من حق الشعوب تقرير مصيرها، بل ومن حق هذه الشعوب وقواها الحية القتال لأجل تقرير مصيرها إن تعذر تحقيق ذلك بالطرق السلمية، هذه بديهية يؤمن بها كل حر وتقدمي ومؤمن بنضالات الشعوب وحقوقها حول العالم، وفي فلسطين وعالمنا العربي واجهنا الأمرين من التعنت الاستعماري الذي سعى ويسعى لحرماننا من هذا الحق.
ولكن تناول ما يحدث في شمال العراق "كردستان العراق" هو تجاوز واعتداء محض، تمارسه مجموعة مسلحة تعاونت مع الحصار والاحتلال الأمريكي لفصل جزء من البلاد يسكن بعضه أبناء القومية الكردية، فيما تسيطر قوات البيشمركة المسلحة والمدربة غربياً على أجزاء أخرى تسكنها القومية العربية والتركمانية من أبناء الشعب العراقي، تفعل البيشمركة ذلك بالقوة المجردة ودون أدنى استحقاق في كركوك المدينة المختلطة تاريخياً والتي يرتضي معظم أبنائها سلطة الحكومة المركزية العراقية.
ما يعني فعلياً أننا لا نتحدث عن حق تقرير مصير للشعب الكردي ولكن عن محاولة لتأييد احتلال لمناطق من بلد عربي بواسطة قوة مسلحة مدعومة من الاحتلال، وعن استفتاء مغلوط يجري تحت تهديد هذه القوة المسلحة، وفي ظل تغولات وتجاوزات واضحة من طرف هذه القوة بحق العديد من المكونات السكانية في الإقليم.
تاريخياً، ترتفع المطالب الانفصالية من الأقليات التي تتعرض لتهميش أو إقصاء، وللدقة فإن هذا ليس حال أبناء القومية الكردية في العراق على الأقل منذ سقوط النظام السابق، فمنذ ذلك الحين يعتبر الأكراد الشريك الأبرز في الحكومات المتعاقبة، بما يشمل تعيين كردي كأول رئيس للعراق، فيما تحكم البلاد بدستور اتحادي يعطي إقليم كردستان صلاحيات تقارب لحد كبير صلاحيات الدولة، ذلك كله تم بموافقة كردية، ودون اعتراض من مسعود برزاني الذي قرر تنفيذ الاستفتاء الحالي.
الأدهى أن هذا الاتفاق على الحكم الاتحادي لم ينبر أحد من الزعامات الكردية للمطالبة بتغييره، أو بسن دستور جديد، ويبقى ذلك محل استغراب اذا ما تجاهلنا الدور الأمريكي والصهيوني في تغذية وحماية النزعة الانفصالية لهذا الكيان وزعامته المتفردة.
لذا وبالعودة لحدود الموقف الذي بإمكانك كعربي تقدمي اتخاذه، في ظل ضعف تأثيرك في المعادلة القائمة، إن الحد الأدنى هو حق أكراد العراق في ممارسة عراقيتهم أولاً ثم اختيار الانفصال عنها إن رغبوا، دون العزل الممنهج الذي تمارسه عليهم حكومة الإقليم الكردي دون أي اعتبار للصلات التاريخية التي تجمع أبناء الشعب العراقي ببعضهم البعض، والحد الأدنى هو مساندتك لمن يطلب إزالة التدخل الأمريكي وإخراجه من العراق وإعادة بناؤه.
لو تم إزاحة سيطرة قوات البيشمركة المدعومة أمريكياً عن كركوك سيجد أبناء الشعب العراقي الأكراد أنفسهم محصورين في إقليم فقير مجرد من الموارد النفطية، وحتى في حال بقاء سيطرة الإقليم على كركوك النفطية، فإن هذا الكيان سيبقى محاصر في حدود 4 من الدول المعادية له، وهو ما يعني خلق كيان محاصر لا يستطيع تصدير برميل واحد من النفط، وخاضع تماماً للوصاية الصهيونية والأمريكية.
هل هذا هو حق تقرير المصير الذي ترغب بتحقيقه للإنسان الكردي الذي انتمى لهذه المنطقة، وقاتل بعض من أبناؤه في صفوف الثورة الفلسطينية؟
إن الموقف الأقرب للصواب هو توجيه دعوة جادة للقوى التقدمية الكردية للوقوف في وجه مسعود البرزاني ونظامه المتحالف مع الكيان الصهيوني، واستعادة الكرد لدورهم كمكون أساسي ومركزي في هوية العراق الحر الحديث، الذي لا يمكن إزالته إلا بزوال الاحتلال والتدخل الأمريكي نهائياً عن العراق.