Menu

الكرامة والتبعية

حاتم استانبولي

الكرامة صفة مكتسبة للإنسان منذ مولده، يعبر عنها بأشكال ووسائل مختلفة منذ تشكل وعيه الاجتماعي الإنساني، وبذات الوقت تتشكل تبعية إنسانية لذويه، ومع تطور الوعي الإنساني ذات الطابع الاجتماعي تدخل التبعية في تعارض مع تطور الكيانية الفردية التي تحاول أن تجد لها مكانا وحيزًا في المحيط الاجتماعي (العائلة , المدرسة , الوسط الاجتماعي ).

ومع إدراك الإنسان لأهميته ووظيفته الاجتماعية يتشكل لديه حس بالكيانية التي تعني لغويًا الكرامة الفردية، وشرط تطورها يتطلب إدراك الأسرة لأهمية الحرية كخيار تقوم بتطويره لدى الطفل لكي تنخرط الكرامة الفردية بالمجتمعية وتصبح جزءًا من الكرامة الجمعية إن كانت أسرية أو فئوية أو دينية أو قومية والوصول لأعلى درجات وعيها، وهي الكرامة الوطنية.

ولكي تتحق الكرامة الوطنية يجب أن يشعر الجميع وبشكل حر إرادي أنها تعبر عن كراماتهم الجزئية، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بمجتمع قائم على أسس ديمقراطية تشكل الحرية والعدالة والمساواة والمشاركة أساسًا لوحدته المجتمعية الإنسانية.

الحرية تعني أن يكون لكل فرد وجماعة حرية التعبير عن آرائهم ولديهم الحق في ممارستها وهذا شرط مهم لتحقيق الحرية وهذا يؤسس مدخلًا للعدالة الاجتماعية التي بالضرورة أن تصاغ قوانينها الإنسانية على أساس احترام المساواة بين كافة مكونات المجتمع ولكي تتحقق المساواة، شرطها أن تكون هنالك مشاركة لأطياف المجتمع في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والتنفيذية والأمنية والإعلامية والثقافية. إذا تحقق ذلك فإن شروط الكرامة الوطنية تكون قد تحققت وشعر كل طيف أو تجمع أو اتجاه أنه جزء هام من هذا البناء الوطني، ويصبح الدفاع عن الكرامة الوطنية مصلحة جمعية للمجتمع.

أما التبعية، فإنها تتطور من خلال ثقافة تلغي دور الفرد في التفكير الحر والطوعي لتحديد خياراته الفكرية وإلزامه بفكرة موروثة تفرضها الثقافة الموروثة؛ وهذه تؤسس لبذور التبعية وتحصر حركتها في إطار الفكرة ذاتها. وهنا فإن أية محاولات للخروج منها تؤدي إلى جنوحٍ للتطرف، إمّا داخل مكونات الفكرة أو خارجها، وبالنتيجة فإن عقلية التبعية تبقى بالمظهر العام هي السائدة والخروج منها هو الاستثناء. وهذه تؤسس إلى تنامي النزعات الفئوية والمذهبية والقومية والعائلية والعشائرية على الشعور الجمعي بالكرامة الوطنية، ويصبح المجتمع من حيث الشكل متحدًا، لكن في المضمون مجتمعٌ متهالك مشرذم فاقد للحس الوطني الجمعي وفاقد لكرامته الوطنية الجمعية.

إذا كان العامل المقرر في تطور الكرامة الفردية هي الأسرة فإن العامل المقرر في تطور الكرامة الوطنية هو البناء الفوقي للدولة، بما يعنيه من سياسي واقتصادي وثقافي وقانوني. البناء الفوقي يُمكن أن يكون عاملًا إيجابيًا يساعد في تطوير الكرامة الوطنية عبر سياسات اقتصادية وثقافية وسياسية وتشريعية، تعزز استقلالية المجتمع وترفع من مستوى تطوره الجمعي ليشكل عاملًا يعمق الوحدة المجتمعية التي تعزز الكرامة الوطنية أو عاملًا معيقًا لتطور المجتمع ويحوله إلى مجتمعات وجزر تفصلها النزعات الدينية والمذهبية والإقليمية والطائفية، وتدخله في تعارض وتنازع بين مكوناته على أساس كرامة ودور الفئة أو الاتجاه أيًا كانت خلفيته. وفي خضم هذا الصراع تغيب الكرامة الوطنية الجامعة وتسود التبعية، داخلية كانت أم خارجية، يستعان بها لتعزيز الكرامة الفئوية.