Menu

أقصر الطرق للخروج من المأزق الفلسطيني!..

قلم

بقلم / محمد صوان

لقد دخل إعلان الرئيس الأمريكي ترامب المتضمن ( القدس عاصمة لإسرائيل) شهره الثالث, دون أن تتقدم القيادة الرسمية لـ (م.ت.ف) نحو أي خطوة عملية تمنع تداعيات الإعلان الكارثية, سواء على مدينة القدس التي تشهد المزيد من الحصار والتهويد والاستيطان الصهيوني الكولونيالي على مدار اليوم, أم على مستوى القضية الوطنية والحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني... وربما الجلسة اليتيمة التي التأمت، كانت جلسة المجلس المركزي الفلسطيني يوم 15/1/2018، أي بعد نحو أربعين يوماً من إعلان ترامب سيء الصيت والسمعة.. ذلك الاجتماع الذي افتقد إلى الاجماع الوطني الكامل، نتيجة ارتباك وتردد القيادة الرسمية لـ( م. ت. ف) في مغادرة أوسلو، والاعلان رسمياً عن فك الارتباط بتلك الاتفاقية الكارثية.. والانتقال الى برنامج عمل سياسي كفاحي مشترك وجامع.. كما رسمه الميثاق القومي الوطني، ووثيقة الوفاق الوطني عام 2006.. والبيان الأخير للمصالحة الوطنية في القاهرة بتاريخ 22/11/2017.

لقد وفر المشهد الفلسطيني والإقليمي الراهن فرصة ثمينة للعدو الصهيوني، وتحديداً التيارات الفاشية واليمينية الحاكمة في (إسرائيل) كي تنفذ فصولاً إضافية من مشروعها الاستيطاني الكولونيالي.. ويمكن قراءة ذلك من خلال القرارات والتشريعات والميزانيات التي تخصصها لإطباق السيطرة الكاملة على مدينة القدس وتهويدها، وتوسيع الاستيطان في جميع أنحاء الضفة الغربية تمهيداً لضمها وخلق واقع جديد من شأنه اسقاط وتقويض أساس حق تقرير المصير، وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية السيادية وعاصمتها القدس.. علاوة على حرب الاستنزاف التي تشنها على الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، والهادفة إلى استنزاف طاقته وإشاعة مشاعر الإحباط واليأس في قدرته على دحر الاحتلال واسترداد أرضه المحتلة وبناء دولته السيادية فوق ترابه الوطني..

إن حركة التحرر الوطني الفلسطيني استمدت شرعيتها الثورية والتاريخية من وعدها للشعب بقيادة نضاله لتحقيق طموحاته وأهدافه الثابتة والمكفولة بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة, مدعوة اليوم إلى عملية تقييم وتقويم شاملة لتجربتها الممتدة لأكثر من نصف قرن, والوصول إلى استخلاصات وقرارات حاسمة  تستند إلى رؤيا وتشخيص واقعيين للحالة التي وصلنا إليها, وصياغة برنامج سياسي وكفاحي تتوحد على هديه جميع فصائل العمل الوطني وتياراته كافة (الإسلامية, والوطنية, والعلمانية).

إن القرارات المجزوءة كتلك التي صدرت عن المجلس المركزي الفلسطيني يوم 15/1/2018 واللجنة التنفيذية لـ( م.ت.ف) يوم 23/2/2018 تمثل حلولاً تخديريه من شأنها تعميق الأزمة بالمعنى الاستراتيجي.. من هنا يتوجب التوافق الداخلي حول حقيقة المبرر الرئيسي لوجود جميع فصائل العمل الوطني.. وهو تعهدها بالنضال من أجل تحرير الأرض واستعادة كامل الحقوق.. الأمر الذي يتطلب توافقاً حول الصيغة الكفاحية الأكثر جدوى للتصدي للاحتلال ومشاريعه الاستعمارية الكولونيالية.. صيغة تمكن من تعديل ميزان القوى بيننا وبين العدو الصهيوني, وصولاً إلى استعادة زمام المبادرة وفرض برنامج الخلاص والتحرر الوطني على واقع الصراع مع العدو, ثم التقدم مع الشعب نحو الحرية, وحق تقرير المصير, وحق العودة إلى الأراضي والديار والممتلكات التي هُجر  منها عنوة عام 1948.

إن انجاز ما تقدم يعتمد على:

  1. إعادة بناء وتجديد (م.ت.ف) بكل مؤسساتها (مجلس وطني, ومجلس مركزي, واللجنة التنفيذية, وجميع الاتحادات المهنية والنقابية والمنظمات الشعبية) في الداخل والخارج, بشكل يضمن مشاركة كاملة لجميع الفصائل والأحزاب والتيارات الفاعلة, على أسس ديمقراطية تعزز حالة التنوع والتعددية في المجتمع الفلسطيني, وتكرس مفهوم الشراكة في العمل والقرار والنضال السياسي والكفاحي.. بحيث لا يملي أي فصيل أو تيار خياره الأحادي على الشعب, سواء كان سياسياً أم كفاحياً!..
  2. التوافق على برنامج عمل سياسي واحد يحدد, وبشكل واضح, أهداف الشعب الفلسطيني, استناداً إلى الميثاق الوطني وقرارات المجالس الوطنية المتعاقبة, وقرارات الشرعية الدولية التي اقرت بحق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وعودته وتقرير مصيره وإقامة دولته السيادية وعاصمتها القدس, وبما يقود إلى وحدة الصف والهدف والخطاب, إذ لا بد من إزالة الالتباس الذي وظفه العدو في تبرير عدم التزامه بالقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
  3. التوافق على الدخول في معركة الحسم مع العدو الصهيوني من خلال انتفاضة شعبية ومقاومة مسلحة، تبدأ ولا تتوقف إلا بإنجاز الأهداف الوطنية والقومية كاملة وهي بالمعنى الدقيق ثورة تستند إلى مشاركة شعبية شاملة وتضم جميع مكونات وسائر طبقات الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده وتبني على ما تراكم من تجربة كفاحية وسياسية, لقد أغلق العدو الصهيوني جميع الأبواب وقوض الأمل بإمكان التوصل الى حل عادل ودائم وشامل عبر التفاوض وبات ضرورياً اعتماد أسلوب كفاحي يمكن من تحويل المواطن الفلسطيني إلى جندي في معركة التحرير ويوفر الفضاء الرحب لإبداعات ومبادرات الشابات والشباب ، الذين يشقون طريقاً جديداً للنضال مستفيدين من ثورة المعلومات وتقنيات التواصل الاجتماعي.
  4. التحضير الجيد والمتكامل عبر بناء الأطر والهياكل الميدانية للانتفاضة، على أن يترافق ذلك مع عملية تثقيف وتوعية وشرح لفكرة الثورة وآلياتها وأهدافها وضوابطها ومرجعياتها واستثمار جميع المنابر المتاحة.. بحيث يتم الشروع بتطبيق عناصر البرنامج الكفاحي الميداني من خلال تكتيكات شهرية واسبوعية ويومية يتم الإعلان عنها بشكل دوري ومنتظم ويكون للمجموعات الميدانية صلاحيات كاملة مستمدة من روح البرنامج والمشروع الوطني وبما في ذلك تعزيز مرجعية الإطار القيادي الموحد المكلف من قيادة (م.ت.ف) أو الجبهة الوطنية المتحدة
  5. استعادة الوحدة الوطنية السياسية والجغرافية، فاستمرار الانقسام يمنع فعلياً إنجاز حق تقرير المصير وحق العودة وإقامة الدولة السيادية بعاصمتها القدس.. والمطلوب هنا ليست مصالحة بين حركتي "فتح و حماس" فحسب وليس إدارة الانقسام.. بل استعادة الوحدة الوطنية فعلياً وبشكل شامل ومعالجة جميع النواقص والثغرات والظواهر السلبية وهذا يتطلب حواراً وتفاهما شديد الوضوح على ما يلي :
  • قبول حركة فتح بالتخلي عن سيطرتها على النظام السياسي الفلسطيني بشكله الحالي، أي الموافقة على شراكة سياسية كاملة وإعادة بناء وتجديد النظام السياسي في "م.ت.ف" بمختلف هيئاتها ومؤسساتها ودوائرها ، إضافة لموافقة حركة حماس بالتخلي عن سيطرتها على قطاع غزة, أي التراجع عن انقلاب 2007 ،وعودة غزة إلى النظام السياسي والإداري الفلسطيني.
  • التوافق على برنامج عمل كفاحي وسياسي يتضمن الهدف الوطني المركزي الذي يفترض أن يشكل جوهر برنامج الاجماع الوطني اي برنامج (م.ت.ف) بعد إعادة بناء وتجديد بنيتها الداخلية.
  • الالتزام الجماعي بممارسة الديمقراطية واحترام التعددية ومبدأ التداول السلمي للسلطة وفقاً لنتائج الانتخابات الدورية واعتماد نظام التمثيل النسبي الكامل في المستويات والمجالات الوطنية كافة ...

خلاصة القول:

إن مصدر الأزمة التي تعيشها حركة التحرر الفلسطيني اليوم هي حالة التشظي والارتباك وكيفية التصدي للعدو الصهيوني، ولذلك فإن الطريق الأقصر والأصوب للخروج من المأزق هو الاشتباك المباشر مع مشروع الاحتلال الإسرائيلي بصورة دائمة وممنهجة استناداً الى رؤية استراتيجية وسياسية واضحة وعمل جماعي منظم وناضج بعيداً عن الاستعراض والارتجال والشعارات الجوفاء ...

قد تبدو الفكرة المطروحة حالمة، غير أنها ممكنة وواجبة لأن الصيغ التوافقية الأخرى ، حتى تلك التي تم التوافق حولها ولم تنفذ ، لا تحتوي من الناحية العملية صيغاً تضمن الاتفاق والتوافق على برنامج كفاحي مشترك في مواجهة مشروع الاحتلال ومخططاته .. ولذلك هي وصلت إلى طريق مسدود وبالتالي تعثرت !.

يمتلك الشعب الفلسطيني مخزوناً هائلاً من التجربة والإرادة والوعي والاستعداد للتضحية ،من هنا فإن ما يبدو اليوم احلاماً  أو تفكيراً طوباوياً يمكن أن يتحول غداً الى رافعة أساسية تنقلنا الى واقع جديد، تضعنا على سكة التحرير والعودة وتقرير المصير والسيادة الوطنية فوق ترابنا الوطني!..