Menu

لكي لا يتكرر فشل تجربة ثورة 36-39

حاتم استانبولي

غزة _ بوابة الهدف

إعلان الخطة الأمريكية وضع الجميع في الساحة الفلسطينية أمام خيارٍ واحد لا لبس فيه، وهو أنّ الخطة بجوهرها هي تصفية نهائية للقضية الفلسطينية خاصة أنّ من طرحها يملك القوة المادية لتطبيقها أو كما ورد تصريح نتنياهو أنّ خطة ترمب لا تتطلب موافقة فلسطينية لتطبيقها.

القضية الفلسطينية عمرها مائة عام تقريبًا وشهادة ميلادها كان وعدًا بريطانيًا بإعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين، سُمي وعد بلفور، وجرى رسم وتقسيم المنطقة بريطانيًا- فرنسيًا بما يتوافق مع هذا الوعد الذي أصبح لديه إمكانياتٌ مادية للتحقيق بعد إصدار قرار عصبة الأمم بانتداب بريطانيا ل فلسطين لإقامة الوطن القومي اليهودي بمساعدة الوكالة اليهودية.

شعبنا الفلسطيني جابه الوعد وأدواته الصهيونية بكل الوسائل وأطلق الانتفاضات والثورات، لكن كان دائمًا يبتلي بقيادة لا تصل إلى مستوى عطائه وتضحياته، ما قبل النكبة وضعت القيادة الفلسطينية بقيادة المفتي أوراقها في سلة المستعمر البريطاني واعتبرته القاضي بينها وبين الصهيونية وأداتها الوكالة اليهودية وفروعها العسكرية والاقتصادية وتحت أعينها كانت الأرض الفلسطينية تقضم كل يوم وبضغط من الحكومات العربية أجهضت ثورة ال36-39 وكانت مدخلًا لإعلان دولة إسرائيل 1948، وبموافقة ضمنية عربية حيث أُلغيت فلسطين من الخارطة وهُجّر شعبها والحق وحوصر في مخيمات انتشرت في المحيط العربي الذي قسم من أجل نظم وظيفية مهمتها التعاطي مع الوقائع الجديدة وإعادة صياغة المفاهيم لتقبل الوليد الجديد وحمايته من غضب الجماهير العربية.

بعد مائة عام تعلن خطة ترامب من أجل تصفية القضية الفلسطينية وإعطاء شهادة عربية إسلامية للدولة اليهودية، هذه الشهادة التي وضع أسسها القادة الفلسطينيون الذي ابتلي بهم شعبنا مرة أخرى لتكرر ماساة قيادة المفتي الذي وضع القضية الفلسطينية في السلة البريطانية، لتتكرر الماساة بقيادة عرفات وعباس الذين وضعوا الثورة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني في السلة الأمريكية، وفي إطار للتفاوض المباشر مع السارق والمغتصب وأخرج القضية الفلسطينية من إطارها القانوني والحقوقي والوطني، واعتبر كل من عباس وفريقه أنّ القضية الفلسطينية يُمكن أن تحل من خلال صراع تفاوضي قدموا كل ما في جعبتهم من اعتراف بأحقية يهودية في فلسطين وعملوا عنده في إطار ما يُسمى بالتنسيق الأمني الذي هو تنسيق في اتجاهٍ واحد نتائجه لمصلحة الأمن الإسرائيلي في حين ومنذ بداية "أوسلو" يزداد تغوّل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتصادر أرضه كل يوم وتهود مدنه وقراه.

بعد إعلان خطة ترمب أطلقت الكلمات الغاضبة في تكرار ممجوج، لما حصل عند الاعتراف ب القدس عاصمة للدولة اليهودية، وأعلن عن وفد لزيارة غزة لاتمام المصالحة ولكن ماذا كانت النتائج الفعلية؟

فقط كلمات كان المقصود بها التهويل بخطر الذهاب إلى غزة التي كانت عملية ابتزاز للخارج ولكن هذه السياسة لم تعد تجدي أوروبيًا وأمريكيًا ورجعيًا عربيًا، ولم يعودوا مكترثين بالوضع الداخلي الفلسطيني، بل بالعكس هم مرتاحين لوجود قوتين يمينيتين في رام الله وغزة، سلطة رام الله أعطت كل ما عندها ولم يعد لديها ما تعطيه سوى التنسيق الأمني الذي يعطيها شرعية استمرارها والتهديد بمصالحة حماس.

