عبّرت شريحة واسعة من مُشتركي شركة الاتصالات الفلسطينية الخلوية – جوّال، عن غضبها واستيائها، بعد رسالة نصيّة وصلتهم من الشركة مساء الثلاثاء مفادها فرض ضريبة القيمة المضافة والبالغة 16% من قيمة الفاتورة، وذلك استجابة لقرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإلغاء الإعفاء الضريبي الذي كان مُعمولاً به في قطاع غزة.
وهدَّد نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بإلغاء خطوط هواتفهم النقّالة على نظام الفاتورة، بعد قرار الشركة بإعادة فرض هذه الضريبة.
وجاء في رسالة الشركة للمُشتركين: "مشتركنا العزيز، بناء على القرار الرئاسي الخاص بإلغاء الاعفاء الضريبي لقطاع غزة فانه سيتم اعادة تطبيق ضريبة القيمة المضافة بقيمة 16% على نظام الفوترة ابتداءً من دورة 1/2/2018".
وأطلق النشطاء حملة للدعوة إلى فصل الخطوط الفاتورة عبر هاشتاغ #افصل_فاتورتك، حيث أثار قرار "جوال" حالة من الاستياء في صفوف المُشتركين، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يُعاني منها قطاع غزة.
وضريبة القيمة المُضافة، هي وسيلة تحصل من خلالها الحكومات على إيرادات لتغطية تكاليف الخدمات العامة مثل المستشفيات والمدارس والجامعات الحكومية، وغيرها من الجوانب الحياتية المهمة. وهناك عدة أنواع من الضرائب: الضريبة المباشرة وهي الضريبة التي تقوم الحكومة بتحصيلها مباشرةً من الأشخاص الذين تمّ فرض هذه الضريبة عليهم (مثل ضريبة الدخل وضريبة الشركات). وهناك الضريبة غير المباشرة وهي الضريبة التي يتم تحصيلها من خلال وسيط (محال البيع بالتجزئة مثلاً) لصالح الحكومة من الأشخاص الذين يقع على عاتقهم عبء سداد الضريبة (مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات).
مُسببات صدور المرسوم!
بعد توقيع اتفاق المُصالحة بين حركتي فتح وحماس في القاهرة بتاريخ في 12 أكتوبر 2017، أصبح لزامًا على حكومة حماس في غزة، تسليم صندوق الجباية كاملاً إلى حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمد الله. لكن الأخيرة امتنعت عن الاستلام بسبب وجود قرار رئاسي يعفي المواطنين من دفع الضرائب، وتود الاستلام وفق القانون.
الرئيس الفلسطيني أصدر مرسوماً يقضي بإعادة تفعيل تحصيل الضرائب من قطاع غزّة، ويأتي هذا المرسوم لإلغاء القرار الرئاسيّ رقم "18" الصادر في عام "2007"، والذي ينص على "إعفاء كافّة المواطنين في قطاع غزّة من دفع الضرائب والرسوم"، وإلغاء القرار الرئاسيّ رقم "10" لسنة "2017"، والذي ينص على "إعفاء المواطنين والمكلفين من دفع ضرائب ورسوم الخدمات". ما يعني عودة فرض الضريبة مُجددًا.
وكان مدير عام الجمارك والمكوس وضريبة القيمة في وزارة المالية في الضفة الغربية لؤي حنش، أقر في وقتٍ سابق بصدور مرسوم رئاسي بفرض ضريبة القيمة المضافة على قطاع غزة.
هل الشركات سبب؟
بدوره، قال رئيس تحرير جريدة الاقتصادية محمد أبو جيّاب، أنّ الشركات في قطاع غزة، مثل: "جوال، والاتصالات، والبنوك، وشركات التأمين، وغيرها.."، هي عبارة عن جهة مُنفّذة للقانون الضريبي، وعندما تم إعفاء هذه الشركات من فرض ضريبة القيمة المُضافة بناءً على قرار الرئيس الفلسطيني منتصف عام 2007، كانت قيمة هذه الضريبة تصل للمُواطن "صفر".
ويُضيف أبو جيّاب، أنه وبعد إعادة فرض هذه الضريبة، فإن الشركات ستكون بمثابة وسيط لجمع أموال هذه الضريبة من المُستهلك –المواطن-، وتوريدها مُباشرةً إلى خزينة وزارة المالية.
يُشار إلى أن مجموعة من النشطاء، اعتصموا اليوم أمام شركة "جوال" في شارع الجلاء بمدينة غزة، تعبيرًا عن رفضهم لإعادة فرض ضريبة القيمة المُضافة على نظام الفوترة.
أبو جيّاب خلال حديثه مع "بوابة الهدف"، أكّد على أن هذه الشركات "ليس لها أي صلة بفرض هذه الضريبة على النظام المفوتر، بل هي جهة مُنفذة لا أكثر، حيث ستنتقل الأموال إلى خزينة السلطة وليس خزينة الشركات"، مُشددًا في الوقت ذاته على أنّ هذه الشركات لا تستطيع الامتناع عن تنفيذ هذا القانون.
الايرادات وخزينة السلطة!
بحسب التقرير السنوي لشركة الاتصالات الفلسطينية، فإن عدد مُشتركي شركة جوال قد بلغ 2.94 مليون مُشترك في نهاية العام 2016.
