسات بوصفه التهديد الرئيسي، وبمعزل عن المشهد الكلي للصراع، وباعتبارات غاية في الضيق تضع التواجد الآني في المسجد الأقصى في مكانة اعلى من امكانيات الاستفادة الصهيونية من هذا التواجد الاسلامو/فلسطيني المستسلم في اغلبه للشرط الاستعماري الصهيوني، وبما يسمح باختزال الصراع بكونه جزء من الجدل حول التزام الكيان الصهيوني بحقوق العبادة وحرية الوصول للاماكن المقدسة. 

بموجب هذا السياق تصبح عملية الفدائيين الثلاثة محمد جبارين، مغامرة غير مأمونة العواقب، و تهدد بزيادة التضييق الصهيوني على الوصول للمسجد الاقصى والصلاة فيه، وفي السياق الحقيقي للصراع تصبح هذه العملية تظهير لحقيقة الصراع على القدس بوصفها جزء من فلسطين المحتلة، وتحدي للشرط الصهيوني الذي يحصر دخول القدس والمسجد بالموافقة الصهيونية والاعتراف المعلن او الضمني بالسيادة الصهيونية على المدينة، بل وتشكل العملية فرصة حقيقية اذا احسن الفاعل الفلسطيني الاستثمار فيها لتعطيل او ابطاء موجات التطبيع العربي والاسلامي مع الكيان الصهيوني، وربما الاهم انها تضع خارطة جديدة لمسار الوصول للمسجد الاقصى عبر خيار المواجهة الفردية والجماعية ، ان اسوء ما قد يحدث للكيان الصهيوني هو استعادة الاقصى لدوره كعنوان للاشتباك حول قضية فلسطين ومصيرها ككل بدلا من اختزالها بحق الصلاة، وان المشهد الطبيعي لمدينة بمكانة القدس تقع تحت الاحتلال يتجسد في اضطرار المحتل لاستخدام القوة والاشتباك للبقاء ليوم آخر في المدينة ودفع كل الاستحقاقات المترتبة على ذلك بدلا عن الحفاظ على هذا الاحتلال بابتزاز مخاوفنا بخصوص الصلاة في المسجد الاقصى، وهنا قد يفيد ان نذكر بأن الموروث الديني والتاريخي الاسلامي حافل بالشواهد الواضحة التي تؤكد أولية تحرير الارض والانسان او ادامة الصراع لأجل ذلك على التذرع بالصلاة كأنها حاجة بيولوجية معزولة عن اي سياق او منطلقات قيمية بما يجعلها عنوان للاستسلام لغزاة طغاة . 

لقد احسن الشهداء لفلسطين ومقدساتها، وقضيتها وشعبها باعادة التذكير بأن ام الفحم هي جزء من هذا الصراع يخرج المقاتلين كرفح، وأن هناك ما يستحق القتال لأجله وهو ما يتجاوز فتات تسهيلات معيشية او عبادية يقدمها الكيان الصهيوني كجزء من ادوات ضبطنا واستعبادنا.

على الهامش يعني لي الكثير التذكير بأن هذه ليست المرة الأولى التي يغلق فيها المسجد الأقصى ، فلقد اغلقه الاحتلال اعقاب محاولة الشهيد معتز حجازي اغتيال ايهودا جيلك ، منذ عامين تقريبا، وكان احد العشرة الذين صلوا الفجر في تلك الليلة التي اغلق وحوصر فيها المسجد الاقصى هو الشهيد ابراهيم عكاري منفذ احد العمليات البطولية بعد ايام على الاغلاق المذكور.