Menu

مادورو رئيساً لولاية ثانية.. وارتفاعٌ في مستوى التوتر

من مراسم تنصيب الرئيس مادورو لولاية ثانية

كاراكاس – خاص بوابة الهدف

أدى الرئيس نيكولاس مادورو اليمين الدستورية، يوم الخميس 10 يناير 2019، رئيسًا لفنزويلا لولاية رئاسية ثانية تمتد حتى العام 2025؛ بعد أن فاز في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت في مايو/أيار من العام الماضي، وسط أزمةٍ سياسية واقتصادية حادّة تعيشها البلاد منذ أربع سنوات.

فبعد أن نالت الأغلبية البرلمانية في العام 2015، عملت المعارضة الفنزويلية، ولا زالت تعمل، على إسقاط الرئيس مادورو بكل الوسائل، مزوَّدةً بكل أشكال الدعم السياسي والمالي من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. وهو ما فشلت في تحقيقه حتى الآن، لا بل واستطاع مادورو الفوز بولاية رئاسية ثانية، مُظهراً أنه لا زال يتمتع بدعم قطاعات واسعة من الشعب الفنزويلي، إضافةً إلى انحياز قادة الجيش بشكل واضح إلى جانب "دعم خيارات الشعب والحفاظ على الديمقراطية".

انقسام كبير

وقد حضر حفل التنصيب الذي جرى في مقر المحكمة الدستورية العليا في العاصمة «كاراكاس»، رؤساء كوبا والسلفادور وبوليفيا ونيكاراغوا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، بالإضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من روسيا والصين و تركيا وإيران. كما شاركت في حفل التنصيب، قيادات أحزاب وقوى يسارية عالمية.

في حين قاطعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأغلب دول مجموعة «ليما» (التي تضم 14 دولة في الأمريكيتين)، حفل التنصيب مجددةً رفضها نتيجة الانتخابات الرئاسية، داعيةً مادورو إلى "نقل السلطة مؤقتًا إلى الجمعية الوطنية (البرلمان) التي تهيمن عليها المعارضة إلى حين إجراء انتخابات حرة".

من جهتها، وجّهت كاراكاس رسالة احتجاج إلى حكومات مجموعة ليما بلسان الرئيس مادورو، طالبةً منها "تصحيح موقفها من فنزويلا في غضون 48 ساعة وإلا فإن حكومته ستتخذ الإجراءات الدبلوماسية الأسرع والأشد".

وفي إجراءٍ تصعيدي، أعلنت الباراغواي قطع علاقاتها مع فنزويلا بعد دقائق من اختتام مراسم تنصيب مادورو، كما استدعت البيرو القائم بالأعمال من سفارتها في كاراكاس، وقالت في بيان إنها "ستمنع مادورو ومائة شخصية مرتبطة به أو بحكومته من دخول البيرو". وأعلن وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» أن "الولايات المتحدة ستواصل فرض القيود على الحكومة الفنزويلية والمسؤولين الذين تعتبرهم واشنطن متورطين في انتهاك حقوق الإنسان وتقويض النظام الديمقراطي في فنزويلا". أما وزير الخارجية البرازيلي «إرنستو آراوجو» فقال إن "مادورو فاقدٌ للشرعية".

جذور الأزمة ومستقبلها

في الوقت الذي تحاول فيه وسائل الإعلام الغربية تصوير الأزمة في فنزويلا على أنها "أزمة داخلية ناتجة عن مطالبات شعبية بمزيد من الشفافية والديمقراطية، يشير خبراء اقتصاديون هنا في كاراكاس إلى أن الأزمة اندلعت رسمياً على خلفية انهيار أسعار النفط عالمياً (2014)، وتركت تداعيات كبيرة على اقتصاد يعتمد إلى حدّ بعيد على إنتاج النفط.

ورأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الأزمة فرصةً سانحةً كانت تتحيّنها منذ وقتٍ طويل، لتوجيه ضربةً قاسيةً إلى فنزويلا التي وقفت في وجه السياسات الأمريكية في القارة اللاتينية، منذ وصول الرئيس هوغو تشافيز للسلطة. ودعمت المعارضة اليمينية في مطالبها بإسقاط الرئيس مادورو، من خلال خلق احتجاجات مطلبية في الشارع، مهّدت الطريق لوصول أغلبية يمينية معارضة إلى البرلمان الفنزويلي.

ولم يتوقف المعسكر الغربي عن دعم هذه المعارضة التي فشلت في تحقيق أي تغيير، ما أدّى إلى تدخلٍ مباشر على الطريقة الأمريكية المعتادة عبر "فرض تغييرٍ بالقوة"، وكان هذا بمحاولة اغتيال مادورو، في شهر أغسطس/آب 2018، بحسب تصريحات الحكومة الفنزويلية. وهو ما لا يثير أي استغرابٍ، فلا تزال آثار الحصار الأمريكي المجرم لكوبا حاضرةً للعيان، كما أن مشاهد التدخل العسكري الأمريكي في تشيلي ونيكاراغوا وغيرهما من بلدان "الحديقة الخلفية" لم تغِب عن الذاكرة بعد.

استطاع الرئيس الفنزويلي المواجهة حتى الآن، مسنوداً بدعم قطاعات واسعة من الشعب والجيش، ويرى هؤلاء أن بلادهم تواجه "مؤامرة غربية كبيرة"، تصنف على أنها حلقة من مسلسل الكباش العالمي الذي تخوضه القوى الدولية الكبرى على المسرح الدولي. وهو ما عبّر عنه مادورو في خطابه أثناء مراسم التنصيب قائلاً إن "عالماً جديداً قد قام، وهو يرفض الخضوع للهيمنة الإمبريالية و(تلقي) الأوامر من دولة واحدة وأتباعها".

وربما وصول القاذفات الإستراتيجية الروسية إلى فنزويلا في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، "لإجراء مناورات وتنفيذ طلعات فوق مياه البحر الكاريبي" بُعيْد زيارة مادورو إلى روسيا، يفسّر على أنه "تطابقٌ في قراءة الأزمة الفنزويلية" بين البلدين. كما أن المشاركة رفيعة المستوى من الصين وتركيا و إيران في حفل التنصيب -وهي الدول التي تشكل ما يمكن أن يسمى جبهة مواجهة للسياسات الأمريكية في العالم حالياً- تُفهم أيضاً على أنها جزءٌ من هذه القراءة المشتركة.

وتصب التصريحات الأخيرة للرئيس البرازيلي جايير بولسونارو خلال الأيام الماضية عن إمكانية "إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في البلاد.. لمواجهة التهديدات الروسية.. في فنزويلا"، ثم تراجعه عنها نتيجة احتجاجات من قيادات الجيش البرازيلي التي رأت في التصريح انتقاصاً من السيادة الوطنية للبرازيل، في خانة تعزيز هذه القراءة أيضاً.

وفي ظل هذا الجو من التوتر الذي رافق مراسم تنصيب الرئيس مادورو، وبالنظر إلى الوضع الإقليمي والدولي، يمكن القول إن الوضع يتجه إلى تصعيدٍ دبلوماسي واقتصادي لن يصل إلى حرب. ولكن هذا التصعيد سيؤثر بشكل كبير على الشعب الفنزويلي الذي تشير التقارير الغربية إلى أنه بات "يعيش ضائقةً اقتصاديةً شديدة القسوة"، ويضطر الآلاف من أبنائه إلى محاولة اجتياز الحدود مع الدول المجاورة جنوباً وشمالاً هرباً من الجوع. فيما ستستمر قيادات المعارضة التي يعيش بعضها في إسبانيا وبعضها الآخر في أمريكا بدعوة الفنزويليين إلى الصمود أكثر بانتظار وعود الحرية والديمقراطية الأمريكية!