Menu

عين الحلوة: من مخيم للعودة إلى مخيم للهجرة..!!

بيروت _ خاص بوابة الهدف _ انتصار الدّنّان

أنشئ مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، بالعام 1948، بهدف إيواء الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من الأراضي الفلسطينية التي جرى احتلالها في ذاك العام، بانتظار عودتهم إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم التي شُرّدوا منها غصبًا. ويقع المخيم على مساحة لا تتعدى كيلو متر مربع واحد، أنشئ على بعد 3 كم جنوب شرقي مدينة صيدا.

في البداية سكن اللاجئون الفلسطينيون الخيامَ، حتى العام 1959، وكان حينها عددهم زهاءَ 15 ألف فلسطيني. بعد ذلك التاريخ بدأ اللاجئون ببناء مساكن إسمنتية، بمساعدة وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

بمرور السنوات تزايد عدد الفلسطينيين في المخيم، حتى وصل في العام 2017، وفق إحصائية غير رسمية إلى حوالي 130 ألف نسمة، يعيشون في وضع اقتصادي سيء للغاية، بسبب سياسة الدولة اللبنانية التي تحرم الفلسطينيين من الحقوق المدنية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اللاجئ الفلسطيني في لبنان ممنوعٌ من ممارسة أكثر من 70 مهنة، الأمر الذي ساهم برفع مُعدّلات البطالة لنسب عالية جدًا. كما يُعاني الفلسطينيون من أوضاع معيشية قاسية في مختلف مجالات الحياة، تردّي الحالة الاقتصادية وأزمة المسكن.

سوء وتدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية في مخيّم عين الحلوة، وغياب دور ومسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية فيه، كما المؤسسات الرسمية الفلسطينية، والخلافات الفصائلية المستمرة التي تتدحرج في كثيرٍ من الأحيان إلى مواجهات عسكرية، تُكلّف أهل المخيم الكثير من الأرواح والممتلكات، بالإضافة إلى تطويق المخيم بالحواجز والجدران والبوابات من قبل الدولة اللبنانية، وعزل الفلسطينيين بحرمانهم من حق العمل والتملك، يترافق معه تقليص (الأونروا) لخدماتها المُقدّمة للاجئين الفلسطينيين، كل هذا شكّلَ جواً ضاغطاً، دفع بعض الفلسطينيين لبيع بيوتهم والهجرة خارج لبنان.

بيوتٌ باتت خالية من سكانها، ومحال عديدة معروضة للبيع أو للإيجار، وهذا الأمر يحدث للمرة الأولى منذ إنشاء المخيم، إذ باتت "ظاهرة الهجرة" تتّسع وتشمل مزيدًا من الأهالي، بحثًا عن ظروف حياة أفضل وفرصة لنيل الحقوق التي تضمن لهم عيشًا كريمًا.

إحصائيات غير رسمية أظهرت مُؤخرًا تقلّص عدد سكان المخيم إلى نحو 70 ألف نسمة، بعد أن فرغ المخيم أيضًا من الفلسطينيين النازحين من مخيمات سوريا، وتحديدًا مخيم اليرموك.

عضو لجنة تجّار مخيم عين الحلوة أبو زين، قال لـ "بوابة الهدف" إنّ المخيم يشهد هجرة كبيرة، ولأول مرة في تاريخ المخيم نرى بيوتًا غير مأهولة بالسكان، ومحال فارغة؛ وهذا بفعل تراجع الوضع الاقتصادي في المخيم المرتبط بوضع المنطقة ككل.

مخيم عين الحلوة الذي وصفه أبو زين بأنّه "الشريان الذي يضخّ الدم إلى مدينة صيدا والجوار" يُعاني كذلك من تأثيرات الأوضاع الأمنية المُتردّية، والتي تحدّ من توافد الأفراد من فلسطينيين ولبنانيين إليه لغرض التسوّق، رغم الجودة العالية والأسعار المنخفضة التي تتميّز بها البضائع في المخيم.

سببٌ آخر للهجرة تحدّث عنه عضو لجنة تجار المخيم، وهو البطالة التي تتفشّى بين المواطنين، سيّما العمّال، بسبب منع دخول مواد البناء. وقال أبو زين "تُوجد حوالي 400 عائلة في عين الحلوة تنوي الهجرة، وتعرض بيوتها للبيع".

الشاب محمد غسان إسماعيل (27) عامًا، الذي أنهي دراسته الجامعية بتخصّص إدارة الأعمال، يعمل حاليًا ببيع الطيور، بعد أن يئِس من البحث عن فرصة عمل في مجاله، بسبب القوانين التي تفرضها الدولة اللبنانية، والتي تحرم الفلسطينيين من العمل في مثل هذه المهن.

قال لـ "بوابة الهدف" لقد "مللنا الحياة في لبنان، فنحن نعيش في سجن كبير في المخيم، مطوقٌ بجدارٍ يشبه ذاك الجدار الذي بناه الصهاينة، وببوابات تُفتح وتُغلَق عند الدخول والخروج، من وإلى المخيم".

وتابع الشاب إسماعيل "أهم سبب للهجرة هو تدهور الوضع الاقتصادي المرتبط بالوضع الأمني، وكذلك التضييق الذي تٌمارسه الدولة اللبنانية بحق الفلسطينيين على مداخل المخيم، من خلال حواجز الجيش اللبناني المدعوم بعناصر من المخابرات".

وحول سياسة الحرمان من العمل قال "إنّ جميع حملة الشهادات الجامعية ممنوعون من العمل، وكذلك الحق في التملّك، وكل هذا بحجّة عدم التوطين، وهي حجج واهية، لا هدف لها إلا إذلال الشعب الفلسطيني وخنقه حتى يترك لبنان ويُهاجر منها".

مسؤول الجبهة الشعبية في منطقة صيدا، أبو علي حمدان، أكّد الحديث الدائر عن اتساع ظاهرة الهجرة، وبيع العديد من العائلات بيوتها من أجل تأمين مبلغ من المال بهدف الهجرة من لبنان.

وأرجع حمدان السبب إلى "تردّي الوضع الأمني في المخيم، وانعدام الأمان في الكثير من المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتضييق في شتّى الأمور الحياتية، وغياب دور منظمة التحرير الفلسطينية التي قبلت التفاوض مع العدو الصهيوني منذ حوالي 25 سنة، على الحقوق الفلسطينية ومنها حق العودة".

وقال إنّ عددًا كبيرًا من الفلسطينيين هاجروا من مخيّمات: عين الحلوة وبرج البراجنة وشمال لبنان. وتحدّث عن "سماسرة مدعومين من جهات رسمية، يسعون لتسهيل هجرة الفلسطينيين من المخيمات"، وأضاف أنّ "بعض الدول العربية تساهم كذلك في موضوع الهجرة، إذ تفتح أبواب سفاراتها بحجّة "مساعدة" الفلسطينيين، بشكل مباشر أو غير مباشر".

وتُؤكّد الجبهة الشعبية أنّ هجرة الفلسطينيين من مخيمات اللجوء تضرب حق العودة، بحسب حمدان، الذي طالب الجهات السياسية بتأمين مقوّمات الصمود لوقف هذه الظاهرة والتصدي لها، لما لها من أبعاد خطيرة مستقبلًا على حق العودة والقضية الفلسطينية برمّتها.

الفلسطينيّون اليوم، وبعد أنّ هُجّروا غصبًا قبل 7 عقود، يصطدمون بحائط "الحل الوحيد"- في نظرهم- للخلاص من مآسٍ حياتيّة لا حصر لها ولا نهايةَ، فقد اختلفت أسبابُها وتباين مُسببوها، ولا يبدو أنّها ستُحلّ في وقتٍ قريب، ليُصبح المُخيم الذي أنشئ لإيواء اللاجئين لحين عودتهم لفلسطين، ممرًا إجباريًا يدفعهم للهجرة (مُجددًا) بعيدًا عن الوطن.