Menu

عن هجمة التطبيع المدمرة

التطبيع

بوابة الهدف

تشهد الشهور الأخيرة تكثيف كبير للأنشطة التطبيعية، التي تستهدف المجتمع الفلسطيني بكافة مكوناته، وكذلك المحيط العربي، تلك الأنشطة التي تدار مباشرة عبر جهات صهيونية معادية، أو جهات شريكة ومساندة لها.

ما يمنح الخطورة لهذا النسق من الهجوم الصهيوني على وعي الجمهور الفلسطيني والعربي والدولي، هو اتخاذه للتطبيع مع الفلسطينيين كجسر لتطويع الوعي العربي الجمعي، وتدجينه مع فكرة التعامل مع الكيان الصهيوني كوجود مسلم به ولا بد من التعامل معه، هذه الفكرة التي تعني النسف الكامل لكل الجهود العربية لمقاطعة الكيان الصهيوني منذ نشأته.

طبيعة المرحلة العربية الحالية تمنح هذا النسق خطورة إضافية، تتمثل في وجود استعدادية عالية لدى نظم عربية مختلفة لفتح أبوابها أمام الكيان الصهيوني، بل ونسج شراكات وتحالفات معه، للاستقواء على عرب أو شعوب أخرى من مكونات المنطقة، ذلك في ظل محاولات تطييف الهوية والصراعات في منطقتنا، ففي الوقت الذي تتم فيه مقاطعة الآخر العربي بسبب هويته الدينية أو المذهبية، والتحريض عليه ومحاربته، يتم استدخال الكيان الصهيوني لبيئة المنطقة ودولها وشعوبها على كافة المستويات.

إن وجود هذه الحملة في وقت تستعد فيه القوى الدولية المهيمنة لبذل جهود وضغوط إضافية لتصفية القضية الفلسطينية هو الخطر بعينه، وهو تمهيد للطريق أمام هذه المحاولة الجديدة لتصفية القضية رسميا، عبر منحها أرضية شعبية ومجتمعية، والتأسيس لحالة من تغييب ثقافة الصراع مع الكيان الصهيوني، الصراع كضرورة وجودية تهدف لتحرير الأرض العربية و انتزاع الحقوق الوطنية المسلوبة، ذلك أيضاً في وقت يصنف فيه العدو "جهود نزع الشرعية" عنه كتهديد استراتيجي.

هذا كله جزء من أدوات الحرب الصهيونية والاستعمارية التي يتم شنها على شعوبنا وخوضها على أرضنا، بذرائع مختلفة لا تنتهي، والتي عبر وزير حرب الاحتلال ضمنها عن نية حكومته بشن عدوان جديد عما قريب، فهل من المعقول أن يسهم الفلسطيني والعربي في التمهيد الصهيوني للعدوان الجديد؟!.

الفلسطيني الرسمي اليوم ملزم بمسؤوليته أولاً تجاه شعبه وكذلك تجاه الشعوب العربية، بأن يغلق الباب الذي فتحه للتطبيع عبر اتفاقية أوسلو المشؤومة واتفاقيات التنسيق الأمني، وكذلك إن كل القوى العربية الحية ملزمة بإدراك وجود هذه الهجمة والقيام بدورها في تنشيط المناعة العربية ضد التطبيع وضد الاختراق الصهيوني.

هذه المرحلة لا تحتمل التعامل معها باستخفاف وبعقلية الاعتياد البيروقراطي، ولكن بتداعٍ سريع من القوى العربية الحرة لمواجهة هذا التمدد الصهيوني، عبر رؤى مدروسة تعيد الاعتبار لكرامة الانسان العربي، فلا يعقل أن من يذبحنا من الوريد للوريد يجد منا كل الترحيب، فيما يقتل بعضنا بعضا في حروب عبثية لن تنتهي إلاّ بتدمير مقومات الصمود في هذه المنطقة، وتمكين العدو الصهيوني من الهيمنة الشاملة عليها.

فهل هذا هو المصير الذي اخترناه لأنفسنا وشعوبنا؟، إن المطلوب اليوم تحرك شعبي ورسمي يتجاوز المعايير والجهود التقليدية للمقاطعة، ويشكل هجمة مضادة تغلق الثغرات في جدار الصمود العربي الشعبي، تلك الثغرات التي فتحتها أوسلو وكامب ديفيد ووادي عربة، وتجري المحاولات الآن لإضافة ثغرات جديدة اليها تهدم ما تبقى من سور الرفض والكرامة العربية.