Menu

الإمبريالية تدعم "المثقف الخائن"

حوارالروائي المصري خالد إسماعيل لـ "الهدف": المقاومة أحبطت كتائب العولمة الثقافية

القاهرة _ حاوره الكاتب والروائي حسين البدري

المقاومة ستهزم "صفقة القرن".. وتضحيات الشعب الفلسطيني أكبر من التعاطف العربي

أمريكا وإسرائيل والبرجوازية العربية أعدائي.. والمنظمات الحقوقية الممولة تخدم الإمبريالية

الإمبريالية تدعم "المثقف الخائن" ليقتل روح المقاومة

الجوائز "مصيدة" للمبدعين.. والكاتب الحقيقي يدافع عن كيانه الوطني والقومي

ندفع ثمن حل الحزب الشيوعي المصري في الستينيات

مصر تستهلك نفايات الغرب منذ "كامب ديفيد".. والصحافة تعادي أحلام الجماهير

الأفكار العِرقية "الخبيثة" تستهدف ضرب "قومية المعركة"

أكَّد الروائي المصري خالد إسماعيل أن المقاومة قادرة على هزيمة المخططات الأمريكية الصهيونية بشأن ما يسمى "صفقة القرن"، لافتًا إلى نهاية زمن عربدة إسرائيل دون رادع بسبب زيادة قوة محور المقاومة، مشددًا على أن تضحيات الشعب الفلسطيني أكبر من التعاطف العربي.

"إسماعيل" قال في حوار خاص مع مجلة "الهدف" إن انتصارات قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية والانتفاضات العربية أدت إلى تراجع وهزيمة ما أسماه كتائب العولمة الثقافية، محذرًا في الوقت ذاته من برنامج دعائي برجوازي يستهدف إسقاط الأدب من قائمة الأسلحة الفكرية التي يعتمد عليها تيار المقاومة، بهدف تكريس المشهد الحالي شديد القتامة الذي يعادي الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال السياسي والاقتصادي.

الروائي اليساري صاحب الإحدى عشرة رواية آخرها "قهوة الصحافة" الصادرة مؤخرًا، بالإضافة إلى مجموعتين قصصيتين، شدد على "قومية المعركة" ضد الكيان الصهيوني، مؤكدًا على أنه مثلما هُزم الاستعمار القديم ستخرج أمريكا من بلادنا وستزول إسرائيل حتمًا، فإلى نص الحوار.

1559356_459138524191198_2115691011_o.jpg


 

  • في البداية.. ماذا يمثل الإبداع لـ خالد إسماعيل؟

الإبداع مبرر وجودي وسلاحي في معركتي ضد الفساد والقبح والاستغلال وكل أعداء الحياة وصناعها الحقيقيين، الإبداع الدليل الوحيد لديّ على أنني اعترضت ورفضت وقاومت كل قبيح وفاسد ومعادٍ للإنسان الذي كرّمه الله بنعمة الحياة وفرض تكريمه فرضاً.

