Menu

فرصة تاريخية لليسار الفلسطيني

محمّد جبر الريفي

الجديد الذي طرحته قوى اليسار الفلسطيني خاصة التي خرجت من رحم المشروع القومي وخاضت نضالا أيديولوجيا ضد البرجوازية الصغيرة وأنظمتها السياسية العربية، منذ بدايات انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، هو التداخل العميق بين المهام الوطنية والاجتماعية، الأمر الذي يملي ضرورة النضال من أجل قيام مجتمع ديمقراطي كجزء في عملية النضال من أجل تحقيق هدف الاستقلال الوطني.

بعد توقيع اتفاقية اوسلو وقيام سلطة الحكم الذاتي، كان لليسار الفلسطيني انتقادات منهجية لأدائها، ولم يكن الهدف من وراء هذه الانتقادات المنهجية هو مزاحمة سلطة أوسلو على الحكم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بقدر ما كان الهدف من وراء ذلك هو دفع قيادة السلطة إلى إجراء تعديلات في مواقفها الداخلية المدنية والسياسية، وذلك بالانفتاح أكثر على ممارسة الديمقراطية في مؤسسات منظمة التحرير، بتجديد قياداتها، وعدم الاعتداء على صلاحياتها، وتمكينها من الاضطلاع بمسؤولياتها، وإشراك الكل الوطني الفلسطيني في صنع القرار السياسي بإلغاء سياسة التفرد السائدة في النظام السياسي الفلسطيني. 

مع تعثر العملية السلمية بسبب التعنت الإسرائيلي من جهة، وانحياز الراعي الأمريكي من جهة أخرى، إضافة إلى الاستمرار في التمسك بنهج المفاوضات كخيار وحيد، الذي قد يدفع السلطة  بسبب تزايد الضغوطات العربية والدولية عليها إلى تقديم تنازلات، فإنه رغم ذلك لم يسجل يوما على أن اليسار الفلسطيني قد سعى أحد أطرافه إلى هدف الوصول إلى سلطة الحكم الذاتي، ولذلك بقى مكتفيا بدور المعارضة السياسية الديمقراطية ولم يصل لمستوى الصراع الذي أوصلنا إلى الانقسام السياسي في السلطة وعليها الذي مر عليه الآن اثنا عشر عاما.

 لكن في الظروف الراهنة الكثير من العناصر الموضوعية باتت متوفرة لليسار الفلسطيني كي يقوم بممارسة مهمته القيادية في النضال الوطني الفلسطيني، من أهمها: فشل عملية التسوية التي أقرها المجلس الوطني الفلسطيني من خلال تبنيه للحل المرحلي بدلا من الحل الاستراتيجي الذي رفعته الثورة الفلسطينية المعاصرة كحل للمسألتين الفلسطينية واليهودية، من خلال ديموقراطية الدولة العلمانية، وكذلك عقم المراهنة على مشروع الإسلام السياسي الذي بدء بالتراجع بعد انشغاله بالوصول إلى السلطة السياسية، على حساب مضمونه الجهادي؛ إضافة إلى ذلك تحول القضية الفلسطينية إلى مرحلة الاستقطاب الإقليمي والدولي بوضوح الموقف الأمريكي العدواني الصارخ على الحقوق الوطنية، خاصة في مسألتي القدس واللاجئين (صفقة القرن)، ومعارضة دول عديدة كبرى، لها وزنها السياسي لهذا الموقف الأمريكي، كروسيا الاتحادية التي ورثت الدور السياسي السوفييتي السابق على الصعيدين الاقليمي والدولي. ثم جاءت المتغيرات النوعية في المنطقة العربية، وعلى المستوى الدولي، بانكفاء الدور الأمريكي بإعادة القطبية الثنائية، لتجعل الحاجة ماسة على المستوى الوطني في ظل استمرار الانقسام السياسي وخطورة تداعياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ستشكل عاملا مدمرا للمشروع الوطني الفلسطيني، لتثبت عقم الفكر السياسي الوطني القائم على مفاهيم النزعة القطرية الانعزالية الضيقة على صياغة استراتيجية نضالية، تستهدف حماية استقلال الدولة الوطنية الحديثة التي ظهرت تعبيراتها السياسية بعد أفول الظاهرة الاستعمارية، وأن الحاجة اضحت ماسة للفكر اليساري كي يأخذ فرصته التاريخية في التطبيق، الأمر الذي يتطلب العمل السياسي الجاد والدؤوب من قبل قيادات التنظيمات اليسارية الفلسطينية للتخلص من حالة التشرذم التنظيمي، الذي وفر عاملا موضوعيا منعشا لاستمرار الانقسام السياسي الذي يقوم أساسا على الصراع بين القطبين الرئيسيين في الساحة السياسية الفلسطينية. وقد جاء الإعلان عن ولادة التجمع الديمقراطي خطوة نوعية على طريق تحول تنظيمات اليسار إلى قوة فاعلة في الساحة الفلسطينية في مواجهة قطبي اليمين الوطني البرجوازي والديني، كذلك فإنه في ظل استمرار تدهور الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الراهن الذي يسود، والذي وصل إلى ما يشبه الفوضى السياسية والأمنية الجارية في بعض دول المنطقة، فليست هناك أي مسألة تعوق اليسار الفلسطيني في حال تحقيق وحدته التنظيمية الثورية الجبهوية العريضة، من السعي للوصول إلى قيادة النضال الوطني الفلسطيني، حيث بات يأخذ بالاعتبار ما للخصوصية القومية والدينية من أهمية في مرحلة التحرر الوطني، وهي التهمة التي ألصقتها القوى الرجعية والظلامية باليسار العربي، بالادعاء بأنه من منظور فكري أممي يتجاهل هذه الخصوصية، وذلك بهدف وضع العراقيل السياسية والمعوقات الفكرية، كذريعة جاهزة لمنعه من القيام بممارسة مهمته القيادية.