كلمات كبيرة وصرخات في الهواء ولكن مردودها صفر بالمعنى الملموس، كلمات تؤكد استمرار مراهنتها على جوهر نهج أوسلو.

الحديث عن الإنجازات الدولية لا يمكن الحفاظ عليها في إطار التمسك بالمفاهيم والطرق التي أوصلت قضيتنا إلى ما هي عليه، ليست مهمتنا أن نجد حلولًا للمشكلة اليهودية التي هي بالأصل مشكلة ظهرت في المجتمعات الغربية وليس في فلسطين.

بعد إعلان الخطة ليس كما قبلها، فلوحة التناقض توضحت أكثر من أيّ وقتٍ مضى، لا يمكن الاستمرار باتهام النضال الوطني التحرري الفلسطيني بالإرهاب، ولا يمكن القبول باستمرار الأسرى في السجون واعتبارهم مجرمين، ولا تكون قضيتهم على جدول أعمال سفراء السلطة في العواصم لطرحها في كل المناسبات من أجل كشف الوجه الفاشي للممارسات الصهيونية .

لا يمكن إلغاء الطابع الوطني التحرري للقضية الفلسطينية، لايمكن القبول باستمرار إعطاء غطاء للرجعيين العرب وقادتهم بتبرير فتح علاقاتهم مع إسرائيلي العدوانية، بتبرير أن الفلسطينين هم من فصّل مسارهم عن المسار الجمعي العربي بتوقيعهم اتفاق اوسلو وقبولهم التفاوض الثنائي بالرعاية الأمريكيّة.

حكومات أوسلو هي تحمل ذات صفات حكومة "فيشه" الفرنسية التي شكلت في ظل الاحتلال النازي وباتيستا الكوبي وكرزاي الأفغامي وحكومات سايكس بيكو.

إن وصف السلطة لنضالنا بالارهاب في كل مناسبة أممية يطرح عليها مدى الشرعية الوطنية التي يفترض أن تكون حاكماً لأدائها، وبذات الوقت تؤكد اعترافها باحقية الاحتلال لفلسطين، وتتلقى الإهانات باسم الشعب الفلسطيني وتريد أخذَ شرعيتها من فاسد صهيوني (أولمرت)، لا يمكن استمرار هذه الجوقة وكان شيئًا لم يكن.

لا يمكن الاستمرار بقبول الرشوة الشهرية التي ترسل من قبل الدول الغربية، هذه الرشوة المشروطة بإبقاء التفاوض الثنائي واستمرار التنسيق الامني واعتبار النضال الوطني إرهابًا مجرّمًا.

الثورة الفلسطينية المعاصرة انطلقت من فكرة تحويل خيمة اللجوء لخيمة مقاومة من أجل عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه 48، وليس من أجل تشريع الاعتراف بالاحتلال العنصري الإحلالي لفلسطين.

لكي لا تتكرر تجربة فشل وإجهاض ثورة ال36-39 التي مهدت إلى إعلان دولة إسرائيل. لا يمكن مجابهة خطة ترمب بذات الأدوات والأساليب التي مهدت لإعلانها.

المرحلة الوطنية التحررية تستلزم إعادة قراءة اصطفاف القوى الداخلية الفلسطينية من مع المشروع الوطني التحرري ومن مع مشروع التنسيق الأمني العميل.

هذا يتطلب طرح مشروعًا وطنيًا تحرريًا جامعًا عماده الأساسي المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها وإعلان التموضع في إطار محور المقاومة الذي قلبه دمشق وجناحيه طهران وبيروت، ورأسه المقاومة الفلسطينية التي ستعيد توحيد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده.