Menu

واشنطن وطهران ودبلوماسية تبادل المحتجزين

محمد السعيد إدريس

نقلا عن الخليج الإماراتية

أول ما تثيره التطورات الجديدة التي بدأت تحدث بين كل من الولايات المتحدة وإيران، وتحديداً ما يمكن اعتباره نوعاً جديداً من عملية «إدارة الصراع» بين البلدين، كما تعبر عنه «دبلوماسية تبادل المحتجزين بينهما»، التساؤل عما إذا كانت هذه الدبلوماسية محدودة الغرض يمكن أن تفتح آفاقاً لتفاهمات أوسع أمريكية - إيرانية قد تصل بالبلدين إلى نزع فتيل الأزمات، سواء كانت الأزمة المثارة حول البرنامج النووي الإيراني، أو الأزمة المثارة حول القدرات الصاروخية الإيرانية، أو السياسة الإقليمية الإيرانية المرفوضة أمريكياً ومن دول المنطقة.
نستطيع أن نتلمس بعض معالم الإجابة عن هذا السؤال من تعليقات الطرفين الأمريكي والإيراني على عملية التبادل الأخيرة لاثنين من المحتجزين لدى البلدين تحت إشراف سويسرا، باعتبارها تدير المصالح الأمريكية مع إيران نظراً للعلاقة المقطوعة بين البلدين منذ عام 1980، كما نستطيع أن نتلمسها أيضاً من الأجواء التي صاحبت عملية التبادل هذه.
نستطيع أن نقول: إن الطرف الأمريكي كان الأكثر تفاؤلاً من أن تقود خطوة إفراج إيران عن المحتجز «شي يو وانج» الأمريكي الجنسية المولود في الصين، والمسجون في إيران منذ عام 2016، وهو طالب دكتوراه في التاريخ يدرس في جامعة برينستون، وإفراج الولايات المتحدة عن مسعود سليماني العالم الإيراني خبير الخلايا الجذعية الموقوف في الولايات المتحدة منذ عام 2018، إلى خطوات أخرى، سواء على صعيد الإفراج عن بقية المحتجزين، أو إلى ما هو أهم؛ أي الملفات الخلافية بين البلدين.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو علق قائلاً: «آمل في أن يؤدي التبادل إلى إطلاق سراح الباقين». وأشار إلى أن بلاده تتابع جهودها وأن هناك مؤشرات عن احتمال حصول تطور إيجابي. أما براين هوك المسؤول الأمريكي عن الملف الإيراني في وزارة الخارجية الأمريكية فاعتبر أن «تبادل المحتجزين بين واشنطن وطهران يعد الخطوة الأولى بين الطرفين، وقد أظهرت هذه الخطوة أنه بإمكان الطرفين الوصول إلى اتفاق».
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علق بدوره على عملية تبادل المحتجزين، حيث شكر ترامب إيران على ما أسماه ب «التفاوض الجيد للغاية» الذي أدى إلى الإفراج عن المحتجز الأمريكي. وقال: «يظهر أننا يمكن أن نتوصل إلى اتفاق ما». وبشكل عام تبدو الولايات المتحدة حريصة على جذب إيران إلى «تفاوض غير مشروط»، ولا سيما شرطي العودة الأمريكية إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه، وإلغاء كل العقوبات المفروضة على إيران، وأنها، أي الولايات المتحدة، ما زالت تراهن على سياسة «أقصى عقوبات» ضد إيران، مرجحة أن تؤدي النتائج شديدة السلبية لهذه السياسة إلى اضطرار إيران للعودة للتفاوض على اتفاق جديد من دون أي شروط.
أما إيران، فكانت أكثر انضباطاً في ردود فعلها على عملية تبادل المحتجزين، على الرغم من أن محمد جواد ظريف وزير الخارجية كان قد ذهب بنفسه إلى سويسرا لاصطحاب المحتجز الإيراني المفرج عنه مسعود سليماني إلى طهران. وكان علي ربيعي المتحدث باسم الحكومة الإيرانية هو من تولى مسؤولية التعليق على عملية التبادل تلك، ووضعها في حجمها الطبيعي من دون أي زيادة، لئلا توصل رسائل خاطئة إلى واشنطن تفيد بأن إفراج طهران عن المحتجز الأمريكي تعكس ضعفاً في الصمود الإيراني، حيث حرص على نفي أن يكون تبادل المحتجزين جاء نتيجة لمفاوضات بين البلدين. وقال «لقد كانت هذه العملية مجرد عملية تبادل.. ونحن مستعدون للتحرك بشأن عمليات التبادل، ولكن لم يكن هناك مفاوضات». وأكد أن «المفاوضات أو أي نوع من المحادثات، لا يمكن أن يتم إلا عبر إطار (مجموعة 5+1)، وبعد أن توقف أمريكا العقوبات والإرهاب الاقتصادي».
هذا يعني أن إيران ما زالت متمنعة عن أي نوع من التفاوض مع واشنطن من دون قبول الأمريكيين بالشروط الإيرانية، وفي ذات الوقت تحرص إيران على عدم إغلاق «أبواب التطلعات نحو الأفضل مع الأمريكيين»، ومن هنا تأتي زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى اليابان التي وإن كانت تخدم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إلا أنها تعتبرها مفتاحاً لاحتواء التوتر الإيراني - الأمريكي في الخليج ومضيق هرمز، وللدور الياباني الأكثر بروزاً في شأن الأزمات الإقليمية، وخاصة في الخليج، أي دور وساطة يابانية مع الأمريكيين تدعم الوساطتين الباكستانية والعمانية، وتتماشى مع بعض مؤشرات الانفراج المحدود في علاقات إيران مع بعض الأطراف الخليجية.
هذه الطموحات أو الحسابات الإيرانية تصطدم مباشرة مع أجواء التصعيد الإيراني - الأمريكي في العراق، وهو تصعيد من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من تأزيم العلاقات وانحسار تفاؤلات أجواء «دبلوماسية تبادل المحتجزين» بين الأمريكيين والإيرانيين في ظل ما يحدث في العراق من اضطرابات تنذر بالخطر بين واشنطن وطهران.