Menu

غسان أبو حطب يكتب لـ "الهدف".. "هجرة الشباب الفلسطيني في الأسيقة المُستعمرة"

غسان أبو حطب

صورة تعبيرية

خاص بوابة الهدف

الهجرة من منظور سيسيولوجي:

يمكن القول بأن سيسيولوجيا الهجرة هي وليدة مدرسة شيكاغو، من خلال الأعمال الجنينية التي أنتجت ما بين 1910 و 1940- تحديدا في الفترة التي امتدت ما بين الحربين العالميتين- وهي أعمال أمبريقية بالأساس، كان ميدانها البحثي الولايات المتحدة الأمريكية. فقد ركزت مدرسة شيكاغو خلال هذه الفترة على دراسة العلاقات المعقدة التي تربط بين الناس في عالم متحول تحت تأثير إفرازات التصنيع، التحضر والهجرة.

إن ظاهرة الهجرة فرضت نفسها على علماء الاجتماع كموضوع للتناول والتحليل السوسيولوجي بعدما كانت تحتكرها حقول معرفية أخرى والتي اشتغلت على الهجرة كظاهرة هي الجغرافيا البشرية؛ وبعد ذلك الديموغرافيا التي كانت تقوم بما يمكن أن نسميه بالإحصاء الوصفي، مثلا: محاولة ضبط ما يسمى باللغة الديموغرافية بالرصيد الهجري، أي الفرق ما بين عدد النازحين وعدد الوافدين في مكان معين؛ ثم أيضا مقاربة الجغرافيين الذين حاولوا أن يرصدوا توزع المهاجرين في بلد الوصول وأيضا في بلد الانطلاق؛ نجد أيضا اللسانيين الذين حاولوا الاشتغال حول مدى تملك أو احتفاظ المهاجرين بلغتهم الأصلية، سواء تعلق الأمر في حديثهم بين أبناء جيلهم المهاجر أو بين أعضاء أسرتهم؛ ثم أيضا مقاربة العلوم السياسية التي حاولت أن تشتغل على مسألة مهمة وهي ظهور ما يمكن أن نسميه بالنخب السياسية المهاجرة.

أما فيما يخص المقاربة السوسيولوجية لظاهرة الهجرة فإن: "عالم الاجتماع يسعى لإبراز الدوافع غير الاقتصادية للهجرة وموضعة هذه الظاهرة في إطار الكل الاجتماعي الذي توجد فيه... بدأ علماء الاجتماع يهتمون بظاهرة هجرة السكان (خصوصا الهجرة من البوادي إلى المدن) مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وذلك نظراً لاتساع هذه الظاهرة وما بدأ ينجم عنها من مشاكل اجتماعية ( أزمة السكن، التضخم الحضري، الاندماج، الانحراف...)، ولقد كانت هذه المشاكل مرتبطة بمتطلبات ظهور وانتشار الظاهرة الصناعية، وما بدأ يتطلبه المجتمع الصناعي الناشئ من يد عاملة عجزت المراكز الحضرية القديمة عن توفيرها، ولذلك كانت الهجرات الداخلية مرتبطة في الدول الأوربية آنذاك بالعمل الصناعي، لتصبح فيما بعد العامل الديناميكي في تكوين سكان المدن، وفي هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية ستصبح ظاهرة الهجرة الداخلية تستقطب اهتمام العديد من الدارسين من مختلف التخصصات.

كما أولى الباحثون والدارسون اهتماماً متميزاً بدراسة ظاهرة الهجرة الخارجية، من حيث المحركات والدوافع والآثار والنتائج، والسيرورات والمآلات.
من جهة التحليل السوسيولوجي لظاهرة الهجرة، يرى بأن الظاهرة ترتبط بالأبعاد التالية:

  • ضغوط البيئة و ما يصاحبها من تفكك في قواعد الضبط الاجتماعي والروابط الاجتماعية، وينعكس ذلك ميدانياً في صورة أن المهاجرين ولا سيما غير الشرعيين يعيشون في بيئات اجتماعية منخفضة المستويين الاقتصادي و الاجتماعي.
  • اختلال التوازن بين الوسائل و الأهداف المتاحة، لجهة القدرة على تحقيق هذه الأهداف بالطرق المشروعة فالمجتمع يؤدي في حالات متعددة إلى حدوث الاضطرابات ما يؤدي بدوره إلى إضعاف التماسك والتساند الاجتماعيين وبالتالي ظهور انزلاقات.

