دخل انسحاب «إسرائيل» من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) حيّز التنفيذ ابتداءً من الأول من الشهر الجاري (2019)، وكانت هي أعلنت انسحابها يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بزعم انحياز «اليونيسكو» للفلسطينيين عبر تبنّيها قرارات لمصلحتهم. وكانت «اليونيسكو» في العام 2016 أدرجت 55 موقعاً تراثياً في العالم على قائمة المواقع المعرّضة للخطر، منها البلدة القديمة في القدس المحتلة، وأسوارها، ما خلّف غضباً «إسرائيلياً»، كما تبنّت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه قراراً ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى، وحائط البراق. كما صوّت المجلس التنفيذي «لليونيسكو» في العام 2017 لمصلحة قرار يؤكد قرارات المنظمة السابقة باعتبار «إسرائيل» محتلة للقدس، ويرفض سيادتها عليها.
وقال داني دانون سفير «إسرائيل» في الأمم المتحدة معلقاً على خلفية قرار «تل أبيب» بالانسحاب من «اليونيسكو»: «إن «اليونيسكو» تسعى لإعادة كتابة التاريخ، من خلال محاولات محو صلة اليهود بالقدس، وأضاف»: إن «إسرائيل» لن تكون عضواً في منظمة هدفها العمل ضدها، وتصبح أداة استغلالية يتلاعب بها أعداء «إسرائيل».
وكانت «اليونيسكو» تلقت بلاغاً في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2018 بشأن انسحاب «إسرائيل» من المنظمة وفقاً للقرار الذي اتخذته في أكتوبر الماضي، كما جاء على لسان أودري أزولاي، المديرة العامة «لليونيسكو».
جدير بالذكر أن «إسرائيل» انضمت إلى «اليونيسكو» في العام 1949 كجزء من محاولة إضفاء الشرعية على وجودها غير الشرعي، لاسيّما بتشريد نحو نصف الشعب العربي الفلسطيني، والاستيلاء على أكثر من نصف أراضي فلسطين، إضافة إلى توسعها بالتجاوز على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 الخاص بالتقسيم، ورفضها، وتملّصها من القرار 191 لعام 1949 الخاص بحق العودة، فضلاً عن محاولاتها الاستيلاء على الممتلكات الثقافية الفلسطينية، والأماكن المقدّسة، وسعيّها المستمر لتغيير التركيب الديموغرافي والسكاني والطابع التعليمي للقدس، وبقية مناطق فلسطين.
وبسبب هذه المواقف دخلت في إشكالات ومشكلات مع منظمة «اليونيسكو»، وكان أول قرار «لليونيسكو» بخصوص القدس هو في العام 1956 الذي دعا لاتخاذ جميع التدابير لحماية الممتلكات الثقافية في المدينة في حال النزاع المسلّح. وفي العام 1968 دعا قرار «لليونيسكو» «إسرائيل» إلى الامتناع عن إجراء أي حفريّات في المدينة، أو نقل للممتلكات، أو تغيير لمعالمها، أو ميزاتها الثقافية.
وفي العام 1974 أصدرت «اليونيسكو» قرارين في مؤتمرها العام، 1- توجيه نداء عاجل إلى «إسرائيل» للامتناع عن الإجراءات التي تحول دون تمتع السكان العرب الفلسطينيين بحقوقهم في التعليم والحياة الثقافية والوطنية. 2- إدانة «إسرائيل» لتغيير معالم القدس. وقررت «اليونيسكو» في العام 2003، إرسال بعثة فنية إلى القدس لتقييم الوضع في البلدة القديمة، وواصلت ذلك في العامين 2005 و2006 بوضع القدس على لائحة التراث العالمي المهدّد بالخطر، مشيرة إلى العقبات التي تضعها «إسرائيل»، وطالبتها في العام 2007 بتقديم تقرير مفصل بشأن الحفريات في منحدر باب المغاربة المتاخم للمسجد الأقصى.
وأدرجت «اليونيسكو» هذه المواقع على قائمة التراث العالمي متبنية في العام 2016 قراراً ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى، وحائط البراق، وصوّت المجلس التنفيذي في العام 2017 على قرار يعتبر القدس محتلة من جانب «إسرائيل»، ويرفض السيادة عليها، وكان مجلس الأمن الدولي اتخذ مثل هذا القرار العام 1980 بعد أن قرر الكنيست ضم القسم الشرقي من القدس بعد احتلالها العام 1967. وفي العام 2018 قررت «اليونيسكو» اعتبار البلدة القديمة وأسوارها ضمن قائمة مواقع التراث الديني. إن اتخاذ «اليونيسكو» مثل هذه القرارات إنما ينسجم مع ميثاقها الذي أكّد على رفض العنصرية والعنف، وتعزيز قيم السلام والتسامح والاعتراف بالآخر، وهو ما لم تفعله «إسرائيل» منذ تأسيسها، بل على العكس حاولت استغلال المنظمة لتمرير خططها، وحين فشلت بدأت مشاكلها مع «اليونسكو» متهمة إيّاها بالانحياز لمصلحة العرب والفلسطينيين.
وباستعادة تاريخ علاقة «إسرائيل» «باليونيسكو» فقد شهد توتراً مستمراً، ففي العام 1974 تم طرد «إسرائيل» من «اليونسكو» إثر قيامها بحفريات في منطقة الحرم المقدسي، لكنها عادت في العام 1979 بعد تهديدات من جانب الولايات المتحدة بوقف دعمها المالي للمنظمة الدولية، ولكن «إسرائيل» ومعها الولايات المتحدة وكندا، توقفت عن دفع حصّتها من ميزانية «اليونسكو» بعد قبول السلطة الفلسطينية دولة عضوة فيها (العام 2011)، وعُلِّق حقها في التصويت العام 2013، وكان ذلك تدهوراً جديداً في العلاقة التي انتهت بانسحابها الذي دخل حيّز التنفيذ مطلع العام الجاري.