Menu

لغة الجسد تكشف خفايا الصفقة

د. محمد السعيد إدريس

على الرغم من كل خطورة ما تضمنته صفقة دونالد ترامب للسلام بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين إلا أن المؤتمر الصحفى الذى جمع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع صديقه بنيامين نتنياهو رئيس حكومة تسيير الأعمال فى كيان الاحتلال "الإسرائيلى" لإعلان تلك الصفقة تضمن الكثير من المعانى التى لا تقل خطورة خاصة من ناحية ما كشفته "لغة الجسد" بين الرجلين ترامب ونتنياهو.

وإذا كانت مضامين الصفقة قد اعتبرت بمثابة "صك انتداب جديد" يفرض على الشعب الفلسطينى انتداباً أمريكياً - إسرائيلياً يفوق فى طغيانه الانتداب البريطانى على فلسطين الذى أدى فى النهاية إلى قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين، على حد وصف الكاتب "الإسرائيلى" تسفى برئيل فى مقاله بعنوان "رؤيا ترامب.. وصك الانتداب الجديد" المنشور فى صحيفة "هآرتس" ، فإن التفاعل المتبادل طيلة مدة ذلك المؤتمر الصحفى بين كل من ترامب ونتنياهو وبين الحضور أكد أن المؤتمر كان من بدايته إلى نهايته "حملة انتخابية مبكرة" لكل منهما وتحدياً للأطراف المناوئة لهما وأنه، أى المؤتمر، كان معداً سلفاً لخدمة الحملتين الانتخابيتين لكل من ترامب ونتنياهو، وكان دعماً صريحاً من ترامب لحملة نتنياهو ورسالة منه للناخبين "الإسرائيليين" تقول وعلى لسان ترامب أن نتنياهو "هو الشخص الأجدر بقيادة (إسرائيل) لأنه من يحقق لها من المكاسب ما لم يستطع أحد قبله تحقيقها وربما لن يستطيع أحد بعده أن يحققها"، ولعل هذا ما دفع "يوسى بيلين" أن يتساءل فى مقاله المنشور فى صحيفة "إسرائيل اليوم" عن: "ما الغاية من خطة معدة بعناية للرفض الفلسطينى"؟

أما "لغة الجسد" أى مشاركة الجسد فى طرح الأفكار التى جرى إعلانها فى ذلك المؤتمر الصحفى، فقد كشفت ما هو أعمق دلالة، وربما تكون قد قدمت إجابات لذلك السؤال.

كان المشهد مثيراً حقاً، وبالذات إيماءات نتنياهو وسعادته الغامرة بأداء صديقه دونالد ترامب وما يطرحه من أفكار. كانت سعادته لا توصف لسبب رئيسى أنه كان يجد الرئيس الأمريكى قد حفظ عن ظهر قلب الأفكار والمبادئ التى سبق أن صاغها (نتنياهو) فى كتابه "مكان تحت الشمس" الذى نشر قبل 25 سنة كرد لليمين "الإسرائيلى" على اتفاقات أوسلو. لقد بدى ترامب وهو يستعرض أهم أفكار مبادرته وكأنه تلميذ مجتهد استوعب أفكار أستاذه، ووقف أمامه يستعرض قدرته الفائقة على استيعاب تلك الأفكار ، ما يعنى أن من صاغوا هذه المبادرة كانوا حريصين على أن تأتى على مقاس نتنياهو وحزب الليكود واليمين "الإسرائيلى" ، ما يعنى أن مبادرة ترامب "لا تخرج عن كونها صياغة حديثة لأفكار نتنياهو وما يريده اليمين "الإسرائيلى" .

لاحظ ذلك الكاتب "الوف بن" فى صحيفة هآرتس (29/1/2020)، سواء من ناحية ما يتعلق بتبنى ترامب الرواية اليهودية للصراع الدائر فى فلسطين التى ترى أن اليهود هم أصحاب الأرض وأن العرب "مجرد قوى غاصبة لتلك الأرض" ، وأن حرب 1948 لم تكن إلا "حرب تحرير لأرض اليهود من الغاصبين العرب"، أو من ناحية ما يتعلق برفض أى وصف لضم المستوطنات "الإسرائيلية" بالضفة الغربية أو ضم القدس على أنه "احتلال" بل هو "تحرير" ، ومطالبة الفلسطينيين ، وربما العرب ومعهم الدول الإسلامية بالاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية"، أو ما يتعلق بالقضايا الأساسية فى الصراع أى: حدود الدولة "الإسرائيلية" التى يجب أن تمتد لتشمل معظم أراضى الضفة الغربية التى هى "يهودا والسامرة" بالنسبة لهم، إضافة إلى "غور الأردن" للفصل بين الكيان الفلسطينى المقترح والأردن، والاستحواذ على مياه نهر الأردن، وكذلك القدس التى يجب أن تكون موحدة وعاصمة أبدية للدولة اليهودية، وإنهاء كل ما يتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.

كل هذه الأفكار هى أفكار نتنياهو والليكود لكن ما هو أهم هو الشروط التى تضمنتها المبادرة بخصوص المعابر، أى معابر الكيان الفلسطينى المقترح إلى الخارج، وبخصوص ما يمكن تسميته بـ "الخارطة المفاهيمية" التى يجب على الكيان أو الدولة الفلسطينية المقترحة تلبيتها كى تشرع "إسرائيل" فى تنفيذ المطلوب منها فى الخطة بعد أربع سنوات من بدء التنفيذ الفلسطينى لها فى حين تسعى إسرائيل إلى الضم الفورى لمستوطنات الضفة الغربية والغور الأردنى دون أى انتظار .

فقد كشفت الخطة أو الصفقة أن دولة فلسطين المقترحة ستكون لها معابر حدودية مع كل من الأردن ومصر، لكنها "ستخضع للرقابة الإسرائيلية" حسب النص الذى يقول: "يعبر جميع الأشخاص والبضائع الحدود إلى دولة فلسطين من خلال معابر حدودية منظمة ستكون تحت رقابة دولة "إسرائيل"  وبحسب الخطة "سيكون لمسؤول المعبر الحدودى الإسرائيلى استخدام أحدث تقنيات المسح والتصوير، والحق فى التأكد من أنه لن يسمح بدخول أى أسلحة أو مواد استخدام مزدوج أو أى عناصر أخرى ذات صلة بمخاطر أمنية إلى دولة إسرائيل" .

أما الخارطة المفاهيمية المرفقة بالخطة فتقول أنه يجب على الدولة الفلسطينية تلبية خمسة شروط أو معايير "التى يجب على إسرائيل والولايات المتحدة معاً المصادقة على تحققها بعد التشاور مع السلطة الفلسطينية . الشروط تنص ، من بين أمور أخرى على أن الفلسطينيين يجب عليهم تطبيق أسلوب حكم يستند إلى الدستور (أو طريقة أخرى) ترسخ سلطة القانون وتوفر حرية التعبير، وانتخابات حرة، واحترام حقوق الإنسان لمواطنيها، وجهاز قضاء مستقل، وإنشاء مؤسسات تمويل أمينة وشفافة تستطيع الوفاء بالاتفاقات مع المؤسسات المالية الدولية، كما يجب على الفلسطينيين إلغاء كل البرامج ، بما فى ذلك البرامج التعليمية والكتب التعليمية التى تستخدم للتحريض وتشجيع الكراهية ضد جيرانهم (الإسرائيليين) ، وعليهم أيضاً إنجاز إشراف مدنى وتطبيق للقانون فى كل المنطقة الجغرافية التى تعود لهم، ونزع السلاح من مواطنيهم" وبالتحديد نزع سلاح حركتى "حماس" و"الجهاد الإسلامى".

هذه الخريطة تكشف أن صفقة ترامب ، وكما يقول "تسفى برئيل" فى "هآرتس" تعين جسماً مشرفا إسرائيلياً - أمريكياً يحدد ويصادق على تصرفات الدولة الفلسطينية المقترحة، أى وضع هذه الدولة تحت الوصاية "الإسرائيلية" – الأمريكية ولعل هذا ما يكشف إيماءات نتنياهو بالرضا والسعادة وهو يتابع أفكاره تنطلق على لسان الرئيس الأمريكى فى شكل خطة أو صفقة هدفها النهائى تصفية كل حقوق الشعب الفلسطينى، وفرض الدولة اليهودية كخيار وحيد على كل أرض فلسطين كى يتحقق السلام الذى يحلم به نتنياهو ويريده الرئيس الأمريكى حسماً للصراع التاريخى على أرض فلسطين .