Menu

إلى صديقي الأسير!

تعبيرية

طلال أبو شاويش

وأنت هناك تشتبك مع الزمن والسجان ...وتحيا بصدق وحماس اللحظة الأولى...فتحسم خيارات الموت والحياة لصالح الفكرة الأولى والشعار الأول و تعمق انتماءك للحلم الكبير...وأنت هناك تنحت بأظافر دامية جسد الصخرة الصماء متتبعا ثقبا للأمل...و أنت هناك (غارسا حدقاتك في الأسلاك) مترقبا رفاق الوعد يحثون الخطى نحو ضفاف الحرية...اسمح لي يا صديقي أن أحدثك بصدق وشفافية...
واعذرني إن فاجأتك لغتي...فمفرداتكم في السجن لم تعد تتطابق أو حتى تتشابه مع فنون السرد الجديد _الآن و هنا !
بل إن زمنكم لم يعد متسقا مع زمننا...فلا يمكن لزمن الحقيقة المتفجرة ضوءا و أملا لديكم وفي ليلكم، أن يتواءم مع زمن الهبوط والانحدار لدينا !
أرجو المعذرة مرة أخرى...أعلم أنكم تنهلون من موجات الأمل المنسابة من عيون كل من ودعوكم في ساحة السجن و تعيشون الانتظار لبشارة المحتفين بعيدكم في باحات الكذب و الوعود الزائفة...لكن صدقني يا رفيق أننا لا نحياكم إلا حين تصلنا أخبار تمردكم...لا نعيشكم إلا يوم يذكرنا تلفازنا الممل بعيدكم في آخر نشرات الفجر...فنمتشق تهدلاتنا البلاغية وسيوف شعاراتنا الصدئة و نستخرج عهدنا لكم من خزائننا الهالكة لنقصف وجوه الناس المتعبين بقصائدنا المكررة !
آآآه يا صديقي !
الآن و هنا...أرى من اقتسموا معك وجبات الغاز مع قهوة الأربعاء ...أرى وجوههم على الشاشات الكبيرة وقد تورمت قليلا...بل اكتنزت يا صديقي...أسمعهم يصرخون ويهتفون لحركاتهم و لأحزابهم المجيدة...يديرون انقساما ما زارنا حتى في أسوأ كوابيسنا السوداء هناك...أتذكر يا صديقي يوم اغتاظ السجان و صرح بما يشبه العجز والإقرار العلني بهزيمته ؟!
قال يومها محدثا جنوده :
_لا أدر أي إله هذا الذي يصلون له جميعا...أخال محمدا و عيسى و لينين يجتمعون سرا معا ويعدون الخطط لمواجهتنا!
هنا الآن يا صديقي صار لمحمد خلافة و لعيسى مملكة و للينين كتلة رثة يتنازعها البلاشفة و المناشفة... التروتسكيين و الستالينيين !
لا تحزن من حديثي...لا تستسلم لليأس...ما أردته هو قرع أجراسكم إعلانا لنهاية انتظاركم... خوضوا معركتكم النبيلة بمفردكم ...لا تنتظروا عهودا ممن فقدوا فروسيتهم ...هم لا يعدوا لمعركتكم بل لمعاركهم الخاصة...لا تنخدعوا لذاك الوميض الزائف المنبعث من حين لآخر...فأنتم في مكانكم و زمانكم أكثر من يوقن أن النصر لا يمكن أن يلوح من أفاق المنقسمين المتصارعين !
كل عام وأنت بخير يا صديقي...عمم على خنادق المقاتلين دعوة لاجتماع عاجل... تداولوا في حقيقة ما يجري في السجن الكبير و أصطفوا معا في سجنكم الصغير واعلنوا مولد عهد جديد ...لا تنتظرونا...نحن من عليه انتظاركم ...فلا تتأخروا طويلا !!!