Menu

تصدير الملف الفكري: جورج حبش في خضم تحولات عنيفة

صورة أرشيفية.jpg

خاص بوابة الهدف

انعكست في حياة الحكيم جورج حبش ، تجربة أكثر من نصف قرن من التحولات الفكرية، العميقة، والعنيفة أحيانا في العالم العربي، ولم يكن من الغريب أن يتصدر جورج حبش هذا المشهد وهو على رأس أكبر حركة قومية في حينه، من جهة مدى انتشارها في العالم العربي.

وبالتالي فإن الإشارة إلى هذا التعقيد الفكري في المشهد العربي لايمكن أن تستثني جورج حبش وبالتالي حركة القوميين العرب و الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .

وأيضا لايمكن إنكار أن تفكيك حركة القوميين العرب وانتقال جورج حبش إلى التمركز في فرعها الفلسطيني، وتحويله إلى حزب ماركسي، قد ترك أثرا عميقا أيضا على فروع الحركة ومشهد التحولات الفكرية الآنف. ولايمكن الإنكار أن النظر إلى هذا التحول في مسار حبش انعكس في اتجاهين الأول يرى أن الانتقال من القومية إلى الماركسية جعل الحزب يخسر جماهيريا، ويتقوقع أيدلوجيا، ومن رأى أن هذا الانتقال حتمي ولابد منه في سياق تطور المشهد السياسي للقضية الفلسطينية.

وبين هذا وذاك كان جورج حبش، يربط ولا يقطع، يوصل ولا يشتت، ويرى أن التحول الماركسي، لايعني القطع مع القومية، رافضا فكرة "يا وحدنا" معتبرا أن التحول فرضته ظروف تاريخية تستدعي الالتزام بأدوات علمية، قادرة على تفكيك وفهم الواقع ورسم استراتيجيات التعامل معه.

هذا المحور يقارب هذه القضايا، عبر نصوص نشرت في ثلاثة مؤتمرات، أحيت ذكرى الحكيم، أقيمت في أعوام 2011 -2015 -2018، قاربت العلاقة بين الحكيم والحزب الشيوعي اللبناني من جهة، ومقاربة التحول القومي-الماركسي في فكر الحكيم والجبهة الشعبية.

في هذا السياق، تطرق المفكر الفلسطيني الراحل سلامة كيلة، في  نص كتب خصيصا للمؤتمر، إلى ما لمسه من أسئلة تتعلق بما يدور في ذهن الحكيم في مناقشة مسألة الماركسية والقومية، حيث أشار كيلة إلى أنه لمس أن الماضي القومي من جهة والتمركس المحقق في نهاية الستينيات من جهة أخرى شكلا ثنائية قلقة أسست لتمزق يدفع إلى أحد الجانبين على حد تحليله.

ويرى كيلة في نصه الطويل أنه إذا كان د. حبش مقتنعاً بترابط هذا وذاك، إلا إنه كان يحس بمشكلة ما من خلال حواراته مع آخرين، ربما كانوا رفاق درب, كما كان يلمس أن الوعي العام يشد في منحى يجعل منهما عنصرين متناقضين، وبالتالي كان يواجه بأسئلة حول الترابط بينهما. كيف يعتقد بأنه يوحد بينهما؟

من جانبه، ومن قلب التجربة، أشار الدكتور فضل النقيب إلى أنه كانت هناك حاجة ملحة الى اكتشاف طريق العودة إلى فلسطين وتحديد أساليب النضال القادرة على تمهيد ذلك الطريق والسير فيه بسرعة، مشيرا إلى أنه في حركة القوميين العرب كان طريق العودة يتحدد في التزام النضال الهادف إلى بناء المجتمع العربي الجديد على أسس نهضوية متحررة من أسباب التأخر والضعف كلها، كي يكون قادراً على تحطيم التجزئة التي فرضها الاستعمار، وعلى إقامة دولة الوحدة وجيشها القادر على تحرير فلسطين.

ويلاحظ النقيب أن الحركة تميزت بصفتين مهمتين كان لهما تأثير كبير في مسيرتها السياسية: الأولى، أنها لم تتبن «القومية» كأيديولوجيا، وإنما كانتماء نابع من التاريخ والجغرافيا والثقافة، وكان ذلك واضحاً جداً في تأثرها بأفكار قسطنطين زريق وساطع الحصري. أما الثانية، فالتزامها الأسلوب الثوري لا أسلوب التطور بالتدريج في العمل السياسي، ولذلك كانت تنمو في أجواء مهيأة لتكريس مفهوم الثورة على الأنظمة السياسية في البلاد العربية، واستبدالها بأنظمة مغايرة في التوجه والممارسة، وقادرة على مقاومة الاستعمار وتحقيق الوحدة والتصدي للمعركة التاريخية مع إسرائيل.

