"تخيّلوا ممثلة اليمين المتطرف الإسرائيلي الصاخبة ميري ريغف، المتحدثة السابقة باسم "جيش الدفاع الإسرائيلي"، التي أصبحت وزيرة للثقافة والرياضة، والتي تطالب الفنانين بالإعراب عن ولائهم الكامل للدولة اليهودية، تخيّلوها في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، أحد أكبر المساجد في العالم العربي، وهي تقف أمام المصوّر يحيط بها وزيران إماراتيان، وتغطي رأسها بغطاء. إنه مشهد حقيقي، جرى في أواخر تشرين الأول الماضي، على هامش بطولة للجودو شاركت فيها إسرائيل بعلمها الوطني لأول مرة. وعندما عزف النشيد الوطني الإسرائيلي، لدى حصول أحد اللاعبين الإسرائيليين على الميدالية الذهبية، سالت الدموع من عينَي الوزيرة، وقالت بين زفرتين: "لقد صنعنا التاريخ".
هذا ما كتبته المؤرخة المختصة بإسرائيل فريدريك شيلو في مقال، نشر في 4 كانون الأول 2018، تشرح فيه كيف انتقلت العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج من حيز الطموحات الخفية إلى حيز العلن. وتنقل عن الحاخام مارك شنيير، الذي يتردد على دول المنطقة، قوله: "بعد أن أصبح التقارب بين إسرائيل ودول الخليج مكشوفاً، يبقى الأمر الخفي الوحيد هو معرفة من هي، من بين هذه الدول، الدولة الأولى التي ستتجرأ على تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل".
عودة إلى التاريخ
تعود الباحثة الفرنسية إليزابيت مارتو، الأستاذة في معهد الدراسات السياسية في باريس والباحثة في دراسات الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى تاريخ العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، فتذكر أن بعض الأبحاث بيّنت أن المملكة العربية السعودية وإسرائيل تعاونتا في ستينيات القرن العشرين خلال حرب اليمن في دعم المعسكر الملكي في مواجهة القوميين المدعومين من الرئيس جمال عبد الناصر. كما تشير إلى أن ولي العهد السعودي الأمير فهد طرح مشروعه للسلام في الشرق الأوسط، عقب اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية، وبروز تخوفات خليجية من قيام إيران بـ"تصدير" ثورتها الإسلامية إلى دول الخليج. وكان ذلك المشروع قد تضمن بنداً ورد فيه: "يضع مجلس الأمن الدولي ضمانات السلام بين جميع دول المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية المستقلة"، علماً بأن الصيغة الأولى لهذا المشروع التي عُرضت في مؤتمر القمة العربي في فاس في تشرين الثاني 1981 تجاهلت ذكر منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما استدركته الدورة الثانية لهذا المؤتمر في أيلول 1982.
وعقب التوصل إلى "اتفاق أوسلو"، استقبلت سلطنة عُمان في سنة 1994 شمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، في إطار النقاشات التي جرت حول توزيع الموارد المائية في المنطقة. ثم استقبلت في شهر كانون الأول من العام نفسه يتسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي. وبعد أشهر عدة من ذلك التاريخ، استقبل شمعون بيريز في القدس يوسف بن علوي وزير الشؤون الخارجية العماني، بينما دشنت مسقط أعمال مركز الأبحاث المناطقي حول المياه، الذي استضاف باحثين إسرائيليين، والذي يواصل تعاونه اليوم مع معهد آرافا التابع لجامعة بن غوريون. وفي سنة 1995، استقبلت قطر وفداً إسرائيلياً شارك في مؤتمر دولي حول الرقابة على التسلح، بينما كانت البحرين تستقبل وفداً مماثلاً شارك في مؤتمر حول مسائل البيئة. وفي سنة 1996، زار شمعون بيريز قطر وعمان لافتتاح مكتبين تجاريين إسرائيليين، بينما افتتحت قطر مكتباً لتمثيلها في تل أبيب.
وعقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سنة 2000، قررت كلٌ من عمان وقطر إغلاق مكتبيهما التجاريين في إسرائيل. وفي سنة 2002، وفي سياق التوتر الذي نشأ عن أحداث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، قدمت المملكة العربية السعودية في آذار 2002 "مبادرة سلام" إلى مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بيروت، أكدت "اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً"، والدخول في "اتفاقية سلام" بين الدول العربية وبين إسرائيل "مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة"، و"إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل"، في حال إقدام هذه الأخيرة على "الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان"، و"التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194"، و"قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية".
ومنذ منتصف سنوات 2000، بدأ التخوف من المشروع النووي الإيراني يخلق نوعاً من توافق المصالح بين إسرائيل، من جهة، والمملكة العربية السعودية ودول الخليج، من جهة ثانية، وراحت تتسرب، منذ ذلك الوقت، معلومات عن لقاءات سرية بين شخصيات رسمية من الجانبين. وفي سنة 2008، استقبلت قطر تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل آنذاك، التي ألقت محاضرة في إطار منتدى الدوحة الثامن حول الديمقراطية، والتنمية والتبادل التجاري الحر.
ومع أن دول الخليج سارعت في أواخر سنة 2008 إلى إدانة العدوان الواسع الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، إلا أن المعلومات المسربة من وزارة الخارجية الإسرائيلية بقيت تشير في سنة 2009، كما تذكر إليزابيت مارتو، إلى تعاون على أعلى مستوى بين دول الخليج وإسرائيل في مجال الأمن، لكن "دون أن يعني ذلك أن تقدماً دبلوماسياً معتبراً قد تحقق".
خطوات على طريق تطبيع العلاقات
عقب وصوله إلى رئاسة الوزراء في إسرائيل في شباط 2009، وضع بنيامين نتنياهو نصب عينيه تعزيز التقارب بين إسرائيل ودول الخليج في مواجهة "الخطر" الإيراني، وهو التقارب الذي دخل منعطفاً جديداً عقب توصل الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فضلاً عن ألمانيا، إلى الاتفاق النووي مع إيران في فيينا في تموز 2015. إذ تخوف الجانبان من توجه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي لعبت دوراً بارزاً في التوصل إلى ذلك الاتفاق، نحو التقارب مع طهران، والإقرار بدورها على الساحتين الإقليمية والدولية.
كانت العلاقات الرياضية أحد أشكال تطبيع العلاقات. ففي أيار 2017، استضاف اتحاد كرة القدم البحريني اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بمشاركة ممثلين عن اتحاد كرة القدم الإسرائيلي بصفته عضواً في "الفيفا". وفي تشرين الثاني من العام نفسه، استضافت البحرين سائقاً إسرائيلياً شارك في سباق دولي للسيارات. وفي تشرين الأول 2018، شارك فريق من لاعبي الجودو الإسرائيليين، ترافقهم الوزيرة ميري ريغف، في بطولة عالمية في أبو ظبي. وفي العام نفسه، شارك فريق من لاعبي ألعاب القوى الإسرائيليين في بطولة آسيا لألعاب القوى التي نظمتها مدينة الدوحة القطرية.
وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية، كانت البحرين قد أعلنت، منذ سنة 2004، وقوفها ضد المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل لدى توقيعها اتفاق التبادل التجاري الحر مع واشنطن. وشهدت هذه العلاقات الاقتصادية بين الطرفين تطوراً بارزاً في السنوات الأخيرة. فاعترف وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة في حديث مع قناة "سكاي نيوز" الأميركية، أجرته معه في سنة 2015، بأن دولاً خليجية تجري مفاوضات لشراء منظومة الصواريخ الإسرائيلية المعروفة باسم "القبة الحديدية" وذلك من خلال متعاقدين أميركيين. وفي تشرين الثاني 2017، شارك ممثلون إسرائيليون في أعمال مؤتمر "إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط" الذي عقد في الدوحة. وزار وزير المواصلات أيوب قرة، في خريف 2018، مدينة أبو ظبي في مناسبة انعقاد مؤتمر للأمن السيبراني، وذكر في الخطاب الذي ألقاه أمام المؤتمرين "أن السلام والأمن، فضلاً عن التقدم الاقتصادي والعلمي، هم ضمانة مستقبل الأجيال الطالعة". بينما عرض زميله وزير النقل والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في 7 تشرين الثاني 2018، في عمان مشروع إقامة خط سكك حديدية يربط إسرائيل بدول الخليج عبر الأردن والسعودية، وهو المشروع الذي صار يعرف باسم "قطار السلام". وأبدى الوزير نفسه استعداد إسرائيل لعقد شراكات مع دول الخليج في مجال النقل، وتحلية المياه، والري والطب. والواقع أن الرهانات الاقتصادية لهذا التقارب مهمة، كما ترى الباحثة إليزابيت مارتو، إذ تطمح الشركات الإسرائيلية، وخصوصاً العاملة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة والمعلوماتية، إلى دخول الأسواق الخليجية من أبوابها الواسعة.
وتمثّلت الخطوة الأبرز على طريق تطبيع العلاقات في الزيارة الرسمية التي قام بها، في أواخر تشرين الأول 2018 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط عاصمة سلطنة عمان، وفي المحادثات المطولة التي أجراها مع السلطان قابوس. وقد رافق نتنياهو في تلك الزيارة رئيس "الموساد" يوسي كوهين ومستشاره للأمن القومي مئير بن شبات وزوجته سارة.
ولم تبقّ الزيارات محصورة في اتجاه واحد، إذ وصل إلى إسرائيل، في 9 كانون الأول 2017، في زيارة رسمية وفد مكوّن من 24 عضواً من مجموعة "هذه هي البحرين"، كان في عداده شخصيات دينية وسياسية، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل.
وتعتبر الباحثة الفرنسية إليزابيت مارتو أن علاقات إسرا ئيل مع المملكة العربية السعودية تظل أكثر تعقيداً من علاقاتها مع دول الخليج الأخرى، إذ تبدو الرياض مترددة في الاندفاع على طريق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك على الرغم من بعض المؤشرات المعبّرة التي برزت في السنوات الأخيرة، ومنها ما أشيع عن أدوار لعبها كلٌ من الأمير تركي بن فيصل والجنرال المتقاعد أنور العشقي لتمهيد طريق التقارب بين البلدين، ومنها ما صرح به ولي العهد محمد بن سلمان للمجلة الأميركية "ذي أتلنتيك" في مقابلة أجرتها معه في نيسان 2018 من أن لإسرائيل الحق في أن تعيش بسلام على أرضها، وأنه لا يرى "أي مانع" ديني يمنع وجودها، مضيفاً "أنه في حال التوصل إلى سلام ستكون هناك مصالح كثيرة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي". وكذلك إعلان شركة الطيران الهندية "إير انديا"، في آذار من العام نفسه، أنه بات في وسع رحلاتها إلى تل أبيب استخدام المجال الجوي السعودي.
التطبيع في المواقف الرسمية الإسرائيلية والخليجية
في منتصف شباط 2017، وخلال زيارته الأولى إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، صرح بنيامين نتنياهو بالآتي: "إن بلدان المنطقة العربية لم تعد ترى في إسرائيل عدواً، وإنما ترى فيها، أكثر فأكثر، حليفاً". أما وزير الطاقة الإسرائيلي فقد صرّح، في تشرين الثاني من العام نفسه، لإذاعة الجيش الإسرائيلي بما يلي: "لدينا علاقات مع دول إسلامية وعربية جانب منها سري بالفعل، ولسنا عادة الطرف الذي يخجل منها، الطرف الآخر هو المهتم بالتكتم على العلاقات، ونحن نحترم رغبة الطرف الآخر".
وفي 27 أيلول 2018، قال بنيامين نتنياهو، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم اللمتحدة في نيويورك، أن الاتفاق النووي مع إيران "قرّب أكثر من أي وقت مضى إسرائيل من دول عربية عدة، باتت اليوم أقرب إلى إسرائيل، على أساس [علاقات] حميمة وصداقة لم أكن أتصورها طوال حياتي، ولم يكن في مقدور أحد تخيّلها قبل سنوات"، وأضاف: "آمل أن تصل إسرائيل في يوم قريب إلى توسيع نطاق السلام، السلام الرسمي، ليتجاوز مصر والأردن ويشمل جيراناً عرباً آخرين". وعقب الزيارة الرسمية التي قام بها، في أواخر تشرين الأول من العام نفسه، إلى مسقط، أصدر مكتبه بلاغاً جاء فيه: "تشكل الزيارة خطوة مهمة على طريق تنفيذ سياسة رئيس الوزراء نتنياهو الرامية إلى تعميق العلاقات مع دول المنطقة، واستغلال ما تتمتع به إسرائيل من أفضليات في مجالات الأمن والتكنولوجيا والقطاع الاقتصادي".
وفي تصريح لاحق له، قال نتنياهو: "لقد اعتقدنا دوماً أننا سنفتح أبواب السلام مع العالم العربي بمعناه الواسع عندما نجد حلاً للقضية الفلسطينية...لكن لعل من الصحيح أننا إذا ما انفتحنا على العالم العربي وطبّعنا العلاقات مع دوله، فهذا سيفضي في نهاية الأمر إلى فتح باب الصلح والسلام مع الفلسطينيين".
وقد رحبت المعارضة الإسرائيلية بهذا التوجه نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، إذ أعرب النائب يائير لبيد عن ترحيبه بزيارة بنيامين نتنياهو إلى عمان و "برغبة السلطان في الكشف علناً عنها"، معتبراً أن العلاقات مع العالم العربي "لها أهمية استراتيجية لدولة إسرائيل. فنحن نمثّل جزءاً من الشرق الأوسط ويتوجب على دول المنطقة أن تعي أننا هنا كي نبقى".
وفي الجانب الخليجي، كان وكيل وزارة الخارجية البحريني قد أشار، منذ سنة 2013، إلى"إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل". ثم قدم وزير الخارجية البحراني، في نيسان 2016، عبر حسابه الرسمي على تويتر نعياً للرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريس، ورد فيه: "ارقد بسلام أيها الرئيس شمعون بيريس، رجل حرب ورجل سلام لا يزال بعيد المنال في الشرق الأوسط". وصرّح مصدر رسمي بحريني، في حزيران 2018، أن البحرين "لا تعتبر إسرائيل عدواً"، مؤكداً أن بلده قد يكون أول بلد خليجي يقدم على إقامة علاقات دبلوماسية معها.
وكانت البحرين قد بررت، في شهر أيار من العام نفسه، الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بذريعة أنها تستهدف الوجود العسكري الإيراني في هذا البلد، وصرّح وزير خارجيتها في تغريدة نشرها على حسابه الشخصي على توتير آنذاك أنه "ما دامت إيران تهز استقرار الوضع القائم في المنطقة وتعتبر أن في وسعها مهاجمة البلدان الأخرى كما تشاء بقواتها وصواريخها، فإن لأي بلد في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، الحق في أن يدافع عن نفسه من خلال تدمير مصادر الخطر عليه".
بينما اعتبرت سلطنة عمان عقب الزيارة الرسمية التي قام بها بنيامين نتنياهو إلى مسقط، أن الوقت قد حان للاعتراف بإسرائيل بوصفها قوة إقليمية في الشرق الأوسط: "فإسرائيل دولة قائمة في المنطقة، ويتوجب علينا أن نعي ذلك"، كما أعلن يوسف بن علوي بن عبد الله وزير الشؤون الخارجية، وأضاف في مؤتمر مخصص للأمن جرى تنظيمه في البحرين، غداة زيارة نتنياهو إلى مسقط: "إن العالم يعترف بهذا الواقع القائم. ولعل الوقت قد حان للتعامل مع إسرائيل كأي دولة أخرى، وأن تتحمل الواجبات نفسها".
ويرى يوئيل غوزانسكي، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أن من بين أهداف دول الخليج الرامية إلى التقارب مع إسرائيل إرضاء واشنطن وتعزيز العلاقات معها، وأضاف: "أعتقد أن إدارة ترامب طلبت من دول الخليج، لا سيما الصغيرة منها، اتخاذ خطوات تجاه إسرائيل، وتعزيز الثقة بها". بينما اعتبرت المؤرخة فريدريك شيلو أن دول الخليج، التي أضعفها "الربيع العربي"، والمهووسة بالتهديد الإيراني، باتت أكثر تبعية لواشنطن، التي ترغب في أن تقوم هذه الدول بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، رحب المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات بالزيارة التي قام بها بنيامين نتنياهو إلى مسقط، وغرّد على حسابه الخاص على توتير قائلاً: "نهنيء أنفسنا بهذه العلاقات التي تغدو أكثر حرارة وبالتعاون المتعاظم بين أصدقائنا في المنطقة"، وأضاف: "إنها مرحلة مفيدة لجهودنا السلمية وجوهرية لخلق مناخات استقرار وأمن وازدهار بين الإسرائيليين، والفلسطينيين وجيرانهم". بينما اعتبر دنيس روس الدبلوماسي الأميركي والمستشار الرئاسي السابق بشؤون الشرق الأوسط "أن إسرائيل تعتبر في نظر الزعماء السنة الآخرين بلداً ذا مصداقية في معارضة إيران وفاعلاً لا يكتفي بالأقوال بل يلجأ إلى الأعمال". لكنه قدّر في الوقت نفسه أن هذا "الإعجاب" بإسرائيل لن يتجسد في مستقبل قريب في علاقات عامة مختلفة بصورة جذرية عن السابق.
مزاج شعبي خليجي مناهض عموماً للتطبيع
في إحدى تغريداته على حسابه باللغة العربية على تويتر، قال بنيامين نتنياهو: ""إن أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام لا تتمثّل في زعماء الدول التي تحيط بنا، بل في الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرض على مدار سنوات طويلة لدعاية قدمت إسرائيل بصورة خاطئة ومنحازة".
ويحاول عدد قليل من الكتاب والصحافيين تغيير مواقف الرأي العام في دول الخليج إزاء القضية الفلسطينية وتهيئة المزاج الشعبي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فقد صرّح الإعلامي الكويت ي عبد عبد الله الهدلق خلال لقاء تلفزيوني أجرته معه قناة الرأي الكويتية، كما تذكر الصحافية البحرينية نزيهة سعيد، بما يلي: "في سنة 1948 عندما قامت إسرائيل، لم يكن هناك وجود لدولة اسمها فلسطين، ليس لهم وجود أبداً. هم كانوا عبارة عن شتات متشتت...من الكنعانيين أو العماليق أو الجبارين، وبالتالي لا وجود لدولة اسمها فلسطين". أما الكاتب البحريني عبد الله الجنيد، فقد ظهر على القناة العاشرة الإسرائيلية ليتحدث عن أمن الخليج وعن الخطر الإيراني الذي يتهدد دوله كما يتهدد دولة إسرائيل.
بيد أن هذه الأصوات الشاذة، لا تخفي حقيقة أن العداء لسياسات إسرائيل الاحتلالية والعدوانية لا يزال شديداً في أوساط الرأي العام الشعبي في دول الخليج. فبحسب الصحافية البحرينية نفسها، وجه ظافر العجمي المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج خلال برنامج "ساعة خليجية" الاتهام لإسرائيل إذ قال: "يقوم الصهيونيون بعمل منظم لخلق مزاج تصالحي وتطبيعي مع دول الخليج العربي خصوصاً، ولكن المزاج الخليجي لن يعترف بحق اللص في سرقة بيت أخيه (في إشارة إلى فلسطين). بينما رأى الناشط البحريني خليل بو هزاع أن الخطوات الواضحة للتطبيع مع إسرائيل من جانب بعض الدول الخليجية، في السنوات الأخيرة، "لا تسعى إلا لتمييع الموقف من القضية الفلسطينية واعتبار الكيان الصهيوني المحتل كياناً طبيعياً يتوجب علينا التعامل معه".
وتعقيباً على قيام اتحاد كرة القدم البحريني باستضافة اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بمشاركة ممثلين عن اتحاد كرة القدم الإسرائيلي، أعلنت "الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني" رفضها هذه المشاركة معتبرة "أن قبول تدنيس وفد من الصهاينة المحتلين أرضنا وقبول التطبيع معهم بحجة أن استضافة مؤتمر الفيفا حدث رياضي عالمي مهم هو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً". بينما عقدت مجموعة تتحدث باسم شباب الخليج المناهضين للتطبيع مع إسرائيل مؤتمراً في الكويت "من أجل مناقشة إمكانيات تفعيل حملات المقاطعة في الخليج وسبل تعزيزها وتكثيفها" وبغية "توعية شباب المنطقة بالنضال العربي الفلسطيني المشترك وأهمية المقاطعة وكيفية المساهمة فيها"، كما جاء في بيان أصدرته اللجنة المنظمة.
وتنقل الصحافية نزيهة سعيد عن مراد الحايكي عضو اللجنة المنظمة للمؤتمر ومسؤولها الإعلامي قوله: "يأتي تنظيم هذا المؤتمر رداً على التوجهات التطبيعية مع العدو الصهيوني التي تشهدها المنطقة، مما يدعو لضرورة إبراز الصوت الشعبي في الخليج الرافض للتطبيع، والتصدي لمحاولات التطبيع بكافة أشكاله المباشرة وغير المباشرة، حيث تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة تجاه حماية دولنا من خطر المشروع الصهيوني وكذلك إزاء شعب فلسطين وقضيته العادلة". كما تنقل عن مريم الهاجري إحدى المشاركات في مجموعة "شباب قطر ضد التطبيع" قولها: "نسعى لدعم القضية الفلسطينية من خلال التركيز على خطر التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم، الذي يهدد وجوده أمن كل من هم/هن على أرض فلسطين، علاوة على تهديده أمن المنطقة واستقرارها". كما تشير إلى مقال كتبه الكاتب البحريني المعروف علي فخرو ونشر في صحيفة "القدس العربي"، تساءل فيه عما إذا كان نهج الحركة الصهيونية العدواني موجهاً "ضد شعب فلسطين العربي فقط، ومقتصراً على أرض فلسطين التاريخية المسروقة، أم انه كان ضد كل شعب عربي، وشاملاً لكل الأرض العربية"، معتبراً أن التبريرات التي يسمونها "واقعية وعقلانية" التي تبرر الوثوق بإسرائيل "كحليف استراتيجي لهذه الدولة العربية أو ذاك النظام العربي"، لا تصدر سوى عن "عقل معتوه".