وعليه يمكن تصنيف الهجرة وفق نظرية "دوركايم" إلى ثلاثة أنواع:

  1. الهجرة السريـة وكونهـا انتحـار أنـاني: ويحدث هـذا السلـوك بسبب النزعـة الفرديـة المتطرفـة أو انفصال الفرد عن الثقافة التي يعيش فيها، وينشأ هذا النوع من السلوك نتيجة ضعف درجة التضامن الاجتماعي داخل المجتمع، حيث لا يجد المهاجر السري من يسانده عندما تحل به أية مشكلة وبذلك تصبح الهجرة السرية من الاستراتيجيات الحيوية التي يحددها لنفسه.
  2. الهجرة السرية وكونها انتحار إيثاري: وتحدث هذه الحالة عندما يكون الفرد مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بجماعات أو أشخاص متشبعين بفكرة الهجرة غير الشرعية.
  3. الهجرة السرية وكونها انتحار أنومي (لا معياري): تحدث الهجرة السرية في هذه الحالة عندما:
  • تنحل النظم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية في المجتمع.
  • تضطرب الحياة السياسية والاقتصادية في المجتمع.
  • تحصل هوّة ثقافية تفصل بين الأهداف وبين الوسائل، بين الطموح الشخصي وما هو متوفر فعلاً.

وبالنتيجة تخلُص نظرية دوركايم في تفسيرها لظاهرة الهجرة السرية إلى أن المهاجر السري يشعر بأنه غير قادر على الوصول إلى الوسائل المشروعة لتحقيق الأهداف التي وضعها المجتمع لأفراده، بسبب عدم توافر الفرص الوظيفية أو لأنه لا يستطيع الاندماج في الثقافة المجتمعية فيجبر على الانسحاب، وهذا الموقف يعتبر نمط من أنماط عدم المعيارية، المتمثلة بالتالي:

  • مخالفة القيم و المعايير: التي يشترك فيها غالبية الناس في المجتمع، وفي هذا الصدد تفسر الهجرة السرية على أساس أنها سلوك منحرف، وبذلك يقوم المجتمع بإضفاء صفة الانحراف على المهاجر السري.
  • التقليد: حيث أن الهجرة السرية تنشأ بتأثير نموذج يحتذى به، و تلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً في تحريك الدوافع الذاتية، حيث أن الفرد الذي يملك استعداداً للهجرة يندفع بقوة التقليد نحو ممارسة هذا السلوك.

المقاربة الاثنوجرافية: وليام إسحاق طوماس:

إن الحديث عن طوماس في تاريخ علم الاجتماع ومدرسة شيكاغو بالخصوص، هو حديث عن الأب الروحي والمؤسس لسيسيولوجيا الهجرة والتحضر، وذلك من خلال القطيعة التي أقامها مع منطق البحوث المكتبية وقيامه بأول بحث ميداني بمعية صديقة فلوريان زنانيكي حول "الفلاح البولوني في أوربا وأمريكا" ابتداء من سنة 1908، وتم نشرها ما بين سنة 1918-1920، وكانت الغاية منها هي معرفة السلوكيات الغريبة والمتناقضة للمهاجرين البولونيين في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ترتب عنها مشكلة اجتماعية.

تتطرق الدراسة إلى الوصول لفهم "وضعية الفلاحين البولونيين في موطنهم الأصلي ثم وضعيتهم بعد هجرتهم لأمريكا، ومحاولة التعرف على نمط عيشهم في بولونيا ثم ما طرأ من تغير على نمط العيش هذا بعد هجرتهم إلى أمريكا... وهذا ما استدعي دراسة هذه الفئة من المهاجرين في مكان انطلاقهم وفي مكان الوصول، ومحاولة رصد أنماط وأشكال التفاعل والعلاقات التي ينسجونها فيما بينهم بعد الهجرة، ومع المهاجرين المنتمين لمختلف الأعراق والأجناس الأخرى، وهذا ما يستدعي بالضرورة التطرق إلى موضوع الاندماج أو الانصهار، ومسألة القيم والمعايير الاجتماعية ومظاهر سوء التنظيم الاجتماعي، وإعادة تنظيم.

المقاربة الإيكولوجية: روبرت إزرا بارك.

لقد أسس بارك مقاربته في تناوله لموضوع الهجرة، على مفهومين أساسيين ينتميان في الأصل لحقل الإيكولوجيا، وسيعتبر بارك الهجرة الإنسانية طبيعية كما هي هجرة النباتات والحيوانات، وبالتالي سيؤكد على أن ظاهرة الهجرة الإنسانية قابلة للدراسة والتناول العلمي.

وقد وظف بارك مفهوم التغير الاجتماعي في علاقته بخاصية التنقل الإنساني في المجال، حيث يعتبر أن التغير الاجتماعي وسوء التنظيم الاجتماعي يتم قياسهما بمدى تأثير تنقل الإنسان في المجال، كما يعتبر مفهوم الحراك مناقضاً للانكماش والعزلة، حيث أنه يصبح عنصراً بانياً للمقارنة الاجتماعية بين العوالم المختلفة، وعاملاً مزوداً بخبرات وتجارب تغني التجربة الشخصية للأفراد: "إن الحراك بهذا المعنى مفهوم أوسع من الهجرة، فإذا كانت الهجرة تعني وتشير أساساً إلى الانتقال في المجال، فإن الحراك يعني بالإضافة لذلك تغيراً على مستوى الإدراك والتربية، إنه بهذا المعنى تغير مجالي متبوع ومحايث لتغير ذهني وفكري أيضاً، قد يتم في إطار تنظيم اجتماعي سوي أو في إطار تنظيم اجتماعي متفكك".

وبالتالي فظاهرة الهجرة حسب بارك وخصوصاً الهجرة من البادية نحو المدينة هي مؤشر على التقدم والتحول والانتقال من وسط طبيعي إلى وسط ثقافي، منطلقاً من فرضية تعزز هذا التحليل، مفادها: "إن المدينة هي السكن الطبيعي للإنسان المتحضر، وهذا ما جعله ينظر إلى الفلاح المهاجر للمدينة كفلاح نموذجي عندما يتخلى عن العادات والتقاليد والأعراف الخاصة بمجتمعه، مقابل أن يصبح سيد نفسه من خلال عملية "الانصهار" (assimilation) عبر الانتساب إلى القيم والتقاليد والعادات الحضرية، فبدل أن يصبح هذا الفلاح المهاجر مشكلاً اجتماعياً بالمدينة، يتحول إلى فرد مندمج بالمجتمع الحضري عبر دخوله في نسق من التفاعلات والسيرورات الاجتماعية .

السياقات المعرفية لدراسة الشباب:

هناك مجموعة من المقاربات النظرية التي شكلت سياقاً معرفياً لتوجيه البحوث والدراسات التي موضوعها الشباب، ولأغراض موضوع ورقتنا سنركز على ثلاث مقاربات نظرية وهي:

  1. مقاربة حقوق الشباب:

وتتمثل أهمية هذه المقاربة في أنها غيرت على نحو يكاد يكون جذرياً في التعامل مع الشباب من كونهم ذوي مشكلات، وأنهم في حد ذاتهم بتصرفاتهم وأفعالهم مشكلة، إلى اعتبارهم أصحاب حقوق من الضروري أن تلبي وأن تصان، وهو ما دفع في تجاه بلورة حقوقهم في التعليم الراقي النوعية، والعمل اللائق والمشاركة السياسية، وتكوين الأسرة.

  1. مقاربة التنمية البشرية :

يمكن تلخيص أبرز أبعاد مقاربة التنمية البشرية في المحاور التالية:

  • محور التعليم :

ينصب الاهتمام في هذا المحور على موضوعات: الحق في التعليم ونوعية التعليم وسوق العمل.

  • محور الصحة والصحة الانجابية:

ويتركز الاهتمام هنا على الجوانب المتعلقة بالمعلومات والسلوكيات والحاجة إلى الخدمات، وكذلك بعض الممارسات والعادات ذات البعد الثقافي والاجتماعي (التمييز بين الجنسين والزواج المبكر... الخ).

