Menu

العدو الايراني والخطر الشيعي !

حاتم استانبولي

مؤتمر وارسو توقف أمام السياسات الإيرانية، واعتبر أنها هي من المسؤولة، عن كل أزمات الشرق الأوسط، واعتبر أنها هي من يدعم الإرهاب في المنطقة والقرارات، إن كانت علنية أو سرية، فقد كانت إيران هي عنوانها.

مصطلح "العدو الإيراني" يستخدم من قبل الدول، ليكون له ارتدادات قانونية على صعيد المنظمات القانونية الدولية التي تضبط العلاقات بين الدول. أما مصطلح العدو الشيعي أو التمدد الشيعي، فهذا مصطلح يستخدم لإيجاد القاعدة الاجتماعية، لمصطلح "العدو الإيراني" وهو مصطلح له مفاعيل خارج حدود الدولة الإيرانية، ليمتد إلى كل الحواضن الاجتماعية التي تتخذ من المذهب الشيعي مبدأ. كل هذا ظهر بعد انتصار الثورة الإيرانية التي أعلنت منذ اليوم الأول عدائها لأمريكا وإسرائيل، وحولت السفارة الإسرائيلية إلى سفارة لفلسطين، وهي بالمعنى القانوني (النسبي) أول أرض فلسطينية تعاد لأصحابها بعد قيام المشروع الاستيطاني على الأرض الفلسطينية. هذه حادثة لم تحصل في تاريخ العلاقات الدولية، ولم تطرحها إسرائيل أو أمريكا في مجلس الأمن، وابتلعوا هذا الموقف، لكنه كان مؤشرا جديا على المدى الذي يمكن أن تصله الثورة الإيرانية في دعم إعادة ومساندة الحق التاريخي الفلسطيني.

هنا، يطرح سؤال: ما هي الأخطار التي تتعرض لها شعوب المنطقة ودولها؟ أخطر الأخطار هو الفقر، وانخفاض مستوى الرعاية الصحية، والتعليم، وسيادة الفساد السياسي والاقتصادي الذي هو سبب في المشكلات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، ناهيك عن المستوى المتدني في التعامل مع الظواهر الطبيعية من التصحر أو انخفاض نسبة مياه الشرب، وعدم استثمار أفضل لإمكانيات الدول وشعوبها. أما في الجانب السياسي والقانوني، فإن مشكلات عميقة تعاني منها المجتمعات بسبب غياب الحرية والمشاركة والعدالة الاجتماعية، أو العدالة الاقتصادية في توزيع عادل للناتج القومي وهذه المشكلات، أو الأزمات، تعاني إيران ذاتها من بعضها.

السؤال الذي يطرح أيضا، هل كل هذه المشكلات تتحمل مسؤوليتها إيران أو المذهب الشيعي؟ هل هي أو المذهب الشيعي المسؤول عن الفقر والفساد والأزمات الاقتصادية وأزمات الديمقراطية في المجتمعات العربية؟ الإجابة السريعة على هذا السؤال بالطبع لا.. المسؤول عن الكثير من هذه المشكلات حكومات الدول ذاتها. إذا أين يكمن الخطر الإيراني ( المزعوم )، أو الخطر الشيعي؟ الخطر الإيراني المزعوم يكمن في الجانب السياسي والاقتصادي، إعلان العداء السياسي لإسرائيل، هو عنوان الصراع مع إيران، وهذا ما يصرح به كل يوم القادة الأمريكيون والغربيون. هذا العداء ممكن أن يحل خلال 24 ساعة، إذا قامت الحكومة الإيرانية ومراجعها الدينية بإعادة نقل سفارة فلسطين إلى السيادة الإسرائيلية. أما في الشق الاقتصادي فقد شكلت إيران تجربة فريدة من التقدم في مجالات عديدة رغم الحصار السياسي والاقتصادي، وهذا باعتراف الدول المعادية لها، هم يرون هذا التقدم عنوان لتهديد وجودهم كأنظمة وليس كدول، لكن الخطر على هذه الدول ليس خطرا خارجيا إنما داخليا بسبب السياسات الحمقاء لحكوماتهم. جوهر العداء لإيران كدولة هو عداء سياسي، أما العداء الشيعي فهو وظف من أجل استخدام واستحضار الحشد المذهبي، لإيجاد قاعدة اجتماعية للعداء السياسي، واستحضرت كل الأدوات والقصص العبثية والشخصيات التاريخية، من أجل حشد مذهبي ليشكل دعما للعداء السياسي، ولتغيير الثقافة السائدة بأن العدو السياسي والتاريخي هو إسرائيل.

الأسئلة المهمة الأخرى التي تطرح، لماذا انتشر العداء المذهبي بهذه السرعة؟! لماذا هذه السهولة في ارتفاع وتيرته حتى وصل الأمر أن انتصار 2006 للمقاومة والذي حضنته الجماهير من المحيط إلى الخليج أصبح (هزيمة)؟!

