Menu

عن وحدة لم تصمد!

د.فايز رشيد

اثنان وستون عاماً مرّت على قيام الوحدة بين مصر وسوريا، وإعلان الجمهورية العربية المتحدة. أحيت الوحدة حينها أمل الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج بالمستقبل. فمطلق مواطن عربي يحس بانتمائه العربي، يدرك أن الوحدة هي الطريق للتكامل العربي في مختلف النواحي: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، وهي السبيل لتحقيق الأمن العربي المشترك، وهي كذلك القوة الإضافية للأمة العربية مجتمعة ولدولها فرادى.

الوحدة هي الوسيلة الفضلى لمجابهة المخططات الاستعمارية في المنطقة، وعلى رأسها المؤامرات الصهيونية. الكلّ يدرك أن الهدف الذي حُدّد من إنشاء دويلة الكيان في فلسطين (قلب المنطقة العربية)، كما تقرر في مؤتمر كامبل بنرمان (الذي استمرت جلساته المتقطعة على فترات من عام 1905 -1907)، هو إيجاد دولة في المنطقة العربية، تكون صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة، تفصل جزأي الوطن العربي في آسيا وإفريقيا، وتمنع وحدة العرب وتخريب دولهم وتنفيذ المصالح الغربية في أقطارهم.

الوحدة هي تأصيل للعروبة الحقّة التي توحدّ بين ما يزيد على 350 مليون عربي يجمعهم التاريخ المشترك واللغة والتراث والمصير المشترك، وهم جميعاً عرضة للاستهداف من ذات الأعداء. لقد ظهرت فكرة الوحدة العربيّة مع نهايات القرن التاسع عشر عندما كان العرب يرزحون تحت حكم الدولة العثمانية، وكانوا يعانون - كما كل القوميات الواقعة تحت سيطرة هذه الدولة - التهميش والتمييز القومي لصالح الأتراك. ومع نجاح نموذج الدولة القومية في أوروبا، سعى العرب، كغيرهم من القوميات، للحصول على دولتهم القومية، لتحقيق طموحات الشعب العربي في التقدم والرقي. لكن، وبعد الحرب العالمية الأولى، وانهيار إمبراطورية (الرجل المريض)، حالت قوى الاستعمار الأوروبي دون تحقيق هذا الحلم، عبر اتفاقية سايكس بيكو ثم وعد بلفور، وصولاً إلى قيام دويلة «إسرائيل».

لقد ادّعى المجرم نتنياهو أنه تمكن من القضاء على «القومية العربية»، وذلك في معرض قوله: إن هدفنا الكبير هو التغلب على التهديد الإيراني، «كما قضينا على التهديد الكبير الذي تمثل بالقومية العربية». نتنياهو عندما اعتقد واهماً القضاء على القومية العربية، كان يقارنها بالصهيونية المخترعة التي لا تمتُّ للقومية أو الدين أو الأمة بصلة! فاليهودية ديانة انتشرت في دول عديدة، وجاء إنشاء حركتها الصهيونية صناعةً لتسويغ احتلال فلسطين وطرد أهلها وإقامة دولتها، فلا جذور عضوية لها في التاريخ. مفكرو القرن رأوا فيها حركة استعمارية ورجعية تمثل مصالح الرأسمالية اليهودية.

إن التآمر الصهيوني الاستعماري على وحدة مصر وسوريا، سبّب في انهيارها، كما منع امتدادها لتشمل أقطاراً عربية أخرى، والحؤول دون قيام تجربة أخرى ناجحة. لكن، أمل الوحدة العربية سيظل يراود عقول وأفئدة العرب على مدى الزمن. ولكن يحول دون تحقيقها للأسف ضعف الدول الإقليمية العربية وال قطر ية البغيضة، كما أطماع الدول الكبرى في ثروات العالم العربي، ووجود العدو الصهيوني، وهذه العوامل السلبية لن تبقى إلى الأبد.