Menu

ماذا بعد؟

عوني صادق

لأشهر مضت، والبعض ينتظر أن تعلن الإدارة الأمريكية عن «الشق السياسي» في «الخطة الأمريكية» المسماة «صفقة القرن»، على أساس أن «الشق الاقتصادي» كان قد أعلن عنه في «ورشة البحرين »! الآن، وقد عُرف هذا الشق، واجتمعت الجامعة العربية لبحث الموقف من «الخطة»، وصدر بيانها الختامي، أصبح السؤال: ماذا بعد؟ هل تغير شيء؟ ماذا تغير؟ وكيف أصبحت المواقف الآن؟

في واقع الأمر لم تكن هناك حاجة للانتظار، فكل شيء تقريباً يتعلق ب«الخطة الأمريكية» كان معروفاً منذ البداية، بفضل التسريبات الكثيرة التي حرص المسربون على تسريبها، والتي كان مقصود منها أن تهيئ الأجواء والظروف والنفوس لاستقبال «الخطة» بصفتها أمراً مفروضاً «من أعلى»، وليس قابلاً للنقاش. وقد بات معروفاً الآن أن «الخطة» لم تكن أمريكية إلا بالتبني، بمعنى أن واضعها الحقيقي هو بنيامين نتنياهو الذي كان قد عرضها على الفريق الفلسطيني المفاوض منذ العام 2012، كما أوضح ذلك كبير المفاوضين صائب عريقات، ثم تبنتها الإدارة الأمريكية حرفياً! والدليل على ذلك أن كل البنود الأساسية التي تضمنتها «الخطة» كانت حكومات نتنياهو المتعاقبة إما أنها نفذتها على الأرض قبل أن يبدأ الحديث عنها، وإما تعهد بها نتنياهو وآخرون من حزبه ومن المعارضة أيضاً أنهم سينفذونها بعد الانتخابات!

في كل الأحوال، بالنسبة لاجتماع وزراء الخارجية العرب، لم يكن أحد ينتظر أن يسفر عن أفضل مما جاء في بيانهم الختامي، بل إن البعض رأى أنه بالفعل جاء أفضل مما كان متوقعاً، ذلك أنه جاء في النهاية رافضاً للعرض الأمريكي ومؤيداً لما يقبل به الفلسطينيون، وهؤلاء كانوا رفضوا الخطة جملة وتفصيلاً منذ البداية. لكن من المعروف أن مشكلة قرارات الجامعة العربية تكمن في التنفيذ، وعبارة «نقبل ما يقبل به الفلسطينيون» تبدو قديمة، وفي النهاية لا يلام أحد إن جاء الموقف الفلسطيني متخاذلاً أو متواطئاً، أو جاء أقل مما يفترض الموقف من حرص على الحق الفلسطيني، وما يتطلب من تمسك بكل ما يتوجب فعله للوصول إلى هذا الحق. ودائماً كنا نرى ونؤكد أن الموقف الفلسطيني هو الأصل في أي موقف عربي أو دولي يتخذ ويتعلق بالقضية الفلسطينية.

أما بالنسبة للموقف الرسمي الفلسطيني، كما عبر عنه الرئيس محمود عباس في كلمته في الاجتماع الوزاري للجامعة، فهو في أحسن الأحوال ملتبس، فهو من جهة رافض ل«العرض» الأمريكي، إذ أعلن عن قطع العلاقات «بما فيها الأمنية» مع أمريكا و«إسرائيل»، ومن جهة أخرى أبقى الأبواب مفتوحة أو مواربة تسهل العودة واستئناف ما انقطع، خصوصاً أنه لم يذكر شيئاً عن «التنسيق الأمني» هذه المرة، على عكس مرات سابقة ذكرها بالتحديد من دون أن يقطع فعلاً! إضافة إلى أنه مازال يدافع عن «اتفاق أوسلو» ويتمسك به! وحتى الآن يرى أنه على حق في تفضيله «اتفاق أوسلو» على العرض الأمريكي الذي أعطاه 11% من أرض فلسطين بدلاً من 22% منها الذي أعطاه «أوسلو»، وكأنما فلسطين في الأصل أرض مشاع ليس لها صاحب، وليست وطناً لشعب ينتمي إليه ولا يحق لأحد أن يتنازل عن ذرة من ترابه!!

وهكذا إذا كان الأمر يتوقف على طبيعة الموقف الفلسطيني، فقد سبق وأكدنا في مقالات سابقة أنه ليس أمام الفلسطينيين إلا الاعتماد على أنفسهم بداية، ثم بعدئذٍ يتوفر لهم الدعم العربي والدولي الذي يريدون. وبكلام واضح، يجب على الفلسطينيين أن يقدموا للعالم موقفاً موحداً يتمسك بحقوقهم التي تجاهلتها «صفقة» ترامب بعد أن تجاهلتها «إسرائيل» أكثر من سبعة عقود، وكانت في كل مرة توضع هذه الحقوق للبحث يتبين أن هذا الكيان الغاصب يتطلع إلى مزيد من تجاهل هذه الحقوق، ومزيد من الرغبة في الاستيلاء على ما بقي منها! وبعد الموقف الموحد يصبح ممكناً توفير ظروف لتطوير سبل مواجهة قوات الاحتلال، كإشعال انتفاضة شاملة قادرة على فرض التراجع على قوات الاحتلال من جهة، وعلى كسب التأييد العربي والدولي للموقف الفلسطيني وحقوق الفلسطينيين. بغير ذلك، كل شيء سيكون جعجعة دون طحن!! ويجب ألا ننسى العبارة التي طالما رددناها لأكثر من نصف قرن: ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.