Menu

مشروع جورج حبش المقاوم هو الحل لتفكيك خيار التطبيع

محمد السعيد إدريس

التطبيع خيانة.jpg

دائماً تكون ذكرى رحيل القائد والمناضل والمفكر الدكتور/ جورج حبش – مؤسس وزعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- مدعاة للتدبر والتفكر في حالنا الفلسطيني والعربي- أين كنا وكيف أصبحنا ولماذا؟

لقد كان "الحكيم" على رأس تيار فلسطيني يرى محورية الترابط بين ما هو وطني فلسطيني وما هو قومي عربي، كان يدرك علاقة التفاعل الجدي بين الأمرين: الفلسطيني والعربي، كل منهما يؤثر في الآخر سلباً أو إيجاباً. تماماً كما هي حال الترابط بين المشروع الصهيوني والمشروع الإستعماري الغربي كلاهما وجه لعملة واحدة، هدفهما هو السيطرة على وطننا العربي انطلاقاً من قلبه الفلسطيني. فانتزاع فلسطين من الوطن العربي يعد بمثابة انتزاع القلب من الجسد. هكذا أرادوا .. وهكذا خططوا، وهكذا نفذوا.. وهكذا أيضاً أدرك ووعى "حكيمنا" منذ اللحظة الأولى لقيادته للعمل المقاوم، وكما اعتقد كانت هذه هي الوظيفة التاريخية لـ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أن تكون منطلق الربط بين البُعدين الوطني والقومي للقضية الفلسطينية، والحيلولة دون تفكيك الرابطة بينهما.

الآن نقول أن هذه الرابطة تتداعى، وبشكل خطير، فالعديد من أنظمة الحكم العربية بدأت تتدافع للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا إن دل على شئ فإنه يدل على قدر لا بأس به من نجاح أعداء الأمة في تفكيك الرابطة بين البُعد القومي والبُعد الفلسطيني في الصراع بين المشروعين العربي والصهيوني – الإمبريالي.

أول أسباب هذا الانفراط هو اتفاقيات التسوية العربية – "الإسرائيلية" ابتداءً من اتفاق السلام المصري- "الإسرائيلي" إلى وادي عربة، إلى أوسلو، والاتفاق الأخير أرسى قاعدة الشراكة بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال، وأعطى للسلطة الفلسطينية مهمة تصفية "خيار المقاومة" على الأرض العربية من خلال "التنسيق الأمني".

ثاني هذه الأسباب الصراع الداخلي الفلسطيني- الفلسطيني واستحالة المصالحة، وتهافت كل من "فتح" و"حماس" على السلطة، وتعثر أدوار المنظمات المقاومة الأخرى في تجسير الفجوة بين الطرفين، وبالذات "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي لم تستطع، مع المنظمات الأخرى، وضع حد لهذا الانفراط الوطني.

أما ثالث هذه الأسباب فهو عربي بالمطلق ويخص أنظمة التحول نحو العدو الصهيوني والتعامل معه كحليف يمكن الوثوق به، هذا التحول له أسبابه:-

1-     الاعتماد الكامل لأنظمة الحكم في هذه الدول على الحماية الأمريكية في الدفاع عن العروش.

2-     تزايد مخاوف هذه النظم العربية من الحراك الشعبي ومطالب التعددية والمشاركة السياسية بل واقتسام السلطة والثروة ضمن تداعيات الانتفاضات الثورية العربية التي تفجرت عام 2011. فبقدر ما تآمرت هذه النظم على الانتفاضات الثورية في الدول التي اعتبرتها مناوئة لها وعملت على إجهاض تلك الثورات وتفريغها من مضامينها الثورية وأهدافها الشعبية، بقدر ما تآمرت على الحراك الشعبي الديمقراطي في سوريا بالتحديد ولكن في الاتجاه المعاكس ليس من أجل دعم الحراك الشعبي الديمقراطي ولكن لإسقاط نظام مناوئ للكيان الصهيوني ومتحالف مع خيار المقاومة. وبالقدر ذاته عملت هذه النظم على وأد واحتواء أي بذور ومؤشرات لتحركات شعبية داخل أوطانها تطالب بالعدل والحرية والعزة والكرامة والعداء للكيان الصهيوني والتحالف مع خيار المقاومة.

مخاوف الأنظمة على عروشها من تيار الانتفاضات الشعبية أجبرها على المزيد من التحالف مع الحليف الأمريكي والمزيد من تقديم التنازلات التي تخدم بالأساس الكيان الصهيوني.

