أنتج الانقسام الفلسطيني سلطتين متنافرتين في قطاع غزة والضفة الغربية، واقتسام غريب لسلطة لا تملك من أمر ذاتها شيء في ظل الاحتلال والحصار الذي يحيل معالم هذه السلطة إلى وهم محض، وهذا أمر معروف لكل فلسطيني أو متابع للقضية الفلسطينية.
مساوئ الانقسام وثماره الخبيثة لم تعد تقتصر على هذا، فبغطاء الانقسام والصراع بين معسكريه تحدث قفزات هائلة – نحو الهاوية طبعاً- في التعامل مع الحريات الشخصية أو الحقوق الوطنية، أي أن الضرر يقع على قضية فلسطين ومستقبل شعبها، وكذلك على حقوق الناس بمعناها اليومي والمعيشي البسيط، بما في ذلك حق هؤلاء الناس في التعبير عن ابسط ما يواجههم من مشكلات يصل بعضها لحد كارثي.
تصريحات الوزير السابق اشرف العجرمي بالأمس تشكل مثال على التهاوي في السقف الوطني، والحكم القضائي الغريب بحق الزميلة هاجر حرب يشكل مثال موازي للهجوم على حرية التعبير، المطلوب يبدو في ظل الانقسام أن يعيش شعب فلسطين بلا أمل في مستقبل وطني، وبلا حقوق للتعبير عن الآراء في المجال العام، وكذلك بلا حقوق فردية، ودون اكتراث بالمتطلبات المعيشية للأفراد والشرائح المختلفة.
هذا الهجوم على حقوق الفلسطينيين لا يمكن أن يخدم الا من يريد قهر إرادة هذا الشعب وتوطينه على الاذلال والصمت والإذعان، وكل ذلك في مرحلة نحن بأحوج ما نكون فيها لتعبئة شعبنا وحشد طاقاته لمواجهة العدو الصهيوني.
هناك من يود إيصال رسالة لجماهير شعبنا مفادها أن طريق النضال مغلق بصخرة التنازلات الرسمية من المستوى القيادي الفلسطيني، وطريق الحياة الكريمة مغلق، وطريق المصالحة مغلق، والحصار محكم، في إيصال هذه الرسالة وبقصد او دون قصد تتعاون الأطراف الفلسطينية المنقسمة على ذاتها، وتسهم في كسر إرادة الأمل لدى جماهير شعبنا.
لا نضيف كثيراً أيضاً حين نقول أن صبر هذا الشعب على هذه الظروف لن يطول، وستكون مآلات ذلك وخيمة على الجميع، لأن لا أحد سيتحكم آنذاك في اتجاه او شكل ما سيحدث، لذلك ولمصلحة الجميع وفي المقدمة منهم أصحاب السلطة والقدرة والسيطرة في هذا المجتمع والمشهد السياسي، أن يسارعوا لفتح طاقة من الأمل أمام هذه الجماهير، فليس دون ذلك إلا الهلاك، هلاك لنا جميعاً.
العناصر الملزمة بضرورة المصالحة والإنهاء العاجل للانقسام حاضرة، وكذلك العناصر المعطلة لهذه المصالحة، والعقبة الأساسية في وجه إنجاز هذا الملف وفي هذه الصفحة الكارثية من تاريخ شعبنا هي ذاتية، عقبة غياب إرادة المصالحة، وإرادة حشد الطاقات للمواجهة مع العدو الصهيوني.
معركة شعبنا مع هذا المحتل قائمة، وستبقى كذلك، وسينتصر فيها ذات يوم قد يكون قريب، ولكن العاقبة ستكون على من تأخر على اللحاق بركب الجماهير وبإرادتها الحرة التي تنشد الحرية والاستقلال، وستخلق كل أدوات النضال لشق هذا الطريق والسير فيه حتى نهايته.