Menu

تحليلالضفة الغربية كعامل داخلي في صفقة القرن والانتخابات الصهيونية

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

برزت الضفة الغربية المحتلة كعنصر شبه حاسم في الانتخابات الصهيونية ولكن هذا قد لايكون جديدا، لأنها كانت بارزة أصلا في كل انتخابات "إسرائيل" التي تتمحور حول "الأمن" ومواصلة الاحتلال وتعزيز الاستيطان، ولكن العنصر الإضافي الذي دخل بقوة على جدول أعمال هذه الانتخابات هو "صفقة القرن" الأمريكية" وهذاما يفيض إلى العكس أيضا، أي كون الانتخابات قد تكون عاملا أيضا في الكشف عن عناصر هذه الخطة.

وحسب التقارير الإعلامية الواردة من واشنطن فإن الرئيس الأمريكي ينوي طرح خكته إلى العلن مباشرة بعد انتخابات الكنيست 21، وهذه الانتخابات هي السبب الأبرز في تأجيل االخطة، وسيسبق هذا كما هو وارد في التقارير الصحفية زيارة هامة لمبعوثي ترامب لحشد الدعم للشق الاقتصادي من خطته، وكذلك مؤتمر وارسو حول الشرق الأوسط الذي سيشارك به الجميع على ما يبدو ما عدا الفلسطينيين الذين لم تتم دعوتهم لأسباب معروفة.

ولكن ما علاقة الضفة الغربية بهذه التداخلات؟ من الطبيعي أن تتجه الأنظار إلى العنصر المادي الأساسي في خطة ترامب أي الأراضي الفلسطينية المحتلة ومصيرها، وكذلك مصير الاستيطان في الضفة الغريبة، حيث أصبحت عنصرا مهما في الانتخابات، ومن أبرز النقاشات الحالية هو ما إذا كان ترامب سيطلب من الكيان التنازل عن السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وهو ما يعتبره التيار الأقوى في السياسة الصهيونية –بل يكاد يكود موضع إجماع- خطرا على أمن "إسرائيل" ولكن التيار الآخر الذي يتمتع ببعض الوجاهة في الساحة الصهيونية ينطلق من ذات فرضية الأمن ليقول إن ضم الأراضي الفلسطينية في الغالب سيضعف الطابع اليهودي للدولة.

أصبحت هذه القضية جزءا من خطاب الانتخابات الصهيونية عبر تأكيدين، الأول من بنيامين نتنياهو وجماعته الذين أكدوا أنه لن يكون هناك انسحابات أو فك ارتباط جديد أو أي تسليم للأرض للفلسطينيين أو أي تفكيك للمستوطنات، تحت أي اسم كان، وااالثاني جاء من قول رئيس الأركان السابق وزعيم حزب "تحصين إسرائيل" الذي يبرز كمنافس مركزي لنتنياهو والذي قال إن "الدروس " المستفادة من فك الارتباط عام 2005 مع قطاع غزة، يجب "أن تنفذ في أماكن أخرى"، ما عرضه لهجوم عنيف من اليمين –يطرح غانتز نفسه أو يطرحه المقربون منه كزعيم ليسار الوسط- الذين سارع للانقضاض على غانتز الذي اتهم بأنه يسعى لاقتلاع اليهود من الضفة الغربية، في حال استطاع عقد سلام مستقبلي مع الفلسطينيين، ودخل الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الخط، مرحبا بهذه التصريحات الصادرة عن غانتز، واصفا إياه حسب مقرب منه " إنه أمر مشجع إذا نجح في ذلك والتزم بهذا الرأي". وهو ما التقطه نتنياهو ليندد بغانتز من جديد على أساس إنه متحالف مع عباس.

في أفضل الظروف سيفوز حزب غانتز بـ23 مقعدا، قد تصل إلى 36 في ظرف تحالفات معقدة غير مؤكدة، ولكن الليكود يحافظ في كل السيناريوهات تقريبا على 30 مقعدا شبه مضمونة، وفي جميع الظروف يبدو أن غانتز لن يستطيع تشكيل ائتلاف، وأن اليمين قادر على الحصول على 61 مقعدا اللازمة لتشكيل الائتلاف ومواصلة الحكم.

وفي ظل هذا التعقيد، تبدو المعركة الداخلية الصهيونية حول الضفة الغربية فائضة عن الحاجة، إذا كان اليمين سيواصل الحكم، وإذا كان غانتز يدرك هذا، فإن تصريحاته لاتفعل شيئا سوى تعزيز اليمين والتصويت له، أما إذا كان يثق فعلا بقدرته عبر تحالف من 36 مقعدا أن يكون له الدور الأول في فرصة تشكيل الحكومة، فإن هذه التصريحات التي يريد منها جذب أصوات اليسار وربما الأصوات العربية ستكون أيضا بلا فائدة ربما بل قد تعزز التيار المعاكس على الضد مما يخطط له غانتز.

ويبقى السؤال عما تحتويه خطة ترامب بهذا الخصوص قائما؟ هل هناك مسعى لتجريد الكيان من مزيد من الأرض الفلسطينية؟ هل سيقبل نتنياهو بافتراض فوزه بمحتوى في خطة ترامب يتناقض مع وعوده لناخبيه؟ وهل سيتمكن غانتز بدوره إذا فاز في ظروف معقدة أن يتحدى الإجماع الصهيوني ويقبل بالخطة؟ هل سيقبل الفلسطينيون في السلطة بالخطة في حالة فوز غانتز أملا بدفع "الإسرائلييين" للتنازل فيها؟ تبقى هذه أسئلة افتراضية معلقة.

