Menu

دعوة إلى حوار وطني على مرحلتين

حسن نافعة

يحتاج الوطن العربى إلى معجزة لوقف حالة الانهيار التى تجتاحه منذ سنوات. ولأننا لم نعد فى زمن المعجزات، فإنه من المتوقع أن تستمر هذه الحالة إلى أن يتم رسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة، من المتوقع أن تختلف كثيرا عن تلك التى رُسمت لها عقب الحرب العالمية الأولى.

دول عربية كثيرة مرشحة للاختفاء من هذه الخارطة، ودول عربية أكثر عددا وأقل وزنا ومكانة مرشحة للظهور فيها، وحدها الدول القادرة على تحصين جبهتها الداخلية، وهى قليلة، هى التى ستتمكن من الصمود والبقاء دون تغيير يذكر فى خرائطها السياسية، لكن سيكون عليها حينئذ أن تتأقلم مع أوضاع وموازين قوى جديدة فى المنطقة ستميل حتمًا إلى غير صالحها.

يسود شعور عام بأن الدولة المصرية، بتاريخها الحضارى وتماسكها الاجتماعى، قادرة على الصمود فى وجه الأعاصير التى تهبّ بشدة على المنطقة، لكنى أعتقد أن هذا الشعور المتفائل وُلد من رحم أحلام وطموحات نتمنى أن تتحقق فعلا، وليس استنادًا إلى تحليلات علمية رصينة. ولأن الحذر واجب فى كل الأحوال، فإنه يجدر بنا أن نأخذ فى الاعتبار أن مصر تغيرت كثيرا، ومن ثم يستحيل أن تعود إلى ما كانت عليه، بدليل:

1- تمكن شعبها من تفجير ثورتين كبيرتين خلال أقل من ثلاث سنوات. 2- عجز النخب التى تعاقبت على حكمها منذ ثورة يناير عن إرساء أسس مقبولة لنظام سياسى قابل للدوام والاستقرار. 3- إصابة الجسد السياسى والاجتماعى بجروح عميقة لا تزال حية لم تندمل بعد، بسبب ما جرى على مدى السنوات الأربع الماضية، وبالتالى يتعين تضميدها لتمكين الجسد الاجتماعى من استعادة تماسكه مجددا.

فجرت ثورة 25 يناير طليعة شبابية لا تنتمى إلى الأحزاب الرسمية، وشاركت فيها كل القوى صاحبة المصلحة فى إزاحة نظام مبارك، بما فى ذلك جماعة الإخوان المسلمين التى نجحت لاحقًا فى سرقتها وتجييرها لحسابها وحدها. وفجرت ثورة 30 يونيو طليعة شبابية لا تنتمى إلى الأحزاب الرسمية، وشاركت فيها أيضا كل القوى صاحبة المصلحة فى إزاحة نظام الإخوان، بما فى ذلك شبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك. ولأن جميع الرموز التى ارتبطت بثورة 25 يناير تعرضت، وما زالت تتعرض، لحملات تشويه ممنهجة من جانب أوساط محسوبة على النظام الذى يحكم مصر حاليا، يصعب القول بأن هذا النظام ينتمى ويعبر عن ثورتى 25 يناير و30 يونيو، مثلما يقضى دستور 2014.

تحصين جبهة مصر الداخلية وتمكينها من استعادة تماسكها الاجتماعى وسد الثغرات التى قد تنفذ منها قوى خارجية يتطلب حوارا وطنيا جادا أقترح أن يقام على مرحلتين:

مرحلة أولى: تشارك فيها كل القيادات الممثلة للحركة الوطنية المصرية، باستثناء جماعة الإخوان المسلمين والقوى المتحالفة معها، من ناحية، ورموز نظام مبارك والقوى المتحالفة معه، من ناحية أخرى، بهدف التوصل إلى قواعد تأسيسية لدولة مصر الجديدة، خصوصا ما يتعلق منها بمحاربة الإرهاب وبتحقيق العدالة الاجتماعية فى ظل التنمية وضمان الحريات.

مرحلة ثانية: تشارك فيها قيادات ممثلة لجماعة الإخوان ولنظام مبارك، ممن يقبلون بكل القواعد التى تم الاتفاق عليها فى المرحلة الأولى، ولم تتلطخ أيديهم بدماء المصريين، ولم يشاركوا فى إفساد الحياة السياسية أو نهب ثرواتها. فليس كل عضو فى جماعة الإخوان إرهابيًّا، وليس كل عضو فى الحزب الوطنى فاسدًا أو مستبدًا.

المصدر: التحرير