الجواب بكل بساطة هو الثقافة الأحادية السطحية التي قدمت على مدى مئات السنين من قبل الحكام والأمراء والسلاطين . الاتجاهات في الإسلام كانت موجودة منذ اليوم الأول لسيادة الفكر الإسلامي، وقد شرع الإسلام الاختلاف في القضايا الدنيوية وأدرجه تحت عنوان الاجتهاد.  وظهرت دولة تتبنى المذهب الشيعي على سبيل المثال، الدولة الفاطمية التي بعهدها بنيت القاهرة كعاصمة لها، وبني جامعها جامع القاهرة، الذي تحول الى جامعة الأزهر، وسمي بالأزهر نسبة لفاطمة الزهراء بنت الرسول وزوجة الخليفة علي بن أبي طالب، الذي يعتبر برأي الكثيرين إنه من أهم الأعمدة الثقافية والمعرفية في تاريخ الإسلام ،وخلافه مع الأمويين من على قاعدة انتصاره للفقراء والمظلومين في الإسلام. وكان يرى أن الحفاظ على الإسلام ومرجعياته وطرق حكمه التي تتمثل في الشورى، وعدالة توزيع أموال المسلمين، ورفض نقل مركز الخلافة، هي الاسس التي يجب أن يستمر عليها الحكم الإسلامي.  فقط أردت أن أشير لهذا من موقع أن التعارضات في الإسلام كانت موجودة سابقا، وظهرت مدارس ومراجع كثيرة، لكن الحكومات والأنظمة وحقبة ولاية الدولة العثمانية التي ألغت وبشكل قصري كل ما سبقها، كان عاملا في تغييب المعرفة العميقة للتاريخ الإسلامي، وفقط أعطي صورة نمطية.

إن التاريخ الإسلامي هو تاريخ حافل بالحروب (الفتوحات)، بدون التطرق إلى الجانب المهم فيه، من تفاعل بين التيارات الفكرية والفلسفية والعلمية الذي قدم الكثير للتطور الإنساني. هذا خلف جهل وصل في أن البعض ومنهم مثقفون، لم يدركوا الفرق بين (الشيوعي والشيعي).

إن شعار العداء لإيران أو العداء للشيعة، هو شعار سياسي تستخدمه وتوظفه الولايات المتحدة، من أجل حماية إسرائيل، والتحالف بين الدول التي اجتمعت في وارسو قائم على أساس الاعتراف بالتشريع القانوني "لدولة إسرائيل"، من الطرف الذي (حارب) إنشائها. ما قيل عن حرب ال 1948، إنها حرب بين العرب وإسرائيل، ولم يكن للفلسطينيين أصحاب الأرض أي موقع فيها، سوى أنهم كانوا وقودها، وتم تقسيم فلسطين من على قاعدة قرار 181 الذي حدد أن التقسيم بين دولتين عربية ويهودية، هذا القرار الأممي ألغى أي ذكر للفلسطينيين وحقوقهم التاريخية، وتجاهل أن وجود اليهود عامل سياسي طارئ على التاريخ الفلسطيني، ومن حيث الأساس المعرفي والقانوني (الحديث،) الدين لم يكن أساسا قانونيا لإنشاء دول، والقانون الدولي يتكلم عن الدين تحت عنوان الحرية الدينية فقط.

كل المحاولات التي تجري الآن من أجل تغيير المعايير والقوانين الدولية عبر المحاولات لتشريع العمل من خارج منظومتها القانونية، عبر العقوبات الاقتصادية والسياسية التي بدأت منذ غزو العراق، على أسس كاذبة وتكررت في ليبيا وسوريا واليمن. والآن ما تتعرض له فنزويلا، هو قفزة في التمادي القانوني من خلال إعلان تعيين رئيس من قبل واشنطن، وتطالب الدول دعم قرارها. هذا التمادي إذا ما نجح فإنه سيكون سابقة قانونية، وحدا فاصلا ما بين سيادة القوانين الدولية عبر منظومتها الأممية، أو سيادة تمزيق القانون الدولي، وسيادة الرؤية الإسرائيلية والأمريكية التي طالما اتهمت المنظمة الدولية، اتهامات وصلت لمرحلة تقويض دورها القانوني.

فنزويلا وإيران وسوريا و اليمن وفلسطين، عناوين لجبهات تقف في الخندق الأول لحماية القانون الدولي وسيادته، وفي الخندق الآخر تقف دول وارسو التي تريد تمزيق القوانين الدولية من أجل سيادة قانون واشنطن وإسرائيل عبر استخدام فج لتابعيهم لنشر الحروب العبثية.