في هذا السياق أعرض لرأيين أظن إنهما يمثلان هذان التياران، الأول رأي الدكتور مارتن شيرمان ، المدير التنفيذي للمعهد "الإسرائيلي" للدراسات الاستراتيجية، الذي تحدث لصحيفة ميديا لاين، وقال أن جانتز "يقول بشكل أساسي إننا سنذهب لتنفيذ تنازلات أحادية الجانب في يهودا والسامرة [المصطلح التوراتي الصهيوني للمنطقة التي تشمل الضفة الغربية] ولكننا سنترك الجيش هناك. هذا سخيف تماما وقصر النظر" ويضيف أن هذا الوضع سيحيل إلاى ما يشبه الوضع في جنوب لبنان و " عندها سيحتاج الفلسطينيون فقط إلى انتظار اندلاع الصراع وسيزيد الضغط المحلي والدولي على إسرائيل لسحب قواتها". وأضاف إن "إن سيادة إسرائيل على كل يهودا والسامرة بما في ذلك الأراضي المرتفعة التي تطل على المدرج الرئيسي لمطار بن غوريون الدولي وتل أبيب الكبرى - التي تضم جميع المراكز السكانية المدنية في السهل الساحلي وكذلك الطرق السريعة الرئيسية - هي منطقة استراتيجية لا غنى عنها. "لا يمكنك التخلي عنها" .

من جانب مضاد وفي كلام تكرر في دراسات استراتيجية صهيونية عديدة، يعتقد ناثان شاروني ، رئيس التخطيط السابق في الجيش الصهيوني أن زعم المساهمة الأمنية للمستوطنين هو مجرد كذبة كبيرة وأٍطورة، ومضر بالصالح القومية "الإسرائيلية".

وتابع: "إسرائيل تمضي إلى فخ دولة واحدة بأغلبية عربية " مضيفا إن هناك نقصا في فهم شدة المشكلة وأن الاقتباس من الكتاب المقدس لن يخففها. ويضيف شاروني "خمسة وسبعون في المئة من اليهود الذين يعيشون في الضفة الغربية يسافرون كل صباح إلى إسرائيل [المناسبة] من أجل العمل، لذلك نحن نتحدث بشكل أساسي عن "المجتمعات النائمة" بدون جذور".

في ظل هذا النقاش تكشف أحدث بيانات مكتب الإحصاء المركزي "الإسرائيلي" أن عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية ارتفع إلى 449.508 اعتبارا من كانون ثاني/ يناير 2019 ، بزيادة 3.3 بالمائة عن العام السابق، في المقابل ، ارتفع عدد سكان "إسرائيل" بشكل عام بنسبة 1.9٪ في 2018.

وقال غيرشون هاكوهين القائد السابق في جيش العدو الصهيوني والعامل حاليا في مركز بيغن-السادات أن النمو السكاني الاستيطاني في الضفة الغربية يرتبط ارتباطا مطلقا بالأمن " حيث يوجد إجماع في المؤسسة الدفاعية على أنه يجب على إسرائيل الاستمرار في الاحتفاظ بأعلى النقاط في الإقليم بالإضافة إلى المناطق الواقعة على طول نهر الأردن" ، مضيفا أن "الإسرائيليون لديهم قلق من خسارة أغلبية يهودية ، وأحد مبادئ رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين هو الحفاظ على ذلك، وقد تحقق هذا الهدف من خلال اتفاقات أوسلو التي منحت الفلسطينيين الحكم الذاتي في مراكزهم السكانية في الضفة الغربية وقطاع غزة بأكمله".

وخلص هاكوهين إلى الزعم "لقد أنهى هذا الاحتلال فعليًا" ، أما الآن ، فإن السؤال الحقيقي يتعلق بالأمن. حقيقة أن "إسرائيل" تحتفظ بسكان مدنيين في هذه الأماكن الجوهرية هي إعلان أننا سنبقى هنا، إنها ليست مجرد لعبة ، وإنما هي رسالة إلى الفلسطينيين مفادها أن هذا يحتاج إلى فهم قبل أن يتحقق السلام".

في ظل هذا النقاش الداخلي الصهيوني المتعلق كليا بمصير فلسطين والدولة العتيدة، يجب أن تتعلق الرسالة الفلسطينية على الأقل بثبات لايتزحزح عن الانسحاب الكامل الاستيطاني والعسكري، ويجب مواصلة رفض خطة ترامب التي لن تحتوي بالتأكيد على مثل هذا الالتزام، ولكن هذه الرسالة الفلسطينية لكي تكون مسموعة تحتاج إلى التخلص من قمامة السياسة التي تتبعها السلطة الفسلطينية، وكما يسعى الصهاينة إلى التوحد وإيجاد إجماع قومي للتمسك بالأرض الفلسطينية يجب أن يكون هناك إجماع فلسطيني نقيض، وهذا على ما يبدو صعب التحقق في ظل تفاقم التعرية السياسية في الإطار الفلسطيني وتسارع انهيار القيم والمؤسسات التي تبدو عاجزة تماما عن رأب الصدوع المتفجرة التي يولدها الانقسام، والتنسيق الأمني والتخاذل السياسي، والفئوية الحزبية التي تبتلع الوطن والقضية وتحيلها إلى هامش جدول الأعمال العام.