Menu

الأسماك تهرب من البحر المتوسط !

حاتم استانبولي

لم تعتد أسماك المتوسط على هذا الضجيج الهائل لقرقعة محركات الأساطيل وحركتها الدائمة وهي تقضي على إمكانيات استمرار حياتها .

الحرب على سوريا ومعها، طال أرضها وسماءها وبحرها، وانتشرت شظاياها لتطال عمق القارة العجوز، فهناك بدأت الحكاية في الغرف المظلمة التي أعدت سيناريوهات تدمير آخر شكل للدولة الوطنية في المنطقة التي شكلت نموذجًا فريدًا من الاستقلالية الاقتصادية والسياسية، وكانت دمشق تظهر كل محاسنها وجمالها وتتلون بقدراتها الذاتية ولا أحد يملك مفاتيح أبوابها إلا أهلها .

دمشق كانت تأكل وتطعم من نتاجها، دمشق كانت تعالج ذاتها، دمشق كانت تغني قصائدها الوطنية، دمشق كانت تعانق القدس وبيروت بياسمينها .

كل هذا لم يرق لأعدائها، القريب منهم والبعيد، فاجتمعوا على أن يسلبوها حريتها باسم حريتهم، وعدالتها باسم عدالتهم، ومساواتها باسم مساواتهم. وساوموها على إبقائها خارج شرورهم إذا فكت أو سكتت عن نحر قدسها وبيروتها .

أبت، فأخرجوا خناجرهم وسيوفهم وعتادهم وأفكارهم السوداء لينقضوا عليها في حرب ضروس استخدموا فيها كل ما في جعبتهم لإنهاكها وخلع جذور ياسمينها، الذي يمتد ويتعانق في بيروتها مع ياسمين قدسها.

دمشق وبعد سنوات حولت حروبهم نقمة عليهم، الآن هم يحصدون نتاج أفعالهم .

دمشق حاصرتهم في عقر دارهم، وكشفت تآمرهم وكذبهم على شعوبهم، أرادوا أن يسلبوا دمشق حريتها فخسروا حريتهم، وبدأت الأعلام السوداء تجتاح مدنهم، لقد سقطت مشاعل حريتهم وعلت أعلام اليمين في مدنهم واعتلت شعاراتهم التي جمعت بين العنصرية والنازية وإسلامهم كخطر يهدد حريتهم، أليسوا هم من دعموا ومولوا إسلامهم وعقائد قطع الرؤوس وأكل الكبود وقصف دمشق وصنعاء وغزة.

أرادوا أن تكون لهم حريتهم المطلقة وأن يختاروا لدمشق حرية قاطعي الرؤوس وآكلي الكبود، فصدتهم دمشق بعبق ياسمينها وجمعت شرقها ليحميها من غربها وكانت محورًا لكشف كذبهم ومسحت بكفي زنوبيًا الرمال عن حقائقها التي حاصرتهم في عواصمهم وفككت منظوماتهم .

دمشق بشعبها الذي عانق شعوب المنطقة يقف اليوم أمام خداعهم وأساطيلهم ليؤكد أن الجولة الأخيرة هي جولة خلافًا لكل الجولات السابقة، فهي من اختارت زمانها ومكانها، وهم ينتظرون أفعالها ويضعون أسطوانة مشروخة لتنطلق صواريخهم على وقعها، هذه المعزوفة التي كشفتها دمشق وحلفاؤها، أصبحت من الماضي .

دمشق تعود لتقف من جديد من أجل تأكيد نموذجها، ولتقول: لولا قمحنا وقطننا وزيتنا ودواءنا وجامعاتنا وجيشنا، لما كانت دمشق تزهو بياسمينها وتعانق قدسها وبيروتها.

كما انتصرت دمشق لباديتها ولجبالها وسهولها ولفراتها ولعاصيها، فستنتصر دمشق لأسماك بحرها.