ويلاحظ النقيب أن الجبهة الشعبية لم تكن في وضع يسمح لها بإحداث التغيير المطلوب في الساحة الفلسطينية، لأن حجمها كان صغيرا ونفوذها بين الناس أقل كثيرا من نفوذ «فتح»، الأمر الذي سبب الانشقاقات التي حدثت فيها وبالإضافة إلى ذلك، كان تبني الايديولوجيا الماركسية ال لينين ية بشكل صارخ ومتشنج هو الذي أدى أساسا إلى إضعافها، ومنعها من أن تتطور لتكون ممثلة للمجرى الرئيسي لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، وكرس وجودها كفصيل جانبي متطرف على حد تعبير ورأي الدكتور النقيب.

ويلاحظ النقيب أنه من الإنصاف القول أن تحول الجبهة الشعبية في الاتجاه الايديولوجي المتشنج ما كان ليتم على الشكل الذي تم به من دون تبني جورج حبش ذلك الاتجاه ودعمه له. وفي الوقت نفسه، فإن دواعي الإنصاف تقتضي القول أن حبش قام بعد ذلك، بدور محوري في ترشيد ذلك الاتجاه، وتحريره من الجمود الايديولوجي، وتطويره ليتم استخدامه.

 في سياق متصل آخر، يربط الرفيق سمير دياب عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني، بين تطورين حدثا، في ذهني جورج حبش وجورج حاوي كقائدين تاريخيين، حيث أنه في الوقت الذي بدأت تتعمق فيه قراءات جورج حبش في بحور الماركسية ما بعد حرب هزيمة 1967، كان الإعداد يجري على قدم وساق لمؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني الثاني عام 1968، وكان الشيوعيون اللبنانيون يعيدون تعبيد الطريق باتجاه مسألة القومية العربية، والقومي العربي جورج حبش يختصر الطريق نحو الاشتراكية، وبالتالي كانت القضايا الثنائية المشتركة كبيرة ومثقلة بشعارات ونكسات وآلام وأحلام وطموحات نحو فلسطين الثورة - القضية والحقوق.. ونحو الوحدة العربية التي تشكل القاعدة الصلبة للعبور إلى القضية الأم فلسطين.

ويؤكد دياب أن المرحلة بظروفها، بأمس الحاجة إلى عملنا المشترك، وإلى أوسع جبهة عمل يسارية وتقدمية وديمقراطية عربية لخوض معركة المصير الوطني والقومي، معركة التحرير والتغيير الديمقراطي في مواجهة مشروع الإرهاب الدولي وعولمته المتوحشة وأدواته العربية التابعة، وأقنعته الدينية المتطرفة .. ولنا في مقاومة الشعب الفلسطيني واللبناني والعراقي دروس ونتائج محققة.

الرفيق خالد حدادة، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني من جانبه أشار إلى التحولين في الحزب والحركة-الجبهة لاحقا، استنادا إلى الحاجة إلى تجديد المشروع العربي التقدمي، الذي يأخذ كل التحولات في عين الاعتبار، وإلى الحاجة الماسة لتجديد مشروع المقاومة بأبعادها الفكرية والسياسية والاجتماعية والمسلحة. مؤكدا الحاجة الماسة إلى مبادرة جورج حبش إلى التفاعل المستمر بين قوى اليسار العربي، وتحديداً إلى تفاعل مؤسس يلعب فيه الحزب الشيوعي اللبناني والجبهة الشعبية الدور الطليعي.

من جانبه اعتبر المفكر الماركسي جلبير أشقر أن سبع سنوات على رحيل الحكيم (يوم كتابة النص) غيرت العالم العربي جذريا، وأن أحد أوضح الدروس كان هزيمة اليسار العربي وإخفاقه في تحقيق الأهداف والأحلام، موضحا أسباب هذا وتداعياته في نص قصير.

وفي ربط موضوعي بين الاشتراكية والديمقراطية، ذهب عبد الغفار شكر الأمين العام للتحالف الشعبي الاشتراكي، إلى أن الاختيار الاشتراكى لابد أن يجرى تجديده بصفة مستمرة على أساس ما يحققه النظام الاشتراكى من إنجازات فعلية فى إطار من تعددية سياسية، تتيح لكل القوى الاجتماعية والسياسية حرية التنظيم والاجتماع والرأى وطرح برامج بديلة، ويسعى لتبادل السلطة سلمياً. مبرزاً أن النقد للتجارب الاشتراكية السابقة وغياب الديمقراطية عنها يجب أن يؤدي إلى الربط بين الديمقراطية وبناء الاشتراكية مستقبلاً.