الحراك الشعبي الذي شهدته ساحات قطاع غزة، يومي الخميس والجمعة الماضيين يُشير على نحوٍ مُؤكد، أن الناس لم تعد تحتمل، استمرار وتفاقم الأزمة المعيشية الخانقة، التي تزداد فعاليتها عمقًا واتساعًا، وبغض النظر عن الأسباب والمتسببين.
الحراك ليس سياسيًا، ولا يمكن لأحد أن يتصدى له بأدوات القمع والحلول الأمنية بدعوى أنه حراك مُسيس ويخدم هذا الطرف أو ذاك، كان من المتوقع كل الوقت أن ينفجر الوضع في قطاع غزة، بسبب تداعيات الانقسام، لكن ثمة من راهن على أن مسيرات العودة يمكن أن تمتص الغضب الداخلي، وتحوله نحو الاحتلال وهذا ما وقع.
غير أن من راهنوا على ذلك، لم يدركوا أن عدم قدرة المسيرات على تحقيق هدفها في كسر الحصار، ولم تشكل قوة ضغط حقيقة فاعلة لتحقيق هدف إنهاء الانقسام، إذ كان على هؤلاء أن يقرأوا جيدًا مآلات الأحداث، وأنها ستصل يومًا إلى ارتداد للانفجار نحو الوضع الداخلي.
لم يُعلن الحراك أنه يسعى لإنهاء سيطرة حماس على السلطة في غزة، ولم يتخذ موقفًا عدائيًا إزاء أي طرف سياسي، ولكنه يعلن الغضب على الكل، وعلى ما وصلت إليه أوضاع الناس، المُطالبين بالتضحية والصمود، بينما يتم تجفيف عوامل الصمود.
إزاء هذا الوضع، اختارت حماس، أسوأ الوسائل والأساليب، مضمونه الخسارة، حين بادرت إلى قمع وملاحقة أعداد كبيرة من النشطاء ووصل بها الأمر إلى أن تعتدي بالضرب المبرح على صحافيين، وحقوقيين مسؤولين في الهيئة المُستقلة لحقوق الانسان، وبالذات على مدير عام الهيئة المُحامي جميل سرحان، والمحامي بكر التركماني.
فاشل بامتياز هذا الأسلوب في معالجة حراك عنوانه "بدنا نعيش" وكان على حركة حماس أن تقرأ واحدًا من دروس مسيرات العودة، حيث أن المجتمع الذي يدفع ثلاثين ألف جريح من مختلف الفئات، يكون قد أسند ظهره إلى الحائط، ومستعد لأن يدفع ثمن أقل، على قاعدة أنه لم يعد له ما يخسره وأن الخاسر هو من يقف بقوة القمع لوأد هذا الحراك.