Menu

نحو استراتيجية تعيد ترميم قوة شعبنا في معركة المصير

اللجنة الثقافية لمنظمة الجبهة الشعبية/ فرع السجون

شكل انهيار المنظومة الاشتراكية أمام النظام الرأسمالي العالمي، انتصارا لسياسات ومفاهيم وقيم الثاني على حساب الأول، مما خدم الرأسمالية وساعدها على إعادة صياغة العالم وفق رؤيتها من جديد، فارضة اتجاهاتها ومصالحها على دول العالم والحركات الفاعلة فيها، فكانت عملية تفتيت وتدمير القضايا من أهم الممارسات التي تميزت بها تلك المرحلة، المستمرة في فرض أحكام الهيمنة والسيطرة على دول العالم وشعوبها، وتمثل اتفاقية أوسلو جزءًا من هذا السياق العام، ولكن في سياق فلسطيني.

تعتبر اتفاقية أوسلو حدثًا محوريًا في سياق تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، فقد اعتبرت مفصلا يؤرخ به ما قبل وما بعد، كعتبة انتقال لمرحلة تاريخية جديدة، حيث تضمنت هذه الاتفاقية تفريطاً بحقوق شعبنا وبنضالات منظمة التحرير وفصائلها الوطنية، وهذا التفريط أدى إلى انقسام عمودي وأفقي على المستوى السياسي، لم يكن له مثيل على مدار عقود النضال الوطني، فأصبح الانقسام الذي ولد مع أوسلو وليد انتصار العولمة يفعل فعله على مستوى الشعب، في تفكيك وتدمير للقضايا الرئيسية والجماعات والنقابات والاتحادات، ومحاولة اختلاق بدائل في مؤسسات تابعه للسلطة الناشئة حديثا ومهيمن عليها من قبلها.

 الخطير في الانقسام الذي تجلى حينها، في انقسام حركة التحرر الفلسطينية في مواجهة مستعمريها على مستويي الرؤية والممارسة، على الرغم من أن تجارب الشعوب التي خاضت نضالات ضد الاستعمار تُعلّمنا أن وحدة كل القوى التحررية شرط من شروط الانتصار، وهذا الانقسام والشرذمة لم يتوقف عند المستوى الفصائلي والسياسي، بل اتخذ طابعا مجتمعيا وجماهيريا، عمل عبر السلطة على تفكيك وضرب البنى والأطر الجماهيرية والمجتمعية المختلفة، من اتحادات طلابية ونقابية ونسوية، بغرض فرض إرادتها السياسية على الشعب وفصائله.

وبالتأكيد فإن هذا السلوك السياسي القمعي من قبل السلطة، خدمها في تدمير وتخريب كل معارضيها، لكنه حد من قدرتها على المستوى الاستراتيجي، وكذا تماسك البنية الاجتماعية، مما أدى إلى انكشاف ظهر المجتمع وخلوه من قوى اجتماعية سياسية جماهيرية قادرة على التصدي وحماية المجتمع أمام هذا المستعمر الصهيوني. أي بمعنى أن هذه السلطة فقدت ورقة ضغط رابحة كان من الممكن أن تديرها لصالحها في المفاوضات مع الإسرائيليين، وهذا ما نلاحظ نتائجه متمثلا في تهاوي خيارات أبو مازن الشعبية وضعف ووهن تأثيرها نتيجة ضعف المجتمع، مما جعل قدرته على المقاومة رهينة فريقه التفاوضي لا أكثر.

شكلت عملية تدمير المجتمع وتحطيمه وتفكيك بناه على مدى أكثر من عشرين عاما، أرضية ملامح المشروع الصهيوني المعادي، بما يعني فرض مشروع تصفوي للقضية الوطنية، مشروع يتجاوز اتفاقيات أوسلو وسياساتها، ويطمح لإنهاء الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق العودة وتقرير المصير و القدس ، والدفع لإيجاد حل لقطاع غزة ضمن صياغة إنسانية تكرّس فصله عن الضفة التي تمارس فيها عمليات القمع والطرد الممنهج والخطير، بسبب الافتقار إلى قوة المقاومة.

لقد بتنا أمام حالة انكشاف وعجز مجتمعي عن المواجهة في "المنطقة" الأخيرة والمفصلية، خاصة أن الساحة الرئيسية للصراع ستكون في القدس والمنطقة المسماة "سي" في الضفة تحديدا، لكن هل هذا يعني أن المشروع التصفوي الأمريكي سيمر؟  أم أن شعبنا مازال يمتلك مقومات المواجهة؟

 ربما تكون إجابة السؤال الأول مرتبطة تماما بتفعيل مقومات المواجهة في السؤال الثاني، تلك الإرادة الكامنة في وجود ستة ملايين فلسطيني في جغرافية فلسطين التاريخية، علاوة على وجود مقاومة في غزة تعزز من عوامل القوة لدينا، إضافة إلى إرث النضال الذي يختزنه الشعب وفصائله المهمشة في الضفة.

إن إرادة فلسطينية وطنية تتمسك بالحقوق التاريخية للشعب وترفض الحلول التصفوية المطروحة قادرة على تجميع القوى وفق القواسم المشتركة، وفي مقدمتها التصدي للمشروع التصفوي والأمريكي، فتوحيد القوى على قاعدة برنامج الحد الأدنى التوافقي من أشد المهام الآنية المطلوب تحققها، حتى يمكننا مواجهة أوسلو وتفكيكه والتصدي له وفق رؤية واستراتيجية نضال جديدتين قادرتين على توحيد وتحفيز إمكانيات قوى المجتمع الكامنة، وماعدا ذلك سنبقى ندور في فلك شبيه بذلك الذي علِقّنا فيه مع أوسلو، إن لم نندثر حتى، ومن المعروف أن وسائل أمس لم تعد تجدي نفعا، ومخطئ من  يكرر التجربة بذات الطرق والوسائل وذات النهج ويترقب رؤية نتائج مغايرة.