  • محور السلوكيات الخطرة بين الشباب:

ويتناول العادات والسلوكيات بين الشباب كالتدخين واستهلاك الكحول والمخدرات والعنف والجنوح ...الخ .

د. محور العمل والنشاط الاقتصادي:

ويتناول معدلات النشاط الاقتصادي والبطالة بين الشباب، وعلاقة التعليم بسوق العمل والتعليم المهني، والمشروعات المنتجة، وبرامج الإقراض، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في النشاط الاقتصادي للشباب.

هـ. محور الخيارات:

ويركز على توسيع خيارات الشباب في المشاركة الاقتصادية والاجتماعية، وهو محور يقترب إلى حد واضح من تمكين الشباب.

  1. مقاربة الصراع الثقافي :

أعيد اكتشاف هذه المقاربة والتأكيد عليها في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وخاصة مع بروز تبعات وتوابع العولمة وما ارتبط بها من ردود فعل ثقافية، وتنامي رد الفعل عليها، وتزايد الصدمات وأعمال العنف عن كره الأخر، والاحتكاك بين مواطني البلدان المستقبلة للعمالة المهاجرة والعمال المهاجرين، الأمر الذي أدي إلى ازدهار الدراسات الشبابية المطلقة من تصورات ومنظورات مركزية أوروبية وأمريكية، باعتبار هذه البلدان هي الفاعل الرئيسي في تيار العولمة، وذلك لفهم ما يعتبر ثقافات أو حالات اجتماعية أخري، وعموماً فقد انطلقت تلك المقاربة من قضيتين نظريتين أساسيتين:

الأولى :

تؤكد وحدة الإنسان في خصائصه الأساسية من النواحي العقلية والنفسية والوجدانية والفيسيولوجية، واشتراك جميع المجتمعات في أساسيات الهياكل المؤسسية وبعض الأدوار الرئيسية (العائلة والمدرسة على سبيل التخصيص).

الثانية :

وترى العولمة بآلياتها ونتائجها إطاراً وسياقاً عاماً موحداً لتطور المجتمعات، وحتى وإن اختلفت بعض المجتمعات في موقعها من العولمة وفي ردود فعلها عليها، إلا أن آليات العولمة قادرة على اختراق الحدود الوطنية يساعدها في ذلك ثورة الاتصال ووسائل الإعلام الجماهيرية بما يمكنها من التأثير أو حتى خلق سلوكيات ومفاهيم عابرة للقوميات في بعض أوساط المراهقين والشباب، الأمر الذي يجعل الإشكاليات المعاصرة للشباب حاضرة كعنصر داخلي في المجتمعات بشكل عام.

واقع الشباب الفلسطيني:

تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة هبة ديموغرافية، عمودها الفقري هو الشباب, وبالتالي يعتبر الشباب في كل المجتمعات الركيزة الأولى في نهضتها ورقيها, ذلك لما يتمتع به الشباب من طاقات كبيرة وحيوية قادرة على الإبداع والتأثير الكبير على الطابع العام للحياة، فكلما ارتفعت نسبة الشباب والبالغين في المجتمع كلما طرأ التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فهم أكثر فئة يقع على عاتقها التنمية والنهضة في المجتمع بشكل شامل، لكن هذه الفرصة التنموية التي يتيحها ازدياد فئة الشباب مرهون باعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية تنطلق من إحداث عملية تنموية مستدامة تؤمن شروط الأمن الإنساني بأبعاده المتكاملة، ذلك أن هشاشة الأمن الإنساني تمثل أحد أبرز مفاعيل رفع وتيرة الهجرة عموماً وهجرة الشباب خصوصاً، ويمثل غياب هذه السياسات هدراً تاريخيًا لتلك الإمكانية؛ لأن النافذة الديموغرافية إذا لم يُحسن استثمارها في عملية التنمية البشرية المستدامة، ستصل إلى مرحلة انغلاق، وتهدر معها فرصة التنمية الاحتمالية.

