Menu

محمد جوابرة يكتب .. الضمان الاجتماعي الفلسطيني (صراع على الحقوق الاجتماعية)

محمد جوابرة

حرام الضمان الاجتماعي.jpg

 في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد يعيشها شعبنا الفلسطيني سواء كان على صعيد استهداف القضية الوطنية الفلسطينية بمجملها تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً واستعصاء الأمل في التوصل إلى صيغ تنهي حالة الانقسام التي تفعل فعلها في كل مناحي الحياة الفلسطينية بكافة أبعادها التي يكتوي بنارها الأغلبية الساحقة من جماهير شعبنا من عمال وفلاحين وفقراء وعاطلين عن العمل حتى طالت ما يسمى بالطبقة الوسطى الآخذة بالانحدار نحو التآكل .

 ظهرت إشكالية دخول قانون  الضمان الاجتماعي الفلسطيني حيز التنفيذ . الذي مثل حلماً للعاملين في القطاع الخاص وخاصة تلك الشريحة الكبيرة من العاملين في المنشآت الصغيرة التي تمثل أكثر من 90% من المنشآت الاقتصادية الفلسطينية المحرومة من أبسط الحقوق الاجتماعية والتي تتعرض لانتهاكات متواصلة من قبل رأس المال الفلسطيني الذي يستغل ارتفاع معدلات البطالة واتساع نطاق الفقر . فيفرض شروطه على العاملين سواء فيما يتعلق بالأجور أو ظروف العمل أو الحقوق العمالية المنصوص عليها في قانون العمل الفلسطيني .

         ليس الهدف من المقالة الدفاع عن الضمان الاجتماعي الفلسطيني بصيغته الراهنة والتي جاءت في سياق تاريخي تراكمت فيه جملة من الأحداث والفعاليات بدءا بإقرار قانون التأمينات الاجتماعية رقم (3) لعام 2003م من قبل المجلس التشريعي آنذاك . وإلغاء هذا القانون من قبل رئيس السلطة الفلسطينية عام 2007م بناء على توصية وضغوط مارسها البنك الدولي .

ومن المفيد التذكير أن الهدف والدافع لدى الأوساط السياسية المتنفذة وكبار رأس المال الفلسطيني وخاصة البنكي منها وراء السعي لوجود صندوق ضمان اجتماعي هو الاستجابة لمتطلبات تحصيل الأموال المترصدة للعمال الفلسطينيين الذين عملوا وما زالوا يعملون في فلسطين المحتلة عام "48" (اسرائيل) والتي تقدر بمليارات الشواقل وهي عبارة عن مساهمات وخصومات تم خصمها من رواتب هؤلاء العمال منذ العام 1970م وحتى الآن وتحويلها إلى مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية دون حصولهم على أي منافع مقابلها .

فقد نبتت فكرة إنشاء صندوق ضمان اجتماعي فلسطيني من قبل الحكومة ورأس المال استجابة لما ورد في اتفاق باريس الاقتصادي واشتراط "الإسرائيليين" ضرورة وجود مؤسسة ضمان اجتماعي فلسطيني مقابل مؤسسة التأمين الوطني "الإسرائيلية". ورغم أن الجانب الإسرائيلي يقر بهذه الحقوق ولكنه يراوغ كعادته في تقدير هذه الأموال وآليات تحصيلها ومحاولة تحويلها إلى مادة ابتزاز سياسي وفقا للمنهج التفاوضي الذي ساد في كافة القضايا منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى الآن .

وعلى الرغم منذ ذلك تلاقت هذه الطموحات بضرورة  إنشاء صندوق ضمان اجتماعي مع الحاجة الحقيقية والملحة للعمال الفلسطينيين في القطاع الخاص الباحثين عن الحماية الاجتماعية في كافة المجالات – الشيخوخة – وإصابات العمل -  والأمومة -  والتأمين الصحي – والبطالة وغير ذلك من الاحتياجات . فكانوا على الدوام مطالبين بهذه الحقوق وتواقين للحصول عليها .

والسؤال المهم هنا  كيف تم التوصل إلى قانون الضمان الاجتماعي بصيغته الراهنة والمعمول به ( قرار بقانون رقم 19 لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي ) والذي  تم التوافق عليه بعد حراك واسع قادته الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي التي تضم ممثلين عن قطاعات واسعة من الاتحادات العمالية والنقابات والمؤسسات الأهلية والكتل البرلمانية في المجلس التشريعي .... وقد تم إجبار الحكومة على وقف العمل بصيغة القانون الذي سبق ذلك  والذي حاول تسويق قانون يحول الضمان الاجتماعي إلى شركة خاصة . وتم إدخال مجموعة من التعديلات .. اعتبر على أثرها ان القانون يمثل الحد الأدنى الذي يمكن التوافق عليه ويؤسس لبناء  ضمان اجتماعي يوفر الحماية الاجتماعية لعمالنا في القطاع الخاص ولكن ذلك يحتاج إلى متابعة وضغط متواصل وعمل من اجل التطوير باعتبار الضمان قضية نضالية تحتاج إلى فعل دائم .

-        خلال عام 2016 وعام 2017 و2018 تم تشكيل مجلس إدارة الصندوق برئاسة وزير العمل الفلسطيني الحالي .. ورغم بعض الملاحظات على مجلس الإدارة  واختيار الممثلين إلا أن  الهدف انصب نحو إخراج القانون إلى حيز التنفيذ .

        المشكلة القائمة حالياً حصلت بسبب إصدار وزير العمل قراراً بتاريخ 4/6/2018  حول تسوية مستحقات العاملين المنتسبين لصندوق الضمان تضمن ( احتساب مكافأة نهاية الخدمة على أساس شهر عن كل عام مع احتساب الكسور  ويعتبر فترة العمل متصلة للعامل ولا يجوز إجراء أي تغيير على وضعه القانوني)   وتم اعتبار ذلك ايجابياً لمصلحة العمال وتطبيقاً لقانون العمل . ولكن أصحاب العمل احتجوا على هذا القرار وهددوا بالانسحاب من مجلس إدارة الصندوق  فقام الوزير بسحب قراره وتحويل الموضوع إلى المحكمة الدستورية للبت فيه  .. واعتبر ذلك انصياع من قبل الوزير لصالح اصطحاب العمل .

      إن تسوية مكافأة نهاية الخدمة هو الحدث الرئيسي الذي أثار الخلاف والزوبعة الراهنة  ويضاف لها خلاف حول اللوائح التنفيذية التي تم إعداد قسم منها دون  إعلانها مسبقاً وإجراء نقاش وحوار حولها، علماً أن وزارة العمل  حمّلت ممثلي العمال في إدارة صندوق الضمان مسؤولية ذلك  .

لقد كان ملفتاً للانتباه المبادرة إلى إطلاق حملة لوقف العمل بقانون الضمان الاجتماعي  وإثارة جملة من التساؤلات والتحفظات على القانون  معروفة سابقاً  رغم أن قسم كبير مما نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحمل مغالطات عديدة تعكس عدم معرفة بتفاصيل القانون ..وأن الكثير ممن  تبنوا الحراك هم أصلاً شاركوا في الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي واطلعوا على تفاصيل المفاوضات التي تمت حتى بتنا لا نعرف من يتحمل مسؤولية ما حدث . رغم الإدراك بأن مخاوف وشكوك العاملين مشروعة ومحقة بحكم معطيات الواقع المعاش وسلوك السلطة والقضاء في العديد من القضايا وخاصة ما يتعلق بالحقوق النقابية والاجتماعية .

ولكن الأهم في كل ما يحدث  يمكن تلخيصه  بالتالي :-

1-    ضرب مكانة الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي التي قادت حراكاً اجتماعياً مثل نموذجاً يجب الحفاظ والبناء عليه .

2-    نقل الصراع والخلاف في القضايا المتعلقة بالضمان الاجتماعي التي تحتاج إلى عمل دؤوب ومتواصل بين العمال أنفسهم  . رغم أن جذر الخلاف والصراع مع رأس المال الذي هدد أكثر من مرة بالانسحاب وتعطيل مسار بناء مؤسسة الضمان الاجتماعي .

3-    وضع كل موضوع الضمان الاجتماعي في مهب الريح وهذا مطلب لرأس المال والبنك الدولي .

       أما المطلوب راهناً فهو استيعاب كافة التظلمات والمخاوف المثارة كحق مشروع للعاملين وصياغة آليات عمل موحدة لكافة الجهات والمكونات المعنية بالموضوع لتحديد الأولويات المطلوب تنفيذها والنضال من أجلها ووضع خطة عمل وبرنامج طويل المدى  بعيداً عن كافة التدخلات وبما يصب في خدمة كافة العاملين فجهنم مبلطة بالنوايا الحسنة  .

وأرى أن الأولوية تكمن في وضع الضمان الاجتماعي على سكة التنفيذ والضغط لتنفيذ قرار وزير العمل رئيس مجلس إدارة صندوق الضمان الصادر بتاريخ 4/6/2018 بخصوص احتساب مكافأة نهاية الخدمة للمنتسبين للصندوق وإتاحة المجال للحوار حول اللوائح التنفيذية.

ومن المفيد التنويه هنا أن المنافع التي ستدخل حيز التنفيذ مباشرة من الصندوق تصب في مصلحة العاملين المنتسبين وهي :-

1-    منافع الأمومة

2-    منافع تأمينات إصابات العمل

3-    منافع الوفاة الطبيعية

وهذا يعني أن القضايا الأخرى التي تحتاج إلى تعديلات مثل نسب المساهمات فيما يتعلق بمنافع الشيخوخة والعجز والوفاة الطبيعية واحتساب الراتب التقاعدي وغيرها من القضايا المحقة فإنها تحتاج إلى برنامج عمل نضالي متواصل حيث يصر رأس المال الفلسطيني على رفضه لتعديلها ويهدد بالانقضاض على كل منظومة الضمان الاجتماعي ، علماً أن بعض المطالب التي يجري الحديث عنها لا تصب في خدمة العمال وخاصة اختيارية الانتساب للضمان  . فإذا كانت كل هذه الأنظمة والقوانين يجرى التحايل عليها من قبل أصحاب العمل فمن سيلزمهم بالضمان.