Menu

نظرية الردع «الإسرائيلي» تتبدّد

د.فايز رشيد

كتب الصحفي «الإسرائيلي» إيزي ليبلر مقالة حول التآكل التدريجي لردع دويلته معتبراً أن نتنياهو لا يجد حلاً أفضل من قصف مبان فارغة كجواب على وابل الصواريخ والبالونات الحارقة التي تنطلق من غزة،ونصح رئيس وزرائه بشن هجوم واسع على القطاع باعتبار أن ذلك سيعيد لنظرية الردع «الإسرائيلية» قوتها السابقة. 
مقالة الكاتب تطرح سؤالاً مهماً حول المتغيرات في هذه النظرية التي حكمت دويلة «إسرائيل» منذ إنشائها القسري وحتى اللحظة؟ بالطبع المقصود باستراتيجية الرّدع وفقاً للمبادىء العسكرية، أن فكرة إدارة الصراع مع العدو تنبع من مبادىء أساسية، أهمها التفوق العسكري الدائم على الخصم. وفي الحالة «الإسرائيلية» تم اعتماد مبدأ شنّ الحرب الاستباقية، ونقل المعركة إلى أرض العدو، وضرب أية أسلحة لديه تهدد أو قد تهدد «إسرائيل». بالمعنى الفعلي طبّقت دويلة الكيان هذه الأسس طيلة سنوات وجودها في كل الحروب العدوانية التي خاضتها ضد أمتنا العربية، وضد قطاع غزة فيما بعد.
بالمقابل، فإن مواجهة العدو من قبل شعبنا ومقاومته اصطدمت ولا تزال باستحالة التفوق عليه عسكرياً، لذلك اعتمدت ما أثبتته تجارب كل حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية من حرب طويلة الأمد ضد الأعداء تكون قادرة على التأثير من خلال الخسارات الديموغرافية والاقتصادية التي تسببها بشكل دائم. وفي الحالة العربية، وبعد هزيمة حزيران عام 1967 اعتمدت مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ما سمّي ب حرب الاستنزاف التي أثّرت كثيراً على العدو «الإسرائيلي». 
استفادت حركات المقاومة الفلسطينية والعربية من تجربة مصر وتجارب حركات التحرر والتجارب العالمية بمحاولة الوصول مع العدو إلى حالة من توازن الردع التي تجبره على التفكير مراراً قبل قيامه بهجوم واسع على هذه المنطقة أو تلك.
في الحالة الفلسطينية، استطاعت فصائل المقاومة تحسين نوعية أسلحتها وأصبحت قادرة على التأثير على بعض مناطقه وشلّ الحركة فيها وهو ما يضرب استراتيجية الردع لديه، كما نظريته الأمنية. 
بالطبع، إن«إسرائيل» تمتلك قنابل نووية لكنها لا تستطيع استعمالها ضد الجوار العربي الملاصق لفلسطين المحتلة، لأن تأثيرات القنبلة فيما لو ضربت ستمتد لتطال كل المستوطنين اليهود على أرضنا المحتلة.
ندرك أن صراعنا مع العدو «الإسرائيلي» هو فريد من نوعه للأسباب التالية: نوعية العدو، فهو عدو احتلالي اقتلاعي فاشي وعنصري، وأن اغتصابه لأرضنا قام على تهجير ما يقل قليلا عن المليون من أهلنا. بمعنى آخر إنه لم يأخذ شكل الاستعمار العادي.هذا أولا. 
ثانيا، إن تضاريس فلسطين ليست كتضاريس فيتنام أو العراق لكن المقاومة قادرة على ابتكار أساليب المقاومة الموائمة لتضاريس بلدها، خذوا الطائرات الورقية وتأثيرها على العدو مثلاً. 
ثالثا، إن معركتنا مع العدو «الإسرائيلي» ليست فلسطينية الوجه فقط، بل هي متلاحمة مع عمقها القومي العربي. فخطر «إسرائيل» لا ولن يقتصر على الفلسطينيين فحسب وإنما على الأمة العربية بأكملها. 
رابعا، أن حقيقة المغتصبين لأرضنا ورغم مضي سبعين عاماً على إنشاء دويلتهم لم يشعروا بالأمن فيها في يوم من الأيام، ولذلك فإن معدلات الهجرة العكسية منها أكبر من معدلات الهجرة إليها. 
خامسا، أن دولة العدو ستظل محكومة بالتناقضات الإثنية فيها، التي تولّد بالضرورة تناقضات جديدة أخرى لم تكن في الحسبان. فالمشكلة الديموغرافية تتفاقم في دويلة الاحتلال. 
سادسا، إن مصير الأنظمة الفاشية والعنصرية كان وعلى مدار التاريخين القديم والحديث إلى زوال، و «إسرائيل» لن تكون استثناء من هذه القاعدة الحتمية. 
سابعا، الظروف متغيرة، ولن يبقى الوضع الفلسطيني ولا العربي كما هما عليه من ضعف وصراعات بينية. 
ثامنا، ثبت بالملموس أن شعبنا الفلسطيني ومن ورائه أمتنا العربية لن ينسى حقوقه بالتقادم، ورغم مرور قرن على نضاله فقد أثبت أنه ما زال يقاوم وسيظلّ يناضل حتى تحرير كامل أرضه المغتصبة ونيل كافة حقوقه. لكل هذه الأسباب، فإن قوة الردع «الإسرائيلي» تتبدّد.