صار الرهان الرسمي الفلسطيني والعربي على كل إدارة أمريكية جديدة بمثابة استراتيجية سياسية ثابتة لا تقبل المراجعة. ذلك منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، واحتكار واشنطن لملف الصراع العربي - الصهيوني، عام 1991. لذلك لا جديد في انتعاش هذا الرهان فور قدوم إدارة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني، الماضي، بل، وتضخيم الآمال المعقودة على واشنطن لدرجة التعلق بحبال فكرة ترامب حول «صفقة القرن» لتسوية الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي».
لكن الغريب هو أن الرهان على إدارة ترامب لا يجافي ما أكدت بطلانه تجربة 25 عاماً، فقط، بل وما أعلنه ترامب نفسه من مواقف منحازة لمطالب حكومة الاستيطان والتهويد في «إسرائيل»، فمن وعده، فور توليه السلطة، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، وعدم تراجعه إلا بحدود تأجيل تنفيذه، لإعطاء فرصة لاستئناف المفاوضات، ورؤية ما يتمخض عنها، إلى قرار إدارته الانسحاب من «اليونيسكو»، بدعوى أنها منظمة معادية ل «إسرائيل»، إلى صمتها تجاه تنفيذ «إسرائيل» لأكبر عملية استيطان وتهويد في الضفة، وفي القدس تحديداً، إلى تجاهل ترامب حتى لما يسمى «حل الدولتين» في أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى اختياره ثلاثة يهود من معتمري قبعات المتدينين كمبعوثين له إلى «إسرائيل» والمنطقة، وصولاً إلى تبني البيت الأبيض لشروط، (وللدقة عراقيل)، «إسرائيل» تجاه «المصالحة الفلسطينية».
أما الأنكى، والأشد غرابة، في الرهان الفلسطيني على ترامب، فيتمثل في انطوائه على افتراض التوازن في سياسته الخارجية، في إطار السعي لتحقيق الشعار الناظم لسياسة ترامب: «أمريكا أولاً»، بمعنى تعزيز وتقوية سيطرتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية على العالم وتوسيع نفوذها السياسي فيه. هنا ثمة أحلام وطموحات إمبراطورية فائضة، بعودة الولايات المتحدة لمنزلة شرطي العالم، كما كان عليه الحال بعد انهيار القطب السوفييتي، وحتى وقوع الأزمة الاقتصادية العالمية بفعل انفجار أزمة قطاع رأس المال المالي بعد إفلاس بنك ليمان الأمريكي عام 2008.
ولعل ما يجعل الرهان الفلسطيني على ترامب مجرد وهْم، هو أن خطاب الرجل وبرنامجه، بالمعنيين السياسي والاجتماعي، هما خطاب وبرنامج أحزاب اليمين المتطرف في الدول الأوروبية، وهي الأحزاب التي تربطها ب «إسرائيل» علاقات تنسيق وتعاون غير معلنة، حسب ما نشرت، مؤخراً، أكثر من وسيلة إعلام «إسرائيلية»، بينما انتقد الرئيس الروسي، بوتين، علناً، علاقة التنسيق والتعاون بين الكونجرس الصهيوني العالمي، (وبالتالي «إسرائيل»)، وحركات أوكرانية نازية.
بداهة، يستطيع ترامب أن يروج لما أطلق عليه «صفقة القرن» لتسوية القضية الفلسطينية، لكن السؤال هو: في ضوء ما تقدم، هل هي صفقة لإيجاد تسوية متوازنة أم صفقة لاستمرار لعبة إدارة الصراع مع محاولة، لن يُكتب لها النجاح، لتصفية القضية الفلسطينية؟ استناداً إلى ما نشرته، الأسبوع الماضي، وسائل إعلامية «إسرائيلية»، (وهي الأدرى بكواليس البيت الأبيض)، فإن الخطوط العامة لصفقة ترامب المنتظرة تركز على تحقيق «سلام إقليمي»، و«ازدهار اقتصادي» في المنطقة، وعلى استئناف المفاوضات الفلسطينية - «الإسرائيلية»، على أن يرافقها، (وهنا مربط الفرس)، تطبيع للعلاقات بين «إسرائيل» والدول العربية.