إزاء طروحات التهدئة المُفضية لهدنة طويلة المدى، لابد من العودة لبعض البديهيات المتصلة بحقيقة الصراع مع المشروع الصهيوني، وذلك للوصول لتقييم حقيقي لهذه الطروحات ودورها في مُعادلة الصراع في هذه المرحلة بالذات. بداية نعود لبديهية أن المقاومة حق مكفول للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، تكفله وتقره الأعراف الدولية، وأن الحصار المفروض على قطاع غزة هو جريمة ترتكبها قوة الاحتلال وكافة الأطراف المشاركة في هذا الحصار، وبالتالي لا يمكن قبول مقايضة حق شعبنا في مقاومة الاحتلال مع حق شعبنا في توفير احتياجاته الحيوية، وضمان حرية حركته، أي حقه في أن يعيش دون حصار أو عدوان من قوة الاحتلال.
التعامل أو التجاوب مع هذه الطروحات بشقيها الدولي والصهيوني تتضمن انتقاص واضح من مشروعية حق شعبنا في مواجهة ومقاومة الاحتلال، بل وتصور فعل المقاومة الموجه لتحرير الأرض كما لو كان فعل رافض للحصار فحسب، الأمر الذي يشكل إسقاط لبقية الحقوق الوطنية، وقطع خطير للعلاقة بين المقاومة وهذه الحقوق.
جانب آخر من إشكالية هذه الطروحات ذو صلة بالحيز الفلسطيني الداخلي والعلاقات الفلسطينية، فلا يمكن فهم قبول هذه الطروحات إلا كجزء من معادلة استمرار الانقسام والرهان على مشروع منفصل في غزة لا علاقة له من حيث السلوك أو ردود الفعل بما يمارسه الاحتلال من جرائم لتصفية القضية على عموم الأرض والشعب الفلسطينيين. هذا ناهيك عن الدور الذي تلعبه هذه الترتيبات كأحد أدوات تمرير صفقة القرن، عبر تحييد غزة عن الاشتباك مع الاحتلال، وتحويلها لمركز لمشروع كيان فلسطيني بديل عن مشروع الدولة الفلسطينية الذي توافق الكل الوطني عليه كهدف جماعي في وثيقة الوفاق الوطني.
إن المخرج من هذه الحالة يستدعي التحلي بأقصى درجات المسؤولية الوطنية من الجميع، والمضي سريعًا نحو خطوات تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام، ومغادرة منطق الاستقواء بالعروض الخارجية من جهة والعقوبات من جهة أخرى. لدى شعبنا الفلسطيني معركة مصيرية للدفاع عن حقوقه وأرضه ووجوده، وهذه المعركة لا تحتمل أبدا منطق الانقسام ومعادلاته.