Menu

ادلب عنوانًا للمعركة الوطنية القومية

حاتم استانبولي

معارك الشمال السوري تعيد وضع مواقف الجميع مرة أخرى أمام خيارات حرجة؛ الموقف الروسي الذي أراد أن يصل المسار السياسي الذي بدأه في سوتشي وأستانة إلى نهايات سياسية تفتح باب الحوار المباشر بين اسطنبول ودمشق، للخروج بحل سياسي يعيد إلى سوريا وحدتها السياسية والجغرافية، ويؤكد سيادتها على أراضيها داخل حدودها الدولية.

الموقف التركي الذي تتصارعه عقليتين متناقضتين عقلية الدولة وعقلية الجماعة الإخوانية؛  عقلية الدولة التركية التي تقوم على أسس الأمن القومي التركي الذي يؤكد على الالتزام بالقانون الدولي واحترام وحدة سوريا وسيادتها، ويطلق مواقف عامة بشأن محاربة إرهاب التنظيمات الإرهابية هذه المواقف التي تقاطعت مع المواقف الروسية والإيرانية في سوتشي وأستانا، هذه العقلية تُسْتَثمَر في علاقات تركيا مع الغرب ومؤسسات المجتمع الدولي، ولها مصلحة قومية في وحدة سورية. العقلية الإخوانية، هذه العقلية تظهر في السياسات التركية الموجهة جنوبًا، وتظهر في عنوانين؛ الموقف من القضية الفلسطينية ودعم حركة الإخوان المسلمون وتنظيماتها المسلحة في كل من سورية و ليبيا والصومال واليمن.

فلسطينيًا، الدعم التركي لم يخرج عن الإطار السياسي اللفظي المحكوم بموقع تركيا في الحلف الأطلسي وعلاقتها مع إسرائيل، من جانب آخر تستخدم هذه العقلية العنوان الفلسطيني في الداخل التركي من أجل تجييش المزاج العام المناصر للقضية الفلسطينية لتوظيفها لصالح القاعدة الاجتماعية لحزب العدالة والتنمية، هذه العقلية تسمح لتركيا باستخدام الأدوات الدينية الإخوانية وإمكانياتها في خلق أجواء عامة لتبرير الاعتداءات التركية على الأراضي العربية وتغيير عناوين المعركة الوطنية التحررية العربية إلى معارك بعناوين دينية بجوهر مذهبي، يضع المنطقة أمام خيارات التفتت والتشرذم المجتمعي، وتعيد خلق ظروف لإعادة إنتاج الفكر الديني المذهبي المتطرف.

ادلب وضعت الدولة التركية أمام توضيح خياراتها، إما خيار عقلية الدولة أو خيار عقلية الإخوان وجماعاتها الارهابية المسلحة. البعض في الدولة التركية (المعارضة) يدرك مخاطر خيار دعم التنظيمات الإخوانية وحلفائها من نصرة وأخواتها في الشمال السوري وانعكاساتها على الأمن القومي التركي، الذي يطالب الدول بوقف دعم التنظيمات المسلحة التركية، في حين يخوض حربًا من أجل تنطيمات الإخوان المسلمون المسلحة. هذا التناقض يُظهر ازدواجية العقلية التي تحكم أنقرة التي تريد استثمارها في تظهير موقف منسجم مع موقف إسرائيل والغرب وأمريكا من الدولة السورية وحلفائها في محور المقاومة، الذين يعلنون أن معركتهم ليست مع تركيا في الشمال السوري، بل في جنوبها مع إسرائيل، ولكن المواقف التركية الإسرائيلية تشهد تناغمًا عسكريًا وسياسيًا، والاعتداء التركي وضع تركيا بذات الموقع مع إسرائيل كدولة محتلة، هذا الموقف الذي ستلتقته واشنطن لتوسيع هوة الموقف التركي الروسي من جانب، وتشجيع أنقرة على الذهاب بعيدًا في الحرب التي تدرك أن استمرارها سيشكل استنزافًا لتركيا وسورية وروسية و إيران وسيفتح بابًا للتفتيت والانقسام المجتمعي التركي الذي هو هدف استراتيجي غير معلن لواشنطن وحلفائها من جانب آخر. هذه الحرب مصلحة أمريكية إسرائيلية مشتركة ستوظف لإضعاف الجميع، ومن مصلحة تركيا تداركها لكونها الهدف الأبعد للسياسة الأمريكية الإسرائيلية الغربية. العدوان على الشمال السوري يطرح سؤالًا حول شرعيته القانونية التي تقول أنقرة أنه تدخلًا بطلب من الشعب السوري، هذا التبرير الذي سقط عند انعقاد مجلس الأمن وجلس ممثل الدولة التركية وممثل الدولة السورية وجها لوجه كممثلين لدولتين ذات سيادة، هذه السيادة التي تمثلها الدولة السورية، وهي التي تشرع أي تدخل يهدف لمساعدتها في تصديها للإرهاب.

العدوان العسكري التركي داخل الأراضي السورية لا يحمل أية مبررات قانونية، بل إنما يؤكد أن العدوان هو بناء على طلب مجموعات إخوانية إرهابية مسلحة دوليًا، مسجلة في قوائم الارهاب الدولي، ويظهر أن عقلية الإخوان هي التي أخذت تركيا كدولة لموقع حماية التنظيمات الإرهابية المسلحة، وهذا سيبرر مستقبلًا دعم القوى الكردية المسلحة لذات المبررات التي حكمت التدخل التركي لصالح التنظيمات المسلحة الارهابية للإخوان وحلفائهم.

الموقف الايراني وحلفائه؛ هذا الموقف الذي يؤكد أن معاركه مع الدولة السورية هي معارك وطنية، من أجل الدفاع عن وحدة سورية وموقفها المقاوم، ويؤكد أن معيار الموقف الديني من فلسطين هو مقاومة عدوانية إسرائيل الاحلالية وحليفتها الولايات المتحدة وحلفائها.

الموقف السوري؛ هذا الموقف الثابت الذي قاتل وصمد أمام أعتى وأطول حرب تشن على دولة في العصر الحديث، هذه الحرب التي استخدمت فيها كل الأدوات العسكرية والاقتصادية والمالية والسياسية والدينية والإعلامية في عملية متكاملة، من أجل إرضاخ المواقف الوطنية العروبية السورية التي تقف عقبة رئيسية أمام تصفية القضية الفلسطينية بعنوانها صفقة القرن. الموقف الوطني السوري كشف مدى تآمر الرجعية العربية ودور الجامعة العربية في تغطية العدوان المتعدد الأشكال والأدوات على سورية.

 معركة ادلب هي عنوانًا للمعركة الوطنية الكبرى التي يخوضها الجيش العربي السوري دفاعًا عن القومية العربية التي أعلن نتنياهو انتصاره عليها، هذا الانتصار الوهمي الذي يلتقي مع الانتصارات الوهمية للإخوان المسلمون وتفريخاتهم ضد القومية الوطنية العربية. معارك المقاومة الوطنية التحررية لم تكن في يوم من الأيام معارك بعناوين مذهبية، هذه العناوين التي تدخل المجتمعات في معارك مع بنيتها وتركيبتها المجتمعية وتعطي مبررات للدولة اليهودية. معارك الشعوب هي معارك وطنية تعبر عن المصالح الوطنية الجمعية لكل فئاتها الاجتماعية بغض النظر عن دينها أو مذهبها أو لونها أو عرقها.