من الواجب علينا أن نكتب أكثر وأبعد من ذلك، اللذين لا زالوا قابضين على جمر المبدئية في زمن يكاد أن يتلاشى فيه كل ما هو مبدئي، لم لا وهم من فهموا الفكرة كما هي وساروا بها مشاعل تضيء وتبدد عتمة الزمن الرديء، زمن الاتجار بكل شيء، من الدين إلى المبادئ إلى السياسة والأوطان، لم يبقى شيء خارج دائرة الاستثمار الدخيل المتوحش الأناني.
لذلك واجبنا أن نكتب ونقول ليست المرة الأولى والأخيرة التي تشتعل فيها المعارك الكفاحية مع الكيان الصهيوني ويكون عنوانها مقاتلو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، فمثلما تستمر معركة الإرادات والتحدي في أقبيته للتحقيق مع سامر العربيد ورفاقه وآخرين من أكثر من 60 يوماً، وتستمر معركة أخرى معركة الأمعاء الخاوية معركة الجوع ليبقى العنفوان الفلسطيني الفلسطيني والصمود والمقاومة إرادة رفض الركوع والخنوع هذه المعركة التي عنوانها المناضل المشتبك في معركة الإرادات من أكثر من 99 يوماً مكبلاً بالأصفاد في سريره بمستشفى كبلان ليس هذا فحسب بل إن حالة من الغليان والتصعيد المتوقع مع الأسرى وبالتحديد أسرى الجبهة لإسناد زهران في معركته ضد إدارة السجون.
ويبدو أن قوات الاحتلال وأجهزتها الأمنية ظنوا أنهم باعتقالاتهم الواسعة والاعتقالات الادارية وأساليب تحقيقهم النازية الأكثر عنفاً يصلون لمبتغاهم لمرماهم في اطفاء جذوة الكفاح لدى جماهير شعبنا، ولكن يبدو أن المعركة بدأت فصولها من جديد مع اختلاف المواقع فبعد أن كان ميدان المعركة رام الله و القدس ونابلس بفضائها وهضابها وسهولها وجبالها انتقلت إلى أقبية التحقيق مع المجموعات الكفاحية وفي المقدمة منهم الفدائي البطل سامر العربيد ليس من الترف أو التبجح يتناول الاعلام العبري مقاتلي الجبهة الشعبية بالتحليل والتركيز على جوانب القوة والصلابة ورباطة الجأش في وصفهم لسامر العربيد ورفاقه، وإذا ما كان الاعلام العبري وعبر مصادره الأمنية قد ساوى بين المقاتل والسياسي حيث ساوى بين القياديين بالجبهة وعضو المكتب السياسي خالدة جرار وأعضاء المجموعات المقاتلة التي تم اعتقالها، فإذا كان القصد هي محاولة للانتقام وتمهيدًا لفترة اعتقال إدارية طويلة بحق المناضلة جرار فهم وباعتقالهم للمفكر المناضل د.أحمد قطامش يعلنوها حربًا مفتوحة على الفكرة والرؤية وكل من يؤمن بها.
حريًا بنا أن نعيد إلى الأذهان تلك السنوات من الكفاح الفلسطيني التي كان مقاتلو الجبهة الشعبية حجر الرحى وعامود الخيمة للكفاح الفلسطيني المعاصر، في حينه مارست قوات الاحتلال نفس الأساليب القمعية، اعتقالات، تصفيات، ابعاد بحق المناضلين عامة كما ميزت بشيء من القساوة العنيفة والقانونية "الأوامر العسكرية" بحق أعضاء الجبهة سواء بإصدار أحكام قاسية بحقهم أو حين حاولوا أكثر من مرة رجال مخابرات العدو تصفية قيادات عسكرية للجبهة داخل المعتقلات منهم محمد أبو عتيق "شيبوب" حينما أخرجوه من الزنازين وحاولوا إعدامه قرب وادي غزة لولا سرعة تدخل الصليب الأحمر في حينه، وقد نجحوا بتنفيذ الاعدام بحق آخرين، وتباعًا نستذكر ابراهيم الراعي، مصطفى عكاوي، وغيرهم كثر من مناضلي الشعب الفلسطيني وصولاً إلى سامر العربيد والذي وصل إلى حافة الشهادة خلال التحقيقات الأخيرة معه، فيما لا زال يعاني من كسور في القفص الصدري وفشل كلوي كما جاء على لسان محاميه.
إذًا ما الجديد: الجديد أن مجموعة قليلة من الفدائيين الجدد في عصر تنكنولوجيا أمنية عالية الدقة كاميرات التصوير المنتشرة في الشوارع والميادين والبيئة المحيطة المجافية، نجحوا في إدارة وتنفيذ عملياتهم النوعية في هذه البيئة والظروف الأمنية المعقدة وبإمكانيات متواضعة قياسًا بإمكانيات آخرين.
إن الاعتقالات الهوجاء والهوس الأمني الذي أصاب أجهزة أمن العدو ليس وليد اللحظة فهو يلاحقهم منذ أعلن وديع حداد شعاره، وراء العدو في كل مكان، وما استمرار الاعتقالات على مدار أكثر من ستون يومًا لتطال أكاديميين ومثقفين من مختلف الفئات، إلا دليل عجز وانتقام تاريخي من كفاحيي ومناضلي الجبهة.
إن ممارسة هذه الأساليب الإجرامية والعدوانية بحق مناضلي شعبنا الفلسطيني قد فشلت منذ بدايات الثورة الفلسطينية المعاصرة، فشلت في الحد من التضحوية العالية لدى جموع المناضلين، فشلت بأن تطفئ جذوة الكفاح والمقاومة التي تنبعث من جديد بمناضلين جدد بعد كل معركة ليحملوا الفكرة والراية نحو الهدف المنشود التحرير وهزيمة المشروع الصهيوني.