3-     التحولات المتلاحقة في البيئة الدولية والإقليمية، فإذا كانت البيئة الدولية قد باتت أقل حماساً لدعم نضال الشعب الفلسطيني بعد تفجر الموجة الإرهابية وأضحت أكثر استعداداً للقبول بمزاعم الكيان الصهيوني المدعوم أمريكياً للمزج بين العمل العدائي والمقاومة وبين الإرهاب، ووصم المقاومة بـ "الإرهاب" فإن تحولاً مهماً آخر كانت له أصداؤه وهو الموافقة الأمريكية (إدارة باراك أوباما) على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وقبلها انسحاب إدارة أوباما من العراق، ورفض أوباما بعد توقيع الاتفاق مع إيران (يونيو 2015) على تأسيس تحالف أمريكي- خليجي (تحالف إقليمي جديد) على غرار "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) لمواجهة "الخطر الإيراني".

الانسحاب الأمريكي من العراق، والتوقيع الأمريكي على الاتفاق النووي الإيراني، والرفض الأمريكي لتأسيس تحالف أمريكي – خليجي لمواجهة إيران دفع تلك الأنظمة إلى البحث عن "حليف بديل" بعد تداعي الثقة في الحلفاء الإقليميين: تركيا وباكستان، وكان الاتجاه نحو التحالف مع العدو الصهيوني لمواجهة الخطر الإيراني.

من المهم جداً التعمق في تحليل كيف أصبحت إيران هي "العدو" البديل عن الكيان الصهيوني.. هل هو الضغط الأمريكي – الإسرائيلي؟ أم هو الانسحاب الأمريكي من التجاوب مع مطالب حماية هذه النظم، أم أخطاء إيرانية أفزعت هذه الدول وحولتها من صديقة إلى عدوة؟

        الأسئلة كثيرة وفي حاجة إلى البحث، لكن هذه النظم التي عاشت دائماً "محمية" أمريكية لا تستطيع أن تعيش دون مصدر للحماية، وهي الآن حريصة على الحماية "الإسرائيلية".

        أخطر التحولات هي تغذية دعوة العدو الصهيوني التي أسست لها إدارة جورج بوش (الابن) ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس عقب العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006 بتأسيس "شرق أوسط جديد" يتم فيه استبدال إيران كعدو بدلاً من إسرائيل، وتحويل الصراع العربي- الصهيوني إلى صراع عربي- إيراني، والانطلاق من قاعدة الصراع الطائفي السُني – الشيعي، والدعوة إلى تأسيس "حلف سُني" لمواجهة "الهلال الشيعي"، والربط بين المقاومة والإرهاب، والدعوة إلى "تحالف عربي- إسرائيلي" لمواجهة "الخطر الإيراني والإرهاب".

في ظل كل هذا الخلط الرهيب وهذا الانحراف تجئ موجة التطبيع بين نظم عربية والكيان، نظم تتهافت على الحماية الإسرائيلية والأمريكية، ولا تتردد في أن يكون الثمن هو حقوق الشعب الفلسطيني.

خطورة هذا التطور أنه يحدث في ظل تحولات جذرية تحدث في مجرى الصراع، أمريكية وإسرائيلية. إدارة ترامب تتبنى مشروع "السلام الإسرائيلي" وتعترف ب القدس عاصمة موحدة للكيان، وتنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وتقوم بجهود مضنية لتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتدعم التوسع الاستيطاني، وتطرح مشروعاً وهمياً للتسوية تحت عنوان "صفقة القرن" ينهي حق الدولتين ويفرغه من مضامينه، ويفرض المشروع "الإسرائيلي" كما أقره "قانون القومية" كأمر واقع، يجعل فلسطين، كل فلسطين من النهر إلى البحر وطناً للشعب اليهودي دون غيره.

هذا التطبيع العربي في هذه الظروف يعني القبول بالتسوية أو "اللا تسوية" المعروضة الآن من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، ويعني القبول بما يريده نتنياهو وهو التطبيع العربي- الإسرائيلي والتأسيس لعلاقة تحالف دون أي ربط بين هذا التطبيع والحقوق الفلسطينية، لم يعد هناك ثمناً فلسطينياً تدفعه إسرائيل، ولا يوجد ثمن فلسطيني يريده أصحاب التطبيع هم خلقوا الوهم وعاشوه. خلقوا إيران عدواً جديداً وتحالفوا مع إسرائيل للحصول على حمايتها، لكن المأساة أن يأتي وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ليطالب دول التطبيع "بالدخول في تحالف إستراتيجي إقليمي لحماية إسرائيل من الخطر الإيراني، كبديل للانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا".

خطر لم يتوقعه الدكتور/ جورج حبش .. ولن يوقفه إلا تجديد الثقة في مشروع جورج حبش للمقاومة كخيار وحيد ضد خيار "التسوية المسلحة" وإعادة تفعيل الساحة الفلسطينية وتثويرها والانقلاب على كل الصراعات الفلسطينية- الفلسطينية الزائفة، وإعادة الارتباط بخيار المقاومة باعتباره "خيار حياة" ليس فقط لفلسطين بل وللأمة العربية، فلا أمل في عروبة دون فلسطين ولا أمل في فلسطين دون عروبة.