  • لماذا اخترت أن تكون روايتك الجديدة عن عالم الصحافة؟

الصحافة كانت اختيارًا وافق اختياري للكتابة الأدبية واتخذتها مهنة وحرفة، فهى قريبة من القصة والرواية وهى نوع من الأدب، وعندما كانت الصحافة مكتوبة بأقلام الأدباء والمفكرين كانت تحرض الجماهير على الثورة؛ الثورة الفرنسية والثورة الروسية قامت كل منهما على أعمدة الصحف، و" لينين " بالذات - أَوْلى "الكهرباء" و"الصحافة" اهتمامًا خاصًا، فالكهرباء في عقيدته تعني التحرر والنمو والتطور في الإنتاج والاقتراب من معنى القضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، والانعتاق من الاستغلال لا يتحقق إلا بالفكر التقدمي المواكب للثورة، والصحيفة هى ناقلة الأفكار، المحرضة للناس على رفض الواقع المرير، لكن الصحافة التي بدأت العمل بها منذ العام 1988 في جريدة "الأهالي" لسان حال حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي - كنت وقتها طالبًا في قسم الصحافة- مرت بمراحل كنت شاهدًا على تفاصيلها، فهى التي قدمت للجماهير المصرية كل الأفكار الحديثة وهى ذاتها التي تحولت إلى أداة تدمير ثورة 25 يناير 2011، فالصحافة سلاح امتلكه النظام والرأسماليون الخونة فجعلوه قاتلًا لحلم التغيير والتقدم بدلًا من أن يكون داعيًا إليه ومحرضًا عليه، وروايتي الأخيرة "قهوة الصحافة" محاولة لرصد ما حدث للصحف المصرية ابتداء من العام 1960 حتى الآن، ففي ذلك العام قرر جمال عبد الناصر أن يؤمم المؤسسات الصحفية ليقطع الطريق على البرجوازية المصرية المعادية لتوجهاته الوطنية الوحدوية، وفي الوقت ذاته أراد أن يقطع الطريق على الشيوعيين الذين اختلفوا معه في 1959 عقب فترة تحالف أثناء العدوان الثلاثي في 1956، واستخدم عبد الناصر قوة السلطة ليصدر قانون تنظيم الصحافة، وبموجبه امتلكت الدولة الصحف وأوكلت إلى أجهزة الأمن إدارتها، وبالتالي فقدت الصحافة أدواتها، وأصبحت "المرفق العام" الذي تتحكم فيه الحكومة فتدهورت المهنة على المستويين الفني والفكري، وتحولت الصحف إلى أوراق تسبح بحمد الرئيس، وأصبحت أجهزة الأمن تتحكم في إدارتها وسياساتها، فامتلأت الصحف بالعناصر المباحثية (عملاء أمن الدولة والمباحث والمخابرات)، وفيما بعد ظهرت الصحافة المملوكة للأحزاب ورجال الأعمال، فأخذت الطابع نفسه، لهذا حاولت أن أكمل الصورة التي بدأتها في روايتي "أفندم.. أنا موجود"، وهى الرواية التي حاولت من خلالها رصد العلاقة بين ضباط 23 يوليو 1952 وكافة التيارات السياسية حتى تفجّر ثورة 25 يناير، ولأن السياسة والصحافة وجهان لعملة واحدة حاولت في "قهوة الصحافة" أن أرصد ما جرى في الصحف بعد تأميمها أو "تمليكها" للنظام الحاكم وأن أوضح للقارئ -قارئ الصحيفة- الصورة من الداخل وكيف تحكم الفساد والمال السياسي العربي والأجنبي في القضاء على دور الصحف التنويري، بالإضافة إلى الدور التخريبي الذي لعبته أموال "النفط" والصهاينة والأمريكان والعولمة في تدمير هذا السلاح المعرفي، وتحويله من تقديم المعرفة والمعلومة إلى سلاح يعادي أحلام الجماهير وكل آمالها في الحرية والعدل والاستقلال الوطني، وقد يقول قائل: وهل اختلفت أحوال الصحافة عما كانت عليه في عهود "ناصر والسادات ومبارك"؟ وهنا أقول: روايتي "قهوة الصحافة" تقول بالفم المليان أن الصحافة المصرية ذات التاريخ العريق انتهت تمامًا، وجرى تخريبها بفعل أجهزة الأمن والمال السياسي المعادي لكل ما هو وطني وقومي.

74534852_2131315740306793_9193656094436622336_o.jpg
 

  • تحاول في إبداعك إحياء الثقافة العربية للجنوب المصري.. كيف ترى المساعي الإمبريالية للهيمنة الثقافية على الوطن العربي؟

مساعى الهيمنة اتخذت عدّة صور، من أهمها إظهار "الإخوان المسلمين" في الخريطة السياسية، ومن بعد ذلك دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة لتمزيق المجتمعات على أساس ديني وإبعاد الناس عن الاصطفاف الطبقي والوطني والقومي، ودفع "صعيد مصر" ضريبة هذه الجماعات على مدى عشرات السنوات على هيئة تهجير للأقباط المسيحيين، وإجبارهم على بيع أملاكهم للإخوان وأمراء الجماعات القادمة من كهوف الماضي المظلم، وكانت روايتي "عُقْد الحَزُّون" الصادرة في العام 1999، محاولة من جانبي للتصدي لهذا الفعل الإجرامي، ثم جاءت روايتي "زهرة البستان" ومن بعدها "أرض النبي" لتكشف العلاقات الخفية بين "الإخوان" والجماعات المسيحية المتعصبة التي ظهرت كرد فعل على وجود الجماعات الإسلامية، وكيف تحولت الجماعات الدينية إلى تحالف يعادي المشروع التقدمي الذي طرحته القوى العلمانية، وكانت القضية الفلسطينية والمقاومة التي يبديها الشعب الفلسطيني الدجاجة التي تبيض ذهبًا للخطاب الإخواني الذي كان يوهم الناس بأنه جاء ليحرر "الأقصى" السليب ومدينة القدس الشريفة، ولمّا اندلعت ثورة يناير اكتشف الناس أن هؤلاء الذين دعُوا إلى تحرير الأقصى والقدس مجرد أدوات في أيدى الأمريكان وإسرائيل وأنظمة الحكم في دول الخليج. وهناك صورة أخرى للهيمنة الإمبريالية الهادفة للسيطرة على الوطن العربي ثقافيًا، هى صورة "المثقف الخائن" أو "العميل"، وهذا النموذج منتشر في المدن العربية، ويحصل على الأموال والجوائز ويجري تلميعه إعلاميًا مقابل قيامه بزرع الإحباط في نفوس الجماهير وقتل روح المقاومة بداخلها، ويحضرني في هذا المقام، روائي مصري دعا العرب إلى الاستسلام في 2006، في وقت تحرز المقاومة انتصارات على إسرائيل في حرب تموز، لأن هذا الروائي المهزوم كان يؤدي وظيفة تقاضي من أجلها أموال الجوائز وترجمت أعماله إلى الإنجليزية، ولم يمتلك القدرة على أن يواجه نفسه، وعاش حالة إنكار لما حققته المقاومة منذ أربعة عشر عامًا، وهناك أسلوب ثالث لمحاولات الهيمنة عبر بث أفكار عن الأعراق القديمة التي عاشت على أرض الوطن العربي، عن طريق إحياء "النَّعرة الفرعونية" لدى المصريين و"الفينيقية" للبنانيين و"السوريانية" للسوريين وهكذا..، والقصد من هذه الأفكار الخبيثة إلغاء فكرة القومية العربية و"قومية المعركة ووحدة المصير"، فبدلًا من أن نحارب إسرائيل وأمريكا باعتبارنا أمة واحدة تجمعنا ثقافة عربية واحدة، يحاولون أن يشعلوا فى دواخلنا الحروب العرقية القائمة على الظنّ والإغراق في الشوفينية وتضخيم الذات، فتموت فكرة قومية المعركة وتصبح الدول العربية مجرد كيانات صغيرة متناحرة يقتل أبناءها ومواطنوها بعضهم بعضا، وفي جميع رواياتي حاولت أن أشير إلى عروبة مصر، فهذه حقيقة يعرفها الدارسون والمتخصصون، فاللغة العربية والهيروغليفية والقبطية كلها تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة (اللغات السامية)، والعِرق الذي سكن مصر وأقام الحضارة القديمة له قربى بالعِرق العربي المقيم في فلسطين واليمن والحجاز والمغرب العربي، لكن في مصر جرت عملية منظمة للقضاء على العروبة، فقد أسقط "محمد علي" -مؤسس الدولة الحديثة وصاحب المشروع الإمبراطوري الذي حاول بناءه بعرق الفلاحين- أسماء القبائل، فأصبح المصري يسمى مثلًا "أحمد علي محمود" بدلًا من "أحمد علي محمود الهُذْلي" أو "السُّلَمىّ" أو "الجهّنى"، ووضع تقسيمًا مختلفًا، فقسم المصريين إلى "بدو" و"فلاحين"، ثم فرض "التغريب" على القبائل التي قاومت مشروعه الإمبراطوري، فمزقها وأسكن القبيلة الواحدة في مناطق متباعدة حتى تنكسر شوكتها لصالح الدولة المركزية، ولم تستمر عملية التحديث فعقب اتفاقية لندن 1840 انتهى الحلم الإمبراطوري، لكن المصريين حافظوا على لغتهم وإسلامهم ومسيحيتهم وأنشئوا "التنظيمات" التي تسهل الحياة وتساعدهم عليها، وجاءت المرحلة الناصرية لتربط مصر بمحيطها العربي، ثم انتهت هذه المرحلة لتدخل البلاد في "نفق" كامب ديفيد، وتتحول إلى مستهلك لكل نفايات الغرب وأمريكا وإسرائيل، لكن محاولات الهيمنة الثقافية من جانب الإمبريالية لم تتوقف عند هذا الحد، فقد طلبوا من حسني مبارك تخفيف اللهجة القومية العروبية وجرعات التاريخ من المناهج الدراسية واستجاب لهم، وبلغ بهم التبجح حَدّ المطالبة بمحو آيات الجهاد من القرآن الكريم، وهنا لم يستطع مبارك ولا شيوخ الأزهر الموالون للنظام الإقدام على هذه الخطوة.

46028407_1621123347992704_5521018461431529472_o.jpg
 

وبالنسبة لي، كنت وما زلت حريصًا على إظهار المكوّن العربي وهو الأبرز والمسيطر على بقية المكونات الثقافية للمجتمع المصري، خاصة الجنوب الذي هو "معرَّب" من قبل الفتح الإسلامي حيث الاتصال بين اليمن والحجاز بمناطق أسوان وقنا لم يتوقف، وسجلت رسوم مقبرة فرعونية في منطقة "بني حسن" في محافظة المنيا في صعيد مصر رحلة سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء إلى منطقة المنيا، وهى الرحلة التي ذكرها القرآن الكريم، وحاولت في روايتي "عِرق الصبا" الصادرة العام الماضي أن أقدم القبائل العربية وصور التفاعل بينها وعاداتها وتقاليدها في قرية "نزلة بركات" وهى قرية متخيلة ترمز لوطن العرب كله، فإذا كان المثقف المأجور يتقاضى الأموال من المركز الإمبريالي لتخريب الثقافة العربية، فإن على المثقف المقاوم المدافع عن كيانه الوطني والقومي أن يتصدى للأفكار المخربة بكافة الأدوات المتاحة ومن أهمها الأدب بالطبع.

21366726_1180655862039457_2342540311730243817_o.jpg
 

  • تمتاز أعمالك بوجود مساحة واسعة للصراع الطبقي لذا اتهمك البعض بأنك تكتب "أدبًا أيديولوجًيا".. كيف ترد؟

أرّد على هذا البعض بوضع تعريف لكلمة "أيديولوجيًا"، أن الأيديولوجيا تعني مجموعة أفكار ومعتقدات تحدد نظرة الإنسان للعالم والوجود والحياة..، فإذا كانت أيديولوجيتي تقوم على الإيمان بالاشتراكية العلمية ذات الخصوصية العربية المصرية واعتبار أن العدو هو إسرائيل وأمريكا والبرجوازيات العربية التابعة العميلة المتحالفة معهما، فإنه من الطبيعي أن تكون هذه الأيديولوجيا محل عداء وكراهية كل أصدقاء وعملاء إسرائيل وأمريكا والبرجوازيات العربية، لهذا فإن الترويج لمفهوم "الأدب السابح في الفراغ" هو جزء من برنامج دعائي برجوازي يستهدف إسقاط الأدب من قائمة الأسلحة الفكرية التي يعتمد عليها "معسكر المقاومة" في فضح القوانين والوسائل والطرق التي تستخدمها البرجوازية الحاكمة أو الطبقات الحاكمة في الوطن العربي، بهدف تثبيت المشهد الراهن وهو مشهد قمعي، ديكتاتوري، فاسد ويعادي الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال السياسي والاقتصادي ويكرس التبعية لأمريكا وإسرائيل.

بخصوص حالتي الإبداعية وما تردّد حول ما أكتبه، كان المستهدف إخراس صوتي الروائي والقصصي لصالح الكتّاب المجندين في معسكر العولمة الأمريكية الصهيونية، فعندما سقط الاتحاد السوفييتي ظهرت فكرة "العالم الأحادي القطب" وفكرة عدم الجدوى وأصيب المثقفون بحالة إحباط؛ منهم من أصيب بأمراض عقلية ونفسية بسبب السقوط التراجيدي للاتحاد السوفييتي، وعندما حاولت أن أكتب ما أرى أنه يمثل نوعًا من التصدي والمقاومة لـ"هوجة مثقفي العولمة" تصدى لي عدد من هؤلاء، وقالوا عن رواياتي وقصصي إنها "كتابة قديمة" و"مؤدلجة"، وهذا كله راجع إلى إصراري على مواصلة طريقي ومشروعي المستمر منذ 1994، ومازلت قابضًا عليه بإصرار وقوة، والمهم هنا هو التوقف أمام هذه "الدعاية السوداء" لنعرف أنها لم تصمد أمام زحف الجماهير في 25 يناير 2011، وإذا راجعت الخريطة الإبداعية -المزيفة- التي حاولت تكريسها كتائب العولمة المدعومة من المراكز الثقافية الملحقة بالسفارات الغربية في القاهرة، سوف تكتشف أنها غير موجودة، كلهم اختفوا رغم كل الدعم المادي والمعنوي، لأن أعمالهم لا تمتلك أسباب البقاء ولأنها "كاذبة" فقد انصرف الناس عنها، ومنذ حوالي ست سنوات أعدت طباعة بعض رواياتي ونفذت من المكتبات ومراكز التوزيع.

19243032_1130536607051383_2044937314765224360_o.jpg
 

يمكن القول إن موظفي الأفكار "المرتزقة" الذين حملوا راية الترويج لفكرة العولمة الثقافية "الأمريكية" سقطوا من ذاكرة القراء والمهتمين بالأدب، أفلسوا واختفوا حتى على مستوى الحضور الجسدي، بعد أن حققت المقاومة الفلسطينية واللبنانية انتصارات وامتلكت أدوات قوية غيرّت من المعادلة في الشرق الأوسط، فقد كان رهان هؤلاء دائمًا على انتصار أمريكا وإسرائيل، لكن ما حدث هو تصاعد قوة معسكر المقاومة وضعف وتخاذل المعسكر الصهيوني الأمريكي النفطي المتعولم المعادي للشعوب العربية وحلمها المتمثل في الحرية والعدل الاجتماعي والعيش في أوطان تحكمها أنظمة وطنية منتخبة ديمقراطيا غير مدعومة من صندوق النقد الدولى والبنك الدولي.

بصيغة أخرى يمكن القول إن "هوجة مثقفي العولمة" انحسر نفوذها مع تصاعد وتيرة الغضب الجماهيري وتفجر الثورات العربية والانتفاضات الشعبية وإصرار "معسكر المقاومة" على الاستمرار حتى تحقيق النصر النهائي وهو قريب، فكما انتهى الاستعمار الإنجليزي والفرنسي والإسباني والإيطالي سوف ينتهي الاستعمار الأمريكي وسوف يزول الكيان الصهيوني، وسوف تمتلك الشعوب زمام أمور بلادها، وساعتها لن يكون هناك موضع قدم للنخب الخائنة.
 

  • إذن.. لماذا تذخر رواياتك بشخصيات يسارية مشوهة وانتهازية مع أن اليسار المصري قدم تضحيات جليلة في معركته ضد الإمبريالية العالمية ووكلائها وضد الكيان الصيهوني؟!

هذا اتهام يظلم رواياتي ونظرتي لشخصية "المناضل" التقدمي، على سبيل المثال، قدمت شخصيات مناضلة في رواية "أرض النبي"، منهم شخصية الموسيقي "لينين البوري" الذي حاول بناء وجدان سليم للأطفال عن طريق تعليمهم أصول الموسيقى الشعبية التي أبدعها الفلاحون وغيرهم من الطبقات المنتجة، وكذلك شقيقته "لطيفة البوري" التي حاولت تأسيس مكتبة عامة تكون متاحة لبناء وعي الناس في قرية "بني عيش" التي تدور فيها أحداث الرواية في صعيد مصر، وكذلك قدمت شخصية المرأة المناضلة الصحفية التي احتجت على انحراف زوجها وانحراف المنظمة اليسارية التي كانت عضوة فيها، وبلغ الاحتجاج حدّ الطلاق، وتزامن ذلك مع بحثها عن طريق تقدمي بعيد عن الذي اتبعته المنظمة المنحرفة التي تحولت إلى منظمة حقوقية متمولة من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وهذه الشخصية تجدها في رواية "أفندم.. أنا موجود"، ولدىّ رواية كاملة هى "أوراق الجارح" تروى قصة حياة مناضل شريف اختار أن ينظم الفلاحين ويشكل نقابة تجعل لهم قدرة على مقاومة السلطة وتنظيماتها وهيئاتها، وكان الاغتيال هو الجزاء الذي لقيه على أيدي جهاز "أمن الدولة"، وفي روايتي "العباية السودا"، و"كحل حجر" يظهر صوت الراوي المتصدي لجماعات "المثقفين المعولمين". لكنني في الوقت ذاته كنت حريصًا على إظهار آثار "البرجوازيين الصغار" على الأحزاب الشيوعية التي كونوا جسمها ولجانها المركزية، وهذا ليس افتراء على هذه الأحزاب بقدر ما هو إقرار حقيقة، فقد سيطرت العناصر البرجوازية الصغيرة عليها وأفشلت نضالها وانتهى بها الأمر إلى الحل والانقسام. ولا أحتاج هنا إلى مراجعة تاريخ الأحزاب الشيوعية المصرية، فقد شهد العام 1965 أغرب حدث يمكن أن يقدم عليه حزب شيوعي، وهو قرار حل الحزب والاندماج في الاتحاد الاشتراكي "حزب السلطة" آنذاك، وهذا القرار ما زال الشيوعيون المصريون يدفعون ثمنه حتى الآن، ولو أن هذه الأحزاب كانت أحزابًا "فلاحية" و"عمالية" ما أصابها الانقسام والتشرذم والانحراف النظري الذي أودي بها وجعلها سرابًا وأنهى وجودها إلى الأبد، ولم يكن لدىّ طريق آخر غير فضح هذه العناصر البرجوازية الصغيرة التي تحولت للعمل في خدمة الإمبريالية من خلال ما يسمى المنظمات الحقوقية المتمولة وتعمل لخدمة أهداف الرأسمالية العالمية التي تقود أمريكا معسكرها في العالم كله.

16142679_988642984574080_1086689101553896426_n.jpg
 

  • لجأت إلى التوثيق مرة واحدة في أعمالك عندما نشرت وثيقة حل الحزب الشيوعي المصري في أبريل 1965 ضمن رواية "أفندم.. أنا موجود".. هل ترى التوثيق يضيف أم يُضعف العمل الأدبي؟

حاولت في "أفندم.. أنا موجود" أن أجيب على سؤال: هل يصلح ضباط الجيش لقيادة الدولة؟ وهل ما حدث ليلة 23 يوليو 1952 كان لصالح حلم "الثورة الشعبية" أم اغتيالًا لهذا الحلم؟ ولأن الفترة التي حاولت رصدها بدأت منذ 1948 وهزيمة الجيوش العربية في فلسطين وتبلور فكرة تنظيم الضباط الأحرار الذي استولى على السلطة بانقلاب، وامتدت حتى 2012، لذلك لم يكن من المنطق أن أكتب عن كل هذه الفترة دون النظر في ما كتبه صنَّاع 23 يوليو، وما كتبه المشاركون في صنع الأحداث، وكان الشيوعيون المصريون بكافة أطيافهم رقمًا مهمًا في المعادلة حتى أطيح بهم وأودعوا المعتقلات في يناير 1959 ثم إجبارهم على العمل من قلب الحزب الحاكم (الاتحاد الاشتراكي)، ولكي يجدوا لأنفسهم المبرر الكافي لقبول هذه الفريضة التي فرضها النظام المنتصر القوي، كتبوا وثيقة تقدمت بها اللجنة المركزية إلى "الرفاق" لإقناعهم بقبول قرار حل الحزب الشيوعي المصري مستندة إلى رؤية سوفيتية صدرت في ذلك الوقت محتواها يقول: إن الأنظمة العسكرية الوطنية في العالم الثالث تتبع طريق "التنمية اللارأسمالي" وبالتالي يمكن التحالف معها في إطار الحرب البادرة القائمة آنذاك، وهذه الوثيقة تحولت إلى دليل إدانة ضد من كتبوها ودعوا إليها وروّجوا لها، لذلك حاولوا إخفاءها بكافة الطرق خوفًا من الأجيال الجديدة التي حاولت تأسيس حزب شيوعي جديد، بعيد ما حدث في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لذلك ليس سرًا لو قلت أنني حصلت على نص الوثيقة المكتوبة على الآلة الكاتبة من خلال حفيدة أحد أعضاء الحزب الشيوعي الذي حُل بموجبها.

على المستوى الإبداعي وموقع الوثيقة من روايتي، كان أمامي طريقان، الأول تلخيصها على هيئة حوار يدور بين اثنين من شخصيات الرواية، والثاني نشرها كاملة، واخترت الثاني لأسباب منها أن الأمانة التاريخية تفرض عليَّ تقديم النص كاملًا أمام القرَّاء خاصة الشباب منهم، لتكون أمامهم الفرصة الكافية لمعرفة ما حدث في تلك الفترة من تاريخ مصر والوطن العربي، بالإضافة إلى أن "أفندم.. أنا موجود" رواية سياسية، وبالتالي فإن قارئها لن ينزعج من وجود نص الوثيقة بل يهمه أن يعرف تفاصيلها وسوف يصبر على قراءتها ولن تكون عقبة في طريق قراءته للرواية.

أما التوثيق التاريخي، فهو في حالة "أفندم.. أنا موجود" كان ضرورة فنية وفكرية، فالبطل باحث في العلوم السياسية وبالتالي من المقبول منطقيًا أن يكون من مهامه البحث التاريخي في الكتب والوثائق، هذا هو التبرير الفني لاعتماد الرواية على التوثيق، ومن المهم هنا القول إنني لا أكتب بطريقة "الراوي العليم"، بل أكتب بـ"الراوي المشارك" وهو الأقرب إلى البشرية، فلا يستطيع الكلام عن الأحداث التي لم يشارك في صنعها ولا يستطيع الزعم أنه يعرف كل الخبايا والخفايا، لكنه فقط يساعد القارئ على تكوين وجهة نظر من خلال تقديم الوسائل التي تسهل له هذه العملية ومن أهمها الوثائق ذات الشأن المتصلة بأحداث كبرى صاغتها أجيال قديمة، وهى معتقدة أنها قدمت "تضحية"، رغم أن هذه التضحية أضرت الطبقة العاملة والوطن كله.

925.jpg
 

  • في بعض تصريحاتك تتعالى على الأدب غير الواقعي.. أليس مع حق القارئ أن يجد أمامه كل الأشكال الأدبية ليختار من بينها؟

أنا لا أتعالى على الأدب غير الواقعي، الصحيح أنني أرفض التجارة بالأدب وتحويله إلى سلعة أو وسيلة للحصول على المال، وأرى أن الأدب الواقعي هو الأدب الثوري الذي يدعو الناس لقراءة واقعهم والثورة على الفقر والقمع والتجهيل، لكن الآداب غير الواقعية تقدم خدمات أخرى مثل التسلية وتضييع الوقت وتغييب الوعي، وكل قارئ حر في اختياره، وأنا أيضا حر في الإعلان عن وجهة نظري، وأنا لا أدعو لمنع أو مصادرة الآداب غير الواقعية لكن من حقي أن أرفضها مثلما يرفض الكتّاب غير الواقعيين الكتابة الواقعية، أليست هذه هى الديمقراطية؟!

  • كيف ترى المشهد الروائي المصري الراهن؟

أرى معركة بين الثورة والثورة المضادة، بمعنى أن الأدب الثوري المدافع عن الإنسان والمنحاز إلى الحرية والعدل الاجتماعي تتسع دائرته ويكسب مساحات جديدة، وفي الوقت ذاته تواصل الثورة المضادة تضخيم القيم المالية للجوائز المحلية والعربية بهدف استقطاب الروائيين للكتابة على مقاس مانحي هذه الجوائز، فالمعركة الثقافية والإبداعية لا تقل ضراوة عن المعركة السياسية والاقتصادية التي تدور بين الثورة المصرية والثورة المضادة لها، وهذان المعسكران أصبحا من الوضوح لدرجة لم تعد بينهما مناطق رمادية، فإما أن تكون أديبًا ثوريًا وإما أن تكون غير ذلك فتحصل على النجومية والأموال، وبعد فترة سوف يجري تلميع غيرك حسب ما يطلبه الزبائن وحسب نظرية الربح، فالسيد صاحب المتجر يقدم السلع التي تحقق له الأرباح الأعلى وتضمن له المكسب الأكبر، أما إذا كنت أديبًا ثوريًا فأنت محل تقدير الشريحة المحترمة التي ترى أن الأدب أكبر من أن يكون سلعة أو أداة للتباهي وتحقيق النجومية الاجتماعية، وعندي ثقة كبيرة أن الزَّبَد يذهب جفاءً وأن ما ينفع الناس سوف يمكث في الأرض ويجد من يعيد النظر إليه ويمنحه التقييم الصحيح.

  • كانت لك تجربة واعدة بعد ثورة يناير مباشرة بتأسيس "تيار الثقافة الوطنية".. لماذا تفكك التيار؟

منذ أن ظهرت كلمة "كامب ديفيد" في سجل السياسة المصرية في سبعينيات القرن الماضي، تصدى المثقفون اليساريون بأطيافهم لهذا التغلغل الصهيوني الأمريكي في الحياة الاجتماعية والثقافية بواسطة تشكيل لجان الدفاع عن الثقافة الوطنية والقومية، وأذكر هنا تجربة الدكتورة لطيفة الزيات، وتجربة الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى الذي ترأس تحرير مجلة "الثقافة الوطنية"، وهناك تجارب أخرى حاول المثقفون من خلالها التصدي لكل ما هو صهيوني وأمريكي.

وتجربتي في "تيار الثقافة الوطنية" كانت شراكة مع الباحث والمترجم عمرو خيري والدكتور يسري عبدالله وآخرون من شبان ميدان التحرير الثوار، وكان الهدف إحياء تجربة التصدي للتيار المتصهين والمتعولم بشروط اللحظة الجديدة وهى لحظة الثورة الشعبية، وحاولنا من خلال ندوات التيار إحياء التجارب الإبداعية الثورية التي أهيل عليها تراب النسيان عمدًا، والتصدي لجماعة الإخوان وجماعات الفكر السلفي، لكن فيما بعد ثبت أن التيار لم يكن على قلب رجل واحد، وكالعادة، ابتعد البعض وتكاسل البعض، وركب البعض الثالث في مركب الثورة المضادة بعد 3 يوليو 2013، لكن تيار الثقافة الوطنية غير المنظم المضاد لكل ما هو متصهين ومعولم موجود وبقوة، فإذا كانت جماعة المنتفعين بأموال العولمة موجودة وفاعلة، فإن جماعات الرفض للاختراق الصهيوني الأمريكي كثيرة، لكنها غير منظمة لأن ما حدث في 25 يناير وما بعده جعل فكرة التجمع في مكان واحد "جريمة" لها ضريبة لا يستطيع كل المثقفين أو بعضهم تحملها، ولكن الثقافة الوطنية والظروف الموضوعية سوف تفرز من يدافع عنها في كيان جامع وقادر على تحقيق ما فشلنا في القيام به.

10155673_623491951059445_2446213804921158242_n.jpg
 

  • كيف ترى واقع الجامعة المصرية التي كانت قلعة نضال وطني منذ إنشائها في عام 1908 وهى التي احتضنت أفكار طه حسين وتلاميذه ثم الدكتور أمين الخولي ونصر حامد أبو زيد وغيرهم؟

الجامعة المصرية يديرها جهاز "الأمن الوطني" ومن قبله جهاز المباحث العامة، وهى إلى الآن لم تتعافَ من الضربة التي تلقتها في مارس 1954 عندما فصل عبد الناصر مائة وخمسين أستاذًا وباحثًا بتهمة الانتماء إلى الشيوعية وإلى حزب الوفد، وجرى تسليم مفاتيح الجامعة للضباط الجهلة الحاقدين على كل ما هو تقدمي ومتحرر، ورغم هذا ظلت الجامعة المصرية متماسكة قادرة على صنع "باحث علمي"، وحدثت انتفاضة الطلبة في 1968 ضد ضباط هزيمة 5 يونيو 1967، ثم انتفاضتي عام 1972 وعام 1973 وكانت هاتان الانتفاضتان تطالبان بتسليح الشعب وتحرير سيناء المحتلة عبر الكفاح الشعبي ما دام الجيش النظامي غير قادر على تحريرها، وهنا أحكم السادات قبضته على الجامعة وأعاد الحرس الجامعى مرة أخرى ليدير الجامعات ويتحكم إلى جانب "أمن الدولة" في اختيار العمداء ورؤساء الجامعات، ونهضت الدولة البوليسية بكل قوتها فقتلت روح البحث العلمي والتحرر وأصبح الوصول إلى هيكل الجامعة الإداري والمناصب البحثية المهمة مرتبط بموافقات أجهزة الأمن، ورغم ذلك ظل قسم اللغة العربية في "آداب القاهرة" وفيًا لنهج طه حسين التحرري التقدمي، إلى أن جرى إخراج الدكتور "نصر أبو زيد" من القسم والحكم بتكفيره ولم يتحرك زملاءه لإنقاذه ومنهم بالتحديد الدكتور "جابر عصفور" عضو لجنة الترقيات، وهو نفسه الذي استغل الحدث ليكتب عن التنوير والتصدي للإرهاب!

خلاصة القول، لم تعد الجامعات المصرية قادرة على تخريج نقاد أو علماء بالمعنى الحرفي للكلمة، بسبب السيطرة الأمنية للدولة البوليسية، لكن الأمر لا يخلو من اجتهادات ومحاولات فردية من بعض الباحثين من خلال مقالاتهم أو مشاركاتهم في الندوات الأدبية بعيدًا عن قاعات الجامعة.

  • كيف يواجه المبدعون العرب التطبيع الثقافي؟ وهل توافق على الترجمة من وإلى العبرية؟

مواجهة التطبيع الثقافي تكون بانتخاب اتحاد كتاب العرب تحت رعاية وقيادة "المقاومة الفلسطينية" بما لديها من خبرات تنظيمية وحركية، ثم يصدر الاتحاد مجلة ورقية وأخرى إلكترونية ويتواصل مع كل الجهات التقدمية في كل البلدان العربية، ويعتبر نفسه في مهمة نضالية وقتالية هدفها الدفاع عن وجودنا الثقافي.

أما الترجمة من وإلى العبرية، فهى عملية غير ذات قيمة إلى جانب كونها عمل خياني، فالقتلة وداعموا القتلة لا يستحقون من الكاتب الحر التوجه إليهم بأية صيغة، بالإضافة إلى أن العبرية ليست لغة أدب وليس لديها أدب إنساني، فلا قيمة لهذا العمل المتدني غير القيمة المادية التي يحصل عليها الكاتب مقابل منح الصهاينة صك الاعتراف بوجودهم، وهذا ما يسعون إليه. ودعني أقول إن المركز الثقافي الملحق بسفارة الصهاينة في القاهرة لم يستطع اختراق الثقافة المصرية، وكل ما استطاع فعله استقطاب عدد من الساقطين بالاتفاق مع أجهزة الأمن.

14079641_863901353714911_6810610696751458234_n.jpg
 

  • هل كانت المقاومة الثقافية العربية للمشروع الصهيوني على قدر تضحيات الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة؟

الدم لا يعادله شيء، لا الحبر ولا البيانات النارية ولا حتى تأليف الكتب، والدم الفلسطيني هو من كسر أنف الصهاينة، وإذا كانت الأنظمة العربية المعبرة عن البرجوازيات التابعة قد سحبت نفسها من الصراع العربي الإسرائيلي وتركت الشعب الفلسطيني عاري الظهر، إلا أن الشعوب العربية ما زالت مدركة قيمة التضحيات التي قدمها الفلسطينيون وما زالوا يقدمونها هم والأشقاء في معسكر المقاومة اللبناني، وأستطيع القول إن تضحيات الشعب الفلسطيني أكبر من التعاطف العربي والتعاطف الذي أبداه المثقفون.

  • كيف ترى ما يسمى بـ"صفقة القرن" ودور المقاومة في مواجهتها؟

صفقة القرن حديث قديم يعاد تقديمه على لسان جديد، فلو أننا استرجعنا قصة تأسيس الكيان الصهيوني، سنجد أن سيناء المصرية كانت الأرض المنتظر توطين يهود أوروبا فيها، ثم اختلف الوضع فمنح الإنجليز فلسطين لليهود، وجاءت سبعة جيوش عربية تحت شعار التصدي للصهاينة، لكن الحقيقة كانت غير ذلك، كانت هذه الأنظمة تعيش أزمة داخلية وأرادت أن تجعل من حرب فلسطين طوق نجاة من غضب شعوبها، واليوم يتكرر المشهد نفسه مع الفارق في الظروف الدولية والمحلية المحيطة بالصفقة، ترامب –المأزوم- المطعون في شرعيته يغازل الناخب الأمريكي واللوبي الصهيوني المسيطر في أمريكا، وبعض الحكام العرب لا يمانع في إتمام الصفقة لكن الشعوب العربية والمقاومة الفلسطينية لن تسمح بها، ولعلك تتذكر منذ شهور، عندما أطلقت المقاومة صواريخها تجاه "حيفا" وكيف أفشلت هذه الصواريخ الوهم الذي أراد "نتنياهو" تصديره للصهاينة، أقصد "القبة الحديدية" التي وعدهم بأنها ستكون حصن الأمان لهم، لكن ما حدث أن الإسرائيليين دخلوا الملاجئ وعاشوا الذعر الحقيقي، وهو ذات الذعر الذي عاشه الإسرائيليون في 2006 في حرب تموز، وعمومًا محور المقاومة يزداد قوة، وقد مضى زمان عربدة إسرائيل دون رادع، ولعل ما حدث بين إيران وأمريكا يثبت أن المشهد القديم لم يعد كما كان، هناك صوت قوى موجود على الأرض هو صوت المقاومة المسلحة، القادر على تغيير المعادلات، وعلينا أن نعتبر صفقة القرن هى القشة التي قسمت ظهور الأنظمة العربية العميلة التي أيدتها ودعمتها وسوف تثبت الأيام أن في فلسطين مناضلين قادريين على حماية وطنهم الكامل الموحد.

  • أخيرا.. هل أنت متفائل بمستقبل الثقافة في مصر؟

التفاؤل موجود وله أسبابه، فما دامت وزارة الثقافة التي تتبع النظام لم تستطع إخراس الأصوات الرافضة لتوجهاته فهذا يدعو للتفاؤل، وأزعم أن الثقافة التقدمية ستزدهر مع تواصل ثورات وانتفاضات الشعوب العربية، والشعب المصري ليس استثناء من هذه القاعدة، والشعب دائمًا له الغلبة مهما اشتدت قوة وقسوة النظام، وإذا ألقيت نظرة سريعة على المشهد الثقافي المصري بعيدًا عن دوائر الحكومة سوف تجد أن الإنتاج الإبداعي، الراقي، الوطني، الثائر والرافض للقمع، في تزايد مستمر، فالنار تحت الرماد لا يراها إلا من امتلك البَصَر والبصيرة.