لنفترض جدلاً -كون هذه المعلومات تصنف تحت بند السرية بالنسبة للشركات-، بأن عدد مُشتركي شركة جوال في قطاع غزة مليون مُشترك، ومن يتعامل بنظام الفوترة هم 500 ألف، ومتوسط الاستهلاك الشهري 100 شيكل –تقريبًا-، مع العلم أن هناك فواتير تصل لأكثر من 1000 شيكل شهريًا، ستكون نتيجة الايراد الشهري من هؤلاء المُشتركين 50 مليون شيكل، ويكون المبلغ الإجمالي بعد فرض ضريبة القيمة المُضافة على المُشتركين 96 مليون شيكل ستُرحّل إلى خزينة السلطة الفلسطينية سنويًا، ومن شركة واحدة فقط!.
المُواطن هو المُتضرر
المواطن الغزّي، والذي يُعاني الأمرّين بفعل الحصار "الإسرائيلي" المفروض على القطاع منذ أكثر من 10 سنوات، ويعاني من أوضاع معيشية صعبة تفاقمت حدتها منذ فرض الرئيس عباس مطلع نيسان/أبريل الماضي سلسلة إجراءات عقابية أبرزها خصم 30 بالمائة من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية وإحالة ألاف منهم للتقاعد المُبكر. تأتي هذه الضرائب بمثابة صب مزيد من الزيت على نار الأوضاع الاقتصادية المُنهارة التي يُعاني منها، باعتبار أن آثارها ستنعكس بشكلٍ مُباشر على المواطن، فهذا المواطن كان ينتظر مد يد العون له من قبل الحكومة، وليس مراسيم رئاسية تفرض مزيدًا من الجباية.
ولكن، قانونيًا، هذا المرسوم الرئاسي، وتنفيذ ما جاء في بنوده من فرض مزيد من الضرائب على المواطنين في قطاع غزة، يأتي كأحد استحقاقات تنفيذ اتفاق المُصالحة الفلسطينية بين طرفي الانقسام.
"بوابة الهدف"، تحدثت إلى المُختص في الشأن الاقتصادي د. أسامة نوفل، إذا قال إن قرار الرئيس بشأن الضرائب، جاء بهدف شرعنة جباية الرسوم والضرائب من قطاع غزة، مُشيرًا إلى أن خدمات الاتصالات هي أكثر من سيتضرر من هذه الخطوة، كون هذه الشركات كانت معفية من هذه الضريبة في السابق، وجميع المواطنين في قطاع غزة سيلحظون ارتفاعًا على قيمة الضريبة عند الدفع.
وأشار نوفل إلى إيرادات الشركات التي ستطبق هذه الضريبة ستتأثر سلبًا، بفعل عزوف كمية كبيرة من المواطنين عن هذه الخدمات، في الوقت الذي ستزداد فيه إيرادات خزينة السلطة الفلسطينية.
وبحسب المُختص نوفل، فإن حجم المبيعات لشركات الاتصالات وجوال يكون منها 40% من قطاع غزة فقط، مُضيفًا أن حجم الأرباح لهذه الشركات للعام 2016، قد فاقت 70 مليون دولار، أي حصة قطاع غزة من هذا المبلغ هي 28 مليون دولار، وبعد فرض ضريبة القيمة المُضافة سيُرحل إلى خزينة السلطة قرابة 5 مليون دولار جديدة سنويًا من قطاع غزة.
وأكّد نوفل، أن الخطة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية تتمحور حول ضرورة زيادة الإيرادات، بغض النظر عن مصدرها، وتقليل النفقات العامة حتى يتم تخفيف العجز في الموازنة، مُشيرًا إلى أن السلطة الفلسطينية تعلم بأن قطاع غزة مُنهار اقتصاديًا، ولكن هذه الطريقة تُستخدم كأحد أساليب الضغط على قطاع غزة، لأسبابٍ سياسية.
هل هناك مخرج؟
وخلال حديثه مع "بوابة الهدف"، قدّم نوفل مُقترحًا للتخفيف من هذا العبء الجديد، حيث قال إن شركات الاتصالات باستطاعتها تخفيض رسوم الاشتراك للمواطنين سواء الهاتف الأرضي أو المحمول، من أجل تعويض الزيادة القادمة من السلطة الفلسطينية، وبالتالي تكون ضريبة القيمة المُضافة 16% كأنها لم تكن من الأساس، مُشيرًا إلى أن الشركات لن تُقدم على مثل هذه الخطوة، لأن نسبة أرباحها السنوية ستقل، وستؤثر على وجودها في سوق البورصة.
جدير بالذكر، أن حكومة حركة حماس فرضت خلال فترة الانقسام، العديد من الضرائب التي أنهكت كاهل المواطن في قطاع غزة، وتحت مُسمياتٍ مختلفة، منها "ضريبة التكافل، وضريبة الاستيراد وغيرها.."، لسد العجز المالي لديها وتأمين رواتب موظفيها في القطاع.
وجاء اتفاق المُصالحة الذي لا يزال يُراوح مكانه منذ توقيعه، كبارق أمل، اذ يعلق مليوني فلسطيني في القطاع آمالهم على تنفيذ الاتفاق، أملاً منهم بتخفيف المعاناة الناتجة عن أكثر من 10 سنوات من الانقسام الداخلي والحصار، وتسهيل حركة انتقال الأفراد والبضائع عبر معابر القطاع التي تُفتح استثنائياً للحالات الإنسانية كل بضعة شهور، فيما تزداد نسب البطالة والفقر، ما يفاقم من الأزمات الحياتية والمعيشية للمواطنين.