Menu

بروفة التغيير!

حاتم استانبولي

ما حصل في المدن والقرى الأردنية يجب الوقوف أمامه ورؤيته بدقة ووضعه في سياقه الطبيعي لكي لا نقع في الوهم أو اليأس.

التوقف أمام عدة عناوين من حيث أسباب الهبّة، أو القوى المشاركة أو موقف السلطة مما حدث وموقف الإقليم والعالم منه.

الأردن من حيث الموقع والدور التاريخي له خصوصية في الإقليم وخاصة فيما يتعلق بقضيته التاريخية، فوجوده ارتبط ببداية نشوئها وكان يراد له أن يكون حلًا لتداعياتها السياسية والاقتصادية وأهمها البشرية، بمعنى ما نشأ من لجوء ونزوح نتيجة النكبة وهزيمة حزيران.

لقد مرّت المنطقة العربية في مرحلتين: الأولى هي مرحلة صعود الخط القومي بشقيه القومي والبعثي وكان الأردن يدعم بقرارات عربية كونه دولة مواجهة. وتدفقت الأموال للحفاظ على دوره وموقعه.

والثانية هي مرحلة تراجع الخط القومي، تم دعم الأردن بقرار خليجي ودولي للحفاظ عليه كركيزة أساسية للتسوية.

في هذه الفترة مرّت (اسرائيل) بمرحلتين: التأسيس والقوننة. وفي هاتين المرحلتين كانت لها مصلحة في استمرار أمان الأردن.

في مرحلة المدّ القومي كان الضغط على الأردن يتم من على قاعدة دفعه أكثر باتجاه الصف القومي في مواجهة عدوانية واستعمارية (اسرائيل).

في مرحلة تدمير الدولة القومية كان الضغط على الأردن يتم من أجل لعب دور في إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية. هذا الضغط اشتد مع صعود قوى جديدة في دول الخليج حسمت موقفها ومصالحها مع الحلف الأمريكي الإسرائيلي.

الضغط على الأردن في مرحلة الهجوم على الدولة الوطنية أخذ أبعادًا متعددة داخلية وخارجية. الداخلية عبرت عن نفسها بمحاولات رفع حدّة التعارض الداخلي بين مكونات المجتمع من خلال تعميم سياسة إقصائية مجتمعية واقتصادية، عبر بيع مقدرات الدولة، وكذلك سياسة ثقافيّة عبر تعزيز عقلية الفردية والعشائرية والعائلية واستخدامها كقوة ضاغطة على الدولة. أمّا الأبعاد الخارجية فكانت عبر إغراق الدولة بديون لا يمكنها تحملها ودفعها باتخاذ مواقف تتناقض مع البنية الفكرية والثقافية للمجتمع.

عندما تحدّث رأس السلطة بأن البلاد أمام مفترق طرق فهو يعني ذلك؛ فالحالة الراهنة هي من الخطورة لكونها تعبر عن تلاقي مصالح بين بعض القوى الداخلية والخارجية لتغيير دور الأردن من المنطقة الرمادية إلى المنطقة التي يراد بها له أن يأخذ قرارًا واضحًا في الاشتراك الفعلى بإعلان الولوج في تصفية القرن.

هذا الموقف الذي له أصوات أصبحت تعبر بوضوح عن نفسها عبر شعارات تحمل الطابع الليبرالي والتي لها امتدادات وروابط متينة مع اتجاهات فلسطينية لها مصالح مع الاحتلال الاستعماري لفلسطين.

من الواضح بمكان أن الهدف الإسرائيلي من عقد اتفاقية كامب ديفيد كان إخراج مصر من الصراع المباشر وإنهاء حالة الحرب معها، أما هدفها من أوسلو ووادي عربة فهو قوننة وجودها من قبل الطرفين القانونين الذين يمثلان الشعب الفلسطيني سياسيًا واجتماعيًا حيث كان الأردن هو الطرف القانوني الذي كان أحد عناصر قرار 242 والفلسطيني الذي يملك الشرعية الدولية بالتمثيل السياسي للشعب الفلسطيني.

النزول إلى الشارع في المدن والقرى الأردنية أخذ شكلين الأول سياسي عبر اعتراضه الواضح على قرار ترامب بشأن القدس والثاني عبر رفضه سياسة التغول على الشعب من خلال سياسة إغراقه في الهم المعيشي بهدف تمرير السياسي بثمن الخروج من المعيشي.

هذه المعاجلة التي ستطرح على الحكومة الجديدة من خلال أدوات البنك الدولي وشروط المساعدات الخليجية المقترحة. والحلان سيؤديان لذات النتيجة وهي الدفع بالأردن ليكون بوابة لتصفية القضية الفلسطينية عبر تمرير الرؤية الليكودية بأنه وطن الفلسطينيين الذي نص عليه قرار التقسيم بأن (اسرائيل) هي الدولة اليهودية والأردن هو الدولة العربية. هذا ما يتم تداوله في غرف التفاوض العبثي.

وفي كلا الحالتين فإن حجم التآمر على الدولة الأردنية يزداد مع كل حجر استيطاني يتم بناؤه في الضفة الغربية ومع كل قرار يضيق الخناق على أهلنا في غزة التي تدفع ثمنًا باهظًا نتيجة القرارات العبثية للسلطة ومصر ويظهران على أنهما أداة إسرائيلية لتقويض الروح الوطنية للفلسطينيين في غزة. عبر السياسات التي تريد أن تدفع أهلنا في غزة للقبول بأية تسويات تنال من ارتباطهم بالوطن فلسطين والتعامل مع غزة على أنها جزيرة منفصلة عن الوطن فلسطين واعتبارهم تجمع سكاني يتطلب مواقف ومساعدات إنسانية .

حل الأزمة في الأردن وفلسطين يتطلب التعامل معها على أنها أزمة واحدة مرتبطة عضويًا وتاريخيًا وفي هذه المرحلة بالخصوص التي يراد أن يتم حل أحد طرفيها على حساب الآخر وخروج (اسرائيل) من أزمتها السياسية كطرف يتحمل استمرار وجودها كل أزمات المنطقة.

علينا الخروج من عقلية البحث عن أبواب إخراج (اسرائيل) من أزماتها عبر تعميق أزماتنا. المشكلة التاريخية هي تأسيس هذه الدولة على حساب الشعب الفلسطيني. هي وداعموها (حكومات الغرب) من يتحمل التبعات السياسية والاقتصادية والقانونية والإنسانية والأخلاقية للقضية الفلسطينية. وأصبحت تهديدًا لكل مكونات المنطقة وهي الخطر الدائم على شعوبها ودولها.

النظر بأن حل الأزمة في الأردن يكون من خلال تغيير وزاري أو سحب قانون الضريبة هو قصور سياسي، فالحل يتم من خلال حكومة تكون أولوياتها رفض دفع المديونية واعتبارها ثمنًا للمعاناة التي ترتبت على وجود (إسرائيل) وعبثها بمكونات المنطقة وتآمرها على شعوبها.

ثانيًا، إعادة تموضع الأردن عربيًا ورفعه شعار أنه الأوْلى بحمل راية القدس وفلسطين لاعتبارات تاريخية ومكانية وثقافية، ورفع درجة التنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية باعتبار أن الخطر مشترك والمصالح واحدة واعتبارها عقيدة دفاعية مشتركة.

وداخليًا، تحويل شعار المواطنة والمشاركة في الحقوق والواجبات على قاعدة القانون إلى سياسة ملموسة واعتبارها الأساس في إعادة بناء منظومة الدولة. إعلان واضح بإعادة أملاك الدولة المنهوبة طوعًا مرتبط بمدة زمنية وبعدها سيكون أخذها بناء على الحق القانوني وسيترتب عليها محاسبات على قاعدة القانون.

إعطاء مؤشرات ملموسة للمواطن بأن الضرائب ستنعكس على حياته الاقتصادية والخدمية من تعليم وصحة عبر تغييرات واضحة في بنود الميزانية.

فلا يمكن أن تناقَش الضريبة بدون مناقشة أوجه صرفها وحذف كل البنود غير المعلنة من الميزانية أيا كان وجه صرفها.

حل الأزمة لن يكون إلا سياسيًا، من خلال سياسة اقتصادية واضحة المعالم يكون دور المواطن فيها فاعل في الواجبات والحقوق. وتكون فيها حقوق المواطن والشعب هي الناظم وتعزيز الدور الوطني للدولة هو المعيار.