وينشأ التوتر في العلاقة بين العرض الديموغرافي وعملية التنمية المستدامة في عدم تلبية تلك العملية لحاجات هذا العدد الكبير من الشباب، ليس على مستوى التشغيل فحسب، بل على مستوى الحاجات المواطنية للشباب، في ظل هيمنة النظم التسلطية السياسية وتقليص ما هو جوهري في عمليات التنمية (الفرص والخيارات)، أي التمكين من الحرية التكوينية والأداتية. فالتنمية في السياقات الاستعمارية تمثل أداة للنضال بما أنها مشروع تحرري يركز على مرافقة الانتقال الديموغرافي لعمليات انتقال ديموقراطي مؤسسي قائم على فهم التنمية بوصفها حرية، أي حرية أن يمتلك الشباب ذاته، وأن يكون صوته مسموعاً.

لا يزال المجتمع الفلسطيني في مقدمة المجتمعات المرسلة للهجرة، ويمثل الشباب الفلسطيني من الفئة العمرية (15-29 عاماً) نحو 30% من إجمالي السكان الفلسطينيين، وتقدر نسبة الشباب المهاجرين بثلاثة أخماس المهاجرين.

ويختلف مفهوم الشباب طبقاً لاختلاف الجانب العلمي الذي ننظر منه نحو الشباب، فعلى سبيل المثال يرى علماء الاجتماع أن فترة الشباب تبدأ عندما يحاول المجتمع تأهيل الفرد لكي يحتل مكانة اجتماعية، وتنتهي عندما يتمكن الفرد من احتلال هذه المكانة، بينما يربط علماء النفس وعلماء النفس الاجتماعي بداية ونهاية مرحلة الشباب باكتمال البناء الدافعي للفرد، وذلك في ضوء استعداداته واحتياجاته الأساسية على المستوى الوجداني والإدراكي والتقويمي.

فقد عرّفت الأمم المتحدة أن مرحلة الشباب تبدأ من عمر 15-24 سنة، وتعريف البنك الدولي ما بين عمر (15-25 عاماً) وبعض التعريفات الأخرى التي حددت الشباب ما بين (15-35 عاماً)، وبعض التعريفات أوصلت الشباب إلى سن 39عاماً، وقد اعتمد هنا التعريف العمري للمؤشر العربي الواقع ما بين (18-35 عاماً).

رغم أن هذه الفئة العمرية تشمل شريحة هامة من الطلاب الذين يصنفون كأفراد خارج القوى العاملة، إلا أنها تبقى الفئة التي ستخوض غمار مرحلة الانتقال إلى الحياة المهنية، وما يترتب على ذلك من مشاق ومصاعب إذ أن هناك عدد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على هذا الانتقال، أهمها التمييز والمعوقات الاجتماعية والاتجاهات الدورية والهيكلية للاقتصاد، وندرة فرص العمالة اللائقة، والعمل الجبري، وممارسة الأعمال الخطيرة، والفقر المدقع.

بلغ عدد السكان الفلسطينيين العاطلين عن العمل في عمر (15) سنة فأكثر (328.9.9) ويشكلون ما نسبته30% من مجموع السكان الفلسطينيين النشيطيين اقتصادياً لنفس الفئة العمرية . وبلغ عدد الذكور العاطلين عن العمل في العمر 15سنة فأكثر (243,545) فرداً، ويشكلون مانسبته 24.4%من مجمل الذكور النشيطيين اقتصادياً لنفس الفئة العمرية، فيما بلغ عدد الإناث في العمر 15 سنة فأكثر والعاطلات عن العمل (85,364) أنثى، ويشكلن ما نسبته 40.1% من مجمل الإناث النشيطات اقتصادياً لنفس الفئة العمرية، كما وأشارت النتائج إلى أن أعلى نسبة للبطالة كانت في قطاع غزة، وخاصة في محافظة رفح إذ بلغت 58.1% ، في حين كانت أقل نسبة بطالة في محافظتي رام الله والبيرة، حيث بلغت8.5% (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2017: ص37).

وتمثلت أبرز خصائص البطالة بإرتفاعها الكبير بين صفوف الشباب المنتمين للفئة العمرية 15-24عاماً، وتحديداً خريجي الجامعات، حيث ارتفع معدل البطالة داخل صفوف الشباب من 48.6% عام 2007م إلى 57.2% عام 2013، و64.4% عام 2014 لتصل في الربع الأول من عام 2018م إلى 49.1% (العجلة,2016: ص 6-7).

وبالتالي نجد أن البطالة قد أصابت جميع الشباب سواء المتعلمين أو غير المتعلمين, والتي خلقت العديد من الآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخطيرة، فإنتشار البطالة في أي دولة كفيل بأن يهدد استقرارها السياسي وترابطها الاجتماعي, فكيف بالحالة الفلسطينية والتي تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي, والتشرذم الاجتماعي والانهيار الاقتصادي, بفعل سياسات وممارسات الاستعمار من جهة، وسوء الإدارة الذاتية والمعبر عنها بتمظهرات الانقسام المتنوعة أفقياً والمتراكمة عمودياً، من جهة أخرى، وعليه في ظل هذه الحالة المزرية يشعر الشباب بالإحباط نتيجة البطالة والتي تصيب الشباب بمشكلات القلق والتوتر والإحساس بالدونية والعدوانية، واليأس والعجز لعدم إشباع احتياجاتهم، وعجزهم عن القيام بأدوارهم الاجتماعية، مما يؤثر على علاقتهم بالأسرة والمحيطين بهم، بالإضافة إلى إغراق المجتمع بنتائج كارثية كإنتشار القيم غير المرغوبة، فضلاً عن ظهور العديد من الأمراض والظواهر الاجتماعية المرضية إلى جانب انتشار الفوضى والتطرف الديني.

هجرة الشباب الفلسطيني الأسباب والتداعيات:

أظهرت نتائج مركز الإحصاء الفلسطيني أن 24% من الشباب في فلسطين لديهم الرغبة للهجرة إلى الخارج، بواقع 37% في قطاع غزة (نحو ربع الشباب)؛ وذلك في ظل الأوضاع السائدة وارتفاع معدلات البطالة والفقر وبخاصة في قطاع غزة، فكما نعلم إذا اجتمع الثالوث الخطير (الفقر، البطالة، الجهل) فمن شأنه أن يخلق مبررات للهجرة. وهذا ما يؤكد بأن الهجرة ظاهرة لا تفرزها عملية التنشئة الاجتماعية، أي أن الفرد لا يتربى على أن يكون مهاجراً، بل لأن المجتمعات لا تستطيع أن تستمر في وجودها وتطورها وتواصلها مع بعضها البعض، وبالتالي الهجرة ظاهرة فرضتها وأفرزتها التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فقد أظهرت نتائج مركز الإحصاء الفلسطيني أن الهجرة يعود معظمها للأسباب الاقتصادية، حيث أفاد 41% من الشباب الذين يرغبون بالهجرة إلى الخارج بالسعي إلى تحسين ظروف المعيشة، و15% لعدم توفر فرص العمل في فلسطين (رام الله الاخباري، 2018).

وبالتالي كان للمجتمع الفلسطيني نصيب بأن تتفشى فيه ظاهرة الهجرة إلى الخارج وتحديداً هجرة الشباب التي شهدت تدفقاً لجيل الشباب وبشكل متصاعد، مما دفع بتساؤلات كثيرة هل هي ظاهرة، أم لا؟! وهذا ما أكدته دراسة بعنوان: "أسباب هجرة الشباب وتداعياتها على المجتمع الفلسطيني" والتي أجراها مركز الدراسات وقياس الرأي العام بجامعة الأقصى، والتي استهدفت عينة عشوائية منتظمة بلغ حجمها (1280) شخصاً ممن بلغت أعمارهم 18عاماً فأكثر، حيث بلغت نسبة فئة الذكور 60.9%، ونسبة الإناث 39.1%، أماعن نتائج الاستطلاع فقد توصل إلى أن نسبة 92.2% من أفراد العينة يعتقدون أن هجرة الشباب أصبحت ظاهرة في قطاع غزة، وفي المقابل 7.8% يعتقدون عكس ذلك. وعن استعداد أفراد عينة الاستطلاع للهجرة في حال تم العرض عليهم الهجرة خارج الوطن، فقد أفاد 51.8% من أفراد العينة أنه في حال تم العرض عليهم الهجرة فإنهم سيوافقون، في المقابل 48.2% من عينة الاستطلاع أفادوا أنهم لا يوافقون على الهجرة خارج وطنهم (جامعة الأقصى، مركز الدراسات وقياس الرأي العام,2018).

فالشباب الفلسطيني الباحث عن الهجرة تدفعه مجموعة من الأسباب والفواعل، أبرزها:

  • السياسات والممارسات الاستعمارية على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسيكولوجية.
  • الانقسام الفلسطيني، وسوء إدارة أطرافه على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
  • سياسات وممارسات المانحين، والتي تتقاطع بغالبيتها مع سياسات وممارسات الاستعمار الكولونيالي.

أما تداعيات الهجرة فهي تترك أثارها على مختلف البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتساهم بتراجع معدلات التنمية، كما تؤثر على دور الشباب في العملية الكفاحية "المشروع الوطني التحرري" بشقيه الوطني التحرري والبنائي الديمقراطي، وتُفقد هذا المشروع حامله الرئيسي وعموده الفقري.

هجرة الكفاءات (نزيف الأدمغة) :

تبلغ هجرة الكفاءات البشرية وفق تعريف إجرائي مرتبط بتحصيل البكالوريوس نحو 36% من إجمالي المهاجرين للخارج، ولا تزال هجرة رأس المال البشري والمعرفي الفلسطيني مستمرة، وذلك ناتج عن خضوع الأراضي الفلسطينية للاستعمار الكولونيالي والذي لم ولن يدخر جهداً بتبني سياسات وممارسات استعمارية قهرية تجاه الفلسطينيين، ولا سيما الشباب والكفاءات، بهدف طردهم من وطنهم الأم لتسهيل إقامة كيانه المزعوم، وكافة الممارسات الاستعمارية خاصة في هذه اللحظة التاريخية الفارقة تصب في هذا الاتجاه، فمن محاولات استصدار العديد من التشريعات والقوانين ولم يكن أخرها قانون القومية الذي يجرد الفلسطينيين من قوميتهم ويصادر حقهم في تقرير مصيرهم، في سياق الشراكة القائمة ما بين الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية الشعبوية اليمينية التي سياسات المُستعمِر، ضمن هذه الأسيقة الاستعمارية الطاردة للكفاءات الفلسطينية والتي إمتدت أذرعها لملاحقة هذه الكفاءات واغتيال العديد منهم في مختلف أقطار العالم، ولقد اقترن هذا العامل الموضوعي بعوامل ذاتية شكلت عوامل طاردة للكفاءات، وتختلف مستويات الطرد كمياً، لكنها لا تختلف نوعياً، وأهم هذه العوامل الأنموذج الحوكمي- السياسي التسلطي الذي تعتمده الجهات الحاكمة بالضفة وغزة، هذا الأنموذج يرفع وتيرة التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لدى الشباب والكفاءات، ويهدر حقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فمن المستحيل تحقيق نمو مستدام دون استيعاب هذه الكفاءات وتوظيفها لخدمة الجانب الحيوي الابتكاري في عملية التنمية، بالنظر إلى مركزيته، فيما يسميه الاقتصاديون الإنتاجية الكلية لمجمل عوامل الإنتاج التي يرتكز عليها الاقتصاديون عادة عند المحاسبة على مصادر النمو الاقتصادي، وتبين إذا كان هذا النمو قد حصل توسعياً عبر مدخلات الإنتاج الكمية أم نوعياً عبر إنتاجية مجمل عوامل الإنتاج التي تمثل المصدر النوعي للنمو الاقتصادي_ التنموي.

الشباب الفلسطيني بين اللجوء والهجرة:

هناك ظاهرة هجرة الشباب الفلسطيني من مخيمات اللجوء في لبنان و سوريا إلى الخارج، حيث يعيش الفلسطينيون في لبنان ظروف الحرمان من حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية (المواطنية) .

ويعتمد قرابة 280 ألف لاجئ من أصل 450 ألف لاجئ على معونات الأونروا والتي باتت بفعل السياسات الاستعمارية مهددة بالإنهيار، حيث يمثل الفلسطينيون المقيمون على الأراضي اللبنانية حالياً قرابة 5.5% من السكان، كما أضيف إليهم قرابة 40 ألف لاجئ من سوريا.

تبلغ نسبة من يعيشون تحت خط الفقر الأدنى نحو 28% ، ووصلت معدلات البطالة في صفوف الشباب الفلسطيني في مخيمات اللجوء في لبنان إلى 65% ، علماً بأن الشباب دون سن الثلاثين يمثلون 55% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وقد حكمت مجمل الشروط التي يعيشها الفلسطينيون بما فيها انعدام الأمن الانساني في المخيمات، وانتشار الأسلحة العشوائي، واختلال منظومة الأمن، ظاهرة موجات الهجرة الفلسطينية المتتالية والتراكمية في لبنان.

التوصيات:

  • تفعيل سياسات كسب الكفاءات (Gain Brain) وبرامجها وأدواتها واستعادتها، مثل تعزيز الشبكات العلمية، وتفعيلها من خلال الاستفادة من تجارب دولية رائدة لكسب هذه الكفاءات، في تشيلي والمكسيك وجنوب أفريقيا والهند، خصوصاً في الصين، مثل تجمعات( (Chinese Overseas Professionals التي تجمع اليوم ما يناهز مليون شخص يعملون في أكثر من 200 جمعية، مع تركيزات عالية في أميركا الشمالية وتعمل كلها تحت شعار (خدمة الوطن الأم). كما يمكن لهذه البرامج استهداف الكفاءات العربية والفلسطينية الشابة، من طالب الدكتوراه أو ما بعد الدكتوراه أو المتخرجين حديثًا في مجالات الطب والهندسة والإدارة وسواها، لتسهيل استقطابهم بعد تخرجهم.
  • الاستفادة من التجارب الدولية لبرامج نقل المعرفة (TOKTEN) عن طريق الكفاءات المهاجرة المنتمية إلى المستويات العليا من رأس المال البشري ورأس المال المعرفي، وتفعيل برامج وسياسات وهياكل برامج نقل المعرفة التي اتبعتها بعض الدول العربية، عبر ربطها بحاجات التنمية وتطوير البحث العلمي النظري والتطبيقي.
  • تحفيز االاتحادات والمنظمات العلمية العربية والفلسطينية المختلفة للجامعات وغيرها على التشبيك مع الباحثين والاساتذة في مجال تخصصاتها، وجذبهم إلى فعالياتها ومؤتمراتها وخططها وبرامجها البحثية.
  • إعطاء الأولوية في اعتماد الخبراء للكفاءات الفلسطينية العليا المهاجرة؛ بما يساهم في الاستفادة منها في عملية التنمية، واتباع أساليب غير تقليدية في استرجاعها.
  • تحرير القوانين مما يشكل معوقات أمام استقطاب المهاجرين وتحويلاتهم وتيسير عودتهم أو تواصلهم مع الوطن.
  • وضع مفهوم الانتقال الديموغرافي في صميم الاستراتيجيات والسياسات والخطط التنموية: اعتماد سياسات تنموية مستدامة تهدف إلى تحسين شروط الأمن الانساني في المجتمع الفلسطيني، بما يحد من هجرة الشباب، ويوظف ارتفاع نسبة الشباب في التركيبة السكانية التي دخلت مرحلة الانتقال الديموغرافي في المجتمع الفلسطيني لتطوير عملية التنمية وتحقيق أهدافها، وإدماج مفهوم "الهبة الديموغرافية" الناتج من المرحلة التاريخية - الاجتماعية الراهنة التي تتميز بارتفاع نسبة الشباب في الأهداف والاستراتيجيات والسياسات والخطط التنموية.
  • وضع الانتقال الديموغرافي في إطار سياسات الانتقال الديمقراطي المؤسسي على أساس رؤية تنموية متكاملة، تركز على التطوير المؤسسي الديمقراطي وإدارة شؤون الدولة والمجتمع، وتعزيز القدرات البشرية والمعرفية للشباب، وإتاحة المجال أمامهم للمشاركة السياسية والمجتمعية في توسيع خياراتهم وفي تنمية مجتمعاتهم، والتمكن من ممارسة حقوقهم الاجتماعية والسياسية المواطنية، وتعزيز شروط الأمن الانساني للحد من تدفقات الهجرة الخارجية.