Menu

حول تغطية وسائل الإعلام العبرية لجريمة إعدام الأسير سراديح

الاسير شادي الشرفا

بقلم / الاسير شادي الشرفا

إنّ مَشهد إعدام الفلسطيني ياسين سراديح أمام عدسة الكاميرا على يد قوات الاحتلال كان صادماً وتقشعر له الأبدان، حيثُ جرى اعتقاله ثُم تصفيته عبر الضربْ المُبرح رُغم عدم تشكّيل أيّ تهديد يُذكر على الجنود المجرمين. وهكذا نقلت الأخبار العبرية هذا الحدث المصوّر عبر خبر فرعي هامشي في نشرة أخبار الثامنة، ورغم صعوبة المشهد وبشاعته، إلاّ أنّ المذيعة الصهيونية (يونيت ليفي) الشهيرة لم تحرك جفناً وكأنّها لوح جليد ٍخالية من الأحاسيس والمشاعر أمّا مُعد التقرير وهو المراسل العسكري ٍللقناة فكان شُلّ تركيزه على ما سماه الأوضاع الحرجة التي يعيشها الجنود جراء وجود الكاميرات التي توثق عملها، فالمشكلة بالنسبة لمعدّ التقرير ليست جريمة الاعدام البشعة لأسير، إنما الكاميرا التي وثقت الحدث، وكيف على الجنود التصرف بهذه الأوضاع لتجنب الحرج، وكأنّه يقول كيف يمكننا الاستمرار في مسلسل القتل والتنكيل الممنهج دون أن تلتقطنا عدسات الكاميرا، لكنّ الإعلامية الصهيونية تزرع في عقل المجتمع المحتل صورة الجندي البطل، والذي يقوم بمهام مقدسة ويتحلى بأخلاقيات ربانية لا يمكن التشكيك بها، فما قام به الجنود كان وفق بروتكول الصهيونية دفاعاً عن النفس، ويبجل الجنود الأبطال حسب التقرير الأخير، لأنهم باتوا يواجهون سلاحاً جديداً ليس فقط ذلك الفلسطيني ، إنما يواجهون سلاح الكاميرا مما يزيد العبء على أولادنا هؤلاء الجنود يستحقون الأوسمة.  وسوف تستمر دولة الاحتلال "الاسرائيلي" في البحث عن أفضل الاستراتيجيات لإبادة الشعب الفلسطيني بعيداً عن عدسات التصوير ، ولن يتم توفير أيّ فرصة أو وسيلة لمحاولة اخضاعه وكسر إراداته فيما سيستمر العالم بلا مبالاته تماماً كتلك المذيعة التي نقلت الخبر لوح جليد خالية من الأحاسيس ، فالعالم أصبح لوح جليد كبير لا يهمه كم يقتل وكيف يعدم الشعب الفلسطيني كل ما يهمه هو آخر الصرعات وأحدث التقنيات والأفلام والموضات ولا بأس أن يذبح الشعبي الفلسطيني من الوريد إلى الوريد طالما لا يتم تصدير الموت إلى أراضيهم، وطالما استمرت العقود التجارية.

لا يمكن لأي انسان عاقل يرى مشهد إعدام الشهيد ياسين سراديح، إلاّ وأن يكون لديه ردة فعل ما، لكن يبدو أن الانسان العاقل قد انقرض من هذا العالم أو الجنس البشري تطور في نشوئه وارتقائه، وأصبح (ما بعد الإنسان العاقل _ أي بوست إنسان عاقل)، وهو ذلك الإنسان الجديد ذو المشاعر الأقرب إلى مشاعر الآلة، التي ينقر على شاشاتها صباح مساء.

من منطلق متابعتنا اليومية لنشرات الأخبار العبرية، أكاد يجزم أنّه لو كان مكان الفلسطيني الذي أعدم عبر الضرب وإطلاق النار عليه من مسافة صفر، أي "حيوان" لكان حدث وحديث الساعة، وسيتصدر العناوين الأولى في الأخبار، التي ستستضيف ثلّة من النخب والعلماء النفس لتحليل الموضوع وخطورته، وستذرف المذيعة (يونيت ليفي) الدموع في النقل المباشر، لكنّ من حسن حظهم فإن القتيل ليس بحيوان إّنه إنسان من لحم ودم ولديه أسرة، وأم ثكلى، ولديه أصدقاء محبين، لكن شاءت الظروف أنْ يكون مجرد فلسطيني آخر يُصرع على مذبح الحريّة. 

وبطبيعة الحال يبقى الإعلام الصهيوني يؤدي وظيفته، بنشر الأكاذيب على أكمل وجه، فالتقرير ذكر على لسان معديه التهمة الجاهزة المعروفة، بأنّ الشهيد سراديح، كان يحمل سكين على جسده، وبالطبع لا أحد رأى سكين، ولا أحد يتساءل مادام لديه سكين لماذا لم يحملها في يديه ويهجم بها؟!  لماذا هي على جسده أصلاّ؟! كما جاء في التقرير لكنّ التساؤل ممنوع للحاضرين في استديو الاخبار، لأن منطق السؤال يعني الإساءة إلى الجندي الاسرائيلي الأكثر أخلاقية في العالم هو فخر الأمة وعزتها ونقطة الإجماع الأساسية لديهم.

إنّ هذا المشهد الطاغي يدل مرة أخرى أننا بنظر "اسرائيل" المحتل لسنا بشر ولا حتى حيوانات، فلو كنّا كذلك لتحركت مشاعرهم ولو قليلاً، فنحن الفلسطينيين بنظرهم ما دون البشر ما دون الحيوانات، إننا بالنسبة لهم مجرد إعاقة مادية لأحلامهم وطموحاتهم العنصرية الرأس مالية: مجرد